باحثون إسرائيليون: الامتحان الحقيقي للاتفاق السعودي الإيراني سيكون في قدرته على إنهاء حرب اليمن
عربي تريند_ رأى باحثون في معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، أن استئناف العلاقات السعودية- الإيرانية لطمة لإسرائيل، لكنه لن يمنع تطبيعاً مستقبلياً بين الرياض وتل أبيب.
واتفقت السعودية وإيران مؤخرا بوساطة صينية على عودة العلاقات بين البلدين، وإعادة السفيرين بين الرياض وطهران بعد شهرين على أبعد تقدير، وتفعيل الاتفاقيات السابقة بينهما، بالإضافة إلى إطلاق حوار واسع بشأن القضايا الخلافية والإقليمية، مع التشديد على الأمن والاستقرار الإقليميين.
التفاهمات بين طهران والرياض تشكل لطمة لتل أبيب… لكنها لن تمنع تطبيعاً مستقبلياً بين السعودية وإسرائيل
وقال الباحثون سيما شاين، ويوئيل غوجانسكي، وإلداد شفيط، إن استئناف العلاقات يصب في مصلحة الطرفين، حيث توج الاتفاق عامين من جولات الحوار بين الجانبين بوساطة عراقية وعُمانية، وإن أساس المصلحة الإيرانية كان الرغبة في تحقيق رؤية النظام الإيراني بتحسين العلاقات مع الجوار كما أعلن الرئيس إبراهيم رئيسي، كجزء من السياسة العامة الأكبر التي تطمح إلى تقليل التأثير الأمريكي في المنطقة، وتخفيف الحصار على طهران.
استئناف العلاقات السعودية- الإيرانية لطمة لإسرائيل، لكنه لن يمنع تطبيعاً مستقبلياً بين الرياض وتل أبيب.
فيما تكمن المصلحة السعودية بحسب الباحثين، في إنهاء الحرب الدائرة ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، وكذلك وقف الهجمات المتكررة عليها كما جرى في الهجوم على شركة “أرامكو”.
ويؤكد الباحثون الإسرائيليون أيضا، أن العلاقات بين الدولتين شهدت تقارباً وتباعداً، ثم حدثت الأزمة الأكبر بينهما في أواخر سنة 2022، في أعقاب الاحتجاجات الداخلية في إيران، والاتهامات التي وجّهتها طهران إلى الرياض بأن وسائل الإعلام التابعة لها تحرض المواطنين الإيرانيين.
وقال الباحثون: “إن الخطوة السعودية وعلى صعيد الوعي، شكلت ضربة للجهود التي أعلنها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بشأن الوصول إلى تطبيع رسمي مع الرياض؛ وضربت الجهود الإسرائيلية لتأسيس معسكر ضد إيران في المنطقة”.
وأكد الباحثون أن الخطوة السعودية تشير إلى أن مصالحها الجيواستراتيجية نابعة من علاقات القوة الواضحة لمصلحة إيران، وأن التخّوف السعودي من إيران لم يقلّ حتى بعد تجديد العلاقات، كما أن المصلحة في علاقات أمنية عميقة مع الولايات المتحدة مستمرة، لذا فإن الاتفاق يعكس تخوفا من أن الالتزام الأمريكي تجاه السعودية غير كافٍ، وأن إيران دولة عتبة نووية، ويمكن أن تكون في الطريق إلى دولة نووية، وأن إسرائيل لا تشكل شبكة أمان في مقابل التهديد الإيراني”.
ويقول الباحثون: “استنتجت السعودية أنه عليها إدارة المخاطر وتقليل حدة المواجهة مع منافستها إيران، وأن استئناف العلاقات بالنسبة لإيران بوساطة صينية، سيقوّي شعور الأمان لديها وسيزيد من قدرتها على التعامل مع تشديد العقوبات الذي تريده واشنطن وإسرائيل”.
ويمكن أن يدفع استئناف العلاقات بين السعودية وإيران، بحسب الباحثين، باتجاه “تقوية جبهة روسيا والصين التي تستند إليها إيران”.
ويخلص الباحثون الثلاثة للقول إنه رغم هذا كله، فإن استئناف العلاقات السعودية- الإيرانية لا يمنع تطبيعاً مستقبلياً مع إسرائيل، ويسوّغون رؤيتهم هذه بالقول: “في حالة الإمارات أيضا، لم يمنع التطبيع مع إسرائيل إعادة السفير إلى طهران وتعزيز العلاقات، ومن ضمنها العلاقات العسكرية، وإن حسابات الرياض أوسع، وتتعلق أيضاً بالقضية الفلسطينية والقضايا العميقة مع الولايات المتحدة”.
إنجاز دبلوماسي صيني
يرى الباحثون الإسرائيليون: “أن إعلان استئناف العلاقات هو إنجاز دبلوماسي هام للصين التي تريد تعزيز تأثيرها في طرفيْ الخليج، وتحسين حصولها على النفط من الدولتين، فتحسن العلاقات بين إيران والسعودية هو جزء من استراتيجية صينية واسعة هدفها حفظ الاستقرار في الإقليم”.
إعلان استئناف العلاقات هو إنجاز دبلوماسي هام للصين التي تريد تعزيز تأثيرها في طرفيْ الخليج، وتحسين حصولها على النفط من الدولتين
والإنجاز الصيني بحد ذاته يعكس بحسب الباحثين، زيادة التدخُّل في الخليج، خاصة في مجال رعاية عمليات تصالُح ما بين الدول الكبرى في منطقة ممتلئة بالتوتر، وبذلك تعزز مكانتها على صعيد صورتها العامة، على الأقل في مقابل الولايات المتحدة التي كانت الحليف الثابت للدول الخليجية.
ويشير الباحثون إلى أن المفاجأة كانت في أن الصين هي الوسيط بين الدولتين، ورعت حوارات أُجريت في بكين وأدت إلى الاتفاق والإعلان المشترك، وأن الإعلان جاء بعد زيارة علنية مهمة قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السعودية، وبعد القمة التي عقدها مع دول مجلس التعاون الخليجي، وجاءت بعد زيارة الرئيس الإيراني رئيسي إلى الصين لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.
تجديد العلاقات السعودية الإيرانية مصلحة أمريكية أيضا
يشدد الباحثون الإسرائيليون على أن مجرد تجديد العلاقات بين طهران والرياض هو مصلحة للإدارة الأمريكية التي تولي تخفيض التوتر في الخليج أهمية كبيرة، وتطمح إلى الاستمرار في جهودها للعودة إلى الاتفاق النووي.
وتابعوا: “تجديد العلاقات سيتعزز في حال أدى إلى تمديد وقف إطلاق النار في اليمن، وحتى إلى تفاهمات أوسع كما يطمح السعوديون”.
وذكّر الباحثون أن واشنطن باركت تجديد العلاقات ما بين السعودية وإيران، حتى أن المتحدث الرسمي باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، قال إن الرياض أعلمت الإدارة الأمريكية بالحوار الذي جرى من أجل تجديد العلاقات، وشدد أيضاً على أن تقديرات الإدارة تشير إلى أن “ضغوطاً خارجية وداخلية، وضمنها قوة الردع السعودية الفعالة ضد الهجمات من طرف إيران وأذرعها، هو ما دفع بطهران إلى طاولة المفاوضات”.
دعم روسي أيضا
ورأى الباحثون الإسرائيليون أن الروس يدعمون أيضا هذه الخطوة خصوصا بعد قيام السعودية بخفض إنتاج النفط وعدم الانصياع لطلبات إدارة بايدن في هذا الشأن. ويرون أن الاتفاق يأتي انعكاسا لعدم وضوح الإدارة الأمريكية وتحديد موقفها من مطالب السعودية بضمانات أمنية وأسلحة متطورة.
وطبقا للباحثين الإسرائيليين، تضاف هذه الخطوة إلى استمرار الاستثمارات الصينية الكبيرة في المدينة الجديدة “نيوم” التي ينوي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إقامتها.
إيران والسعودية تقودان محاور أيديولوجية متصارعة وتقاتل بعضها البعض بشكل مباشر أو غير مباشر في كل مناطق الشرق الأوسط
وفي هذا المضمار، يشير الباحثون إلى ردّ الناطق الرسمي بلسان البيت الأبيض على تجديد العلاقات الإيرانية- السعودية، والذي قال فيه إن الولايات المتحدة لا تزال تتابع النشاط الصيني الهادف إلى الحصول على تأثير أكبر حول العالم، والذي يعكس جيداً الرؤية الأمريكية لِما يتم التعامل معه على أنه محاولة من الصين لطرح نفسها كقوة عظمى تريد السلام وتصنعه.
اللحاق بركب الكويت والإمارات
يلفت الباحثون الإسرائيليون الثلاثة، إلى أن السعودية تلتحق بالكويت والإمارات، اللتين أرسلتا سفيريهما من جديد إلى طهران العام الماضي. إلا أن إيران والسعودية تقودان محاور أيديولوجية متصارعة وتقاتل بعضها البعض بشكل مباشر أو غير مباشر في كل مناطق الشرق الأوسط، وتطمح كل منهما إلى تشكيل الإقليم كما تريد، وتقوية معسكرها الذي تقوده، السنّي في مقابل الشيعي، والعربي في مقابل الفارسي.
واعتبر الباحثون أن استئناف العلاقات هو محاولة لتقليل التوتر بين البلدين، وبثّ رسالة مفادها أن “كل شيء بخير، لكنها ليست الحقيقة”، ويرجحون أن كل منهما ستستمر في رؤية الآخر على أنه تهديد، فإيران ستستمر في رؤية العلاقات بين الرياض وواشنطن، كما الوجود العسكري الأمريكي في الدول الخليجية، بأنه تهديد لمصالحها. ولكن يجب الافتراض أن تجديد العلاقات سيؤدي إلى خفض حدة التوتر، ويمكن أن يجعل الخطوات العدائية أكثر اعتدالاً. وفي رأيهم الامتحان الحقيقي سيكون في حرب اليمن، والتي أدت خلال الأعوام الأخيرة إلى عدد لا يُحصى من الضربات الحوثية الصاروخية على السعودية إلى أن تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار.
وينوه الباحثون إلى أن الجهات المقربة من إيران باركت تجديد العلاقات، وعلى رأسها قائد حزب الله حسن نصر الله والعراقيون أيضا.