ذي أتلانتك: محاذير من ارتكاب أمريكا والغرب أخطاء في الحرب ضد روسيا
عربي تريند_ حذر أستاذ العلاقات الغربية ماكس أبرامز من أخطاء يمكن أن ترتكبها الولايات المتحدة في المواجهة الحالية بأوكرانيا مع روسيا.
وقال إنه يدرس العلاقات الدولية في أثناء النهار بجامعة نورث إيسترن، لكنه في الليل يحاول قراءة واستهلاك كل ما يكتب عن أوكرانيا.
و”ما يثير دهشتي هو الانفصام ما بين أبحاث السياسة الدولية والمواقف التي تتبناها المؤسسات الإعلامية الغربية بشأن الحرب. مع أن بعض الباحثين ربما أكدوا على نتائج مختلفة ومنها، وهذا هو الأهم، تلك التي تحث على الحذر من مواجهة روسيا”.
ويرى عدد من المعلقين الغربيين أن روسيا وفي ظل النظر لحلف الناتو كقوة خيرية وناعمة في العالم، كانت مدفوعة بمغامراتها لابتلاع أوكرانيا و”مغامرة إمبريالية” لإعادة تشكيل الاتحاد السوفييتي من جديد. وبالغ الباحث اللامع بالعلاقات الدولية جون ميرشمر في الحديث عن الحالة هذه والقول إنه “لا توجد أدلة” عن طموحات إمبريالية روسية. إلا أن أبحاثه في مجال “الواقعية الدفاعية” تقترح أن توسع الناتو شرقا ومنذ انهيار الستار الحديدي، قد يكون سببا في نظر القادة الروس إليه كتهديد ولعب دورا في الغزو.
يرى عدد من المعلقين الغربيين أن روسيا وفي ظل النظر لحلف الناتو كقوة خيرية وناعمة في العالم، كانت مدفوعة بمغامراتها لابتلاع أوكرانيا لإعادة تشكيل الاتحاد السوفييتي من جديد
واستفاد ميرشمر من تحليلات جي لويز ديكنسون حول الحرب العالمية الأولى، ليطور متغيرا عن الواقعية البنيوية. ويقدم هذا رؤية متشائمة عن السياسة العالمية، ويقوم على عدة افتراضات، أولا: العالم “فوضوي”، بحيث إنه مكون من دول مستقلة بدون سلطة مركزية فوقها لمنع الحرب. ثانيا: تمتلك كل الدول والتحالفات نوعا من القدرات العسكرية الدفاعية وهي بالضرورة تمثل خطرا على بعضها البعض. ثالثا: لا تعرف الدول أو ليست متأكدة من امتناع الدول عن استخدام قوتها العسكرية لكي تسبب لها الضرر. رابعا: تعول الدول كثيرا على أهمية النجاة الوطنية. خامسا، ستحاول الالتزام بهذا الهدف.
وتمثل هذه الافتراضات الجوهرية عن “بنية النظام الدولي” أرضية تدفع الدول ليس للخوف من بعضها البعض بل والتنافس معها، أحيانا بطريقة عنيفة ولا أخلاقية. ولو أضفنا لهذا الافتراضات المعيارية عن عالم السياسة وتاريخ أمريكا في التدخلات الخارجية ودعم الحركات الديمقراطية بما فيها أوكرانيا، وقوتها العسكرية التقليدية التي لا مثيل لها والتحالف المتزايد للدول المعادية لروسيا شرق الستار الحديدي، فمن الصعب حينها رفض التخوفات الجيوسياسية الروسية.
وترافق حس عدم الأمان هذا مع التاريخ العسكري لأوكرانيا والتي خلافا لدول الناتو، كانت منطقة اجتازتها القوى العسكرية من نابليون لألمانيا الإمبريالية إلى النازية للهجوم على روسيا. وسواء كان الافتراض أن قادة روسيا يريدون استعادة أراض سابقة كانت تابعة للاتحاد السوفييتي صحيحا أم لا إلا أنه متعامد مع نقد بوتين وأسلافه السابقين للناتو ووصفهم توسعه بأنه استفزاز مهدد.
وحتى الإستراتيجيين العسكريين الأمريكيين، مثل مهندس الحرب الباردة جورج كينان، كانوا ناقدين بشدة لتوسع الناتو منذ التسعينات من القرن الماضي وبالنظر للطريقة التي تتعامل معها موسكو.
ويعلق الكاتب أن المعلقين الغربيين أسرعوا لاستحضار ما قالوا عنها “دروس ميونيخ”، في إشارة إلى ما قامت به بريطانيا في أيلول/سبتمبر 1938 بمؤتمر ميونيخ حيث سمحت لهتلر ضم سوديتنلاند (المان السوديت في جنوب وغرب تشيكوسلوفاكيا السابقة) بشكل زاد من طموحاته. وبناء على مقارنات تاريخية غامضة، أكد بعض الغربيين بعد الغزو أن تقديم أي تنازلات لروسيا سيشجعها على مغامرات أخرى.
وفي مقال كتبه رئيس الوزراء البولندي ماتيوز موراوسكي حذر قائلا: “نسي عدد من السياسيين الغربيين الدرس الذي قدمه اتفاق ميونيخ 1938”. وبالمثل قال وزير الدفاع البريطاني “ربما أوقف (بوتين) دباباته ولكن هناك نسمة من ميونيخ لا تزال في الغرب”.
ولم تكن دروس ميونيخ مقصورة على حرب أوكرانيا، فقد استحضرها هاري ترومان في كوريا وأنطوني إيدن في حرب السويس وجون كيندي في أزمة الصواريخ الكوبية وليندون جونسون في حرب فيتنام وجورج بوش في حرب الخليج، كما وجد جاك أس ليفي. ويعتقد الكاتب أن المقارنات التاريخية توفر أرضية ضعيفة لصناعة القرار. وفي ورقة بحثية قدمها الكاتب عام 2012 قال إنه يتم اختيار المقارنات بناء على الأشياء البارزة وليس علاقاتها المعاصرة.
وتحدث العالم السياسي روبرت جيرفيس عن المقارنات التاريخية وكيفية “إخفائها ملامح من الحالة الحاضرة والمختلفة عن الحالة السابقة”.
ولاحظ الباحث في الشؤون الدولية كينيث تومبسون قائلا: “التاريخ هو أحسن معلم لكن دروسه ليست على السطح”، فهل ستقوم روسيا بعملية زحف مدفعي نحو أوروبا إلى باريس، في وقت تكافح قواتها للسيطرة على خاركيف التي لا تبعد سوى 20 ميلا عن الحدود الروسية؟
ويعتقد الكاتب أن المقارنة الأقوى موجودة في الحرب العالمية الثانية في آسيا وليس أوروبا. حيث ناقش العديد من المؤرخين أن الولايات المتحدة أسقطت القنبلة الذرية على ناغازاكي، ليس لإجبار اليابان على الاستسلام ولكن لإبعاد الاتحاد السوفييتي عن اليابان بعد الحرب من خلال إظهار القوة العسكرية.
هناك نظرة ترى أن التعامل بصقورية مع روسيا سيردعها عن تنفيذ هجمات خارج أوكرانيا
وبالمثل، فالتسبب بضرر لروسيا وجعلها تعاني هو محاولة لتخويف الصين وتذكيرها بكلفة حربها لو غزت تايوان. وكما قال الأمين العام للناتو يانس ستولتنبرغ “تراقب بيجين عن قرب لترى الثمن الذي ستدفعه روسيا أو الجائزة التي ستحصل عليها مقابل العدوان”. ويبدو هذا قريبا من القياس على الحرب العالمية الثانية، نظرا لقوة الناتو مقارنة مع روسيا في مجال القوة التقليدية، وخطة الصين الواقعية لتايوان.
وبالطبع فالقياس التاريخي ليس مقصورا على الحرب العالمية الثانية فقط، فبعد حرب الخليج عام 1991، برر أسامة بن لادن هجومه على أمريكا عام 2001 بوجود القوات الأمريكية في السعودية، تماما كما برر بوتين غزوه لأوكرانيا بذريعة توسع الناتو. والنقطة هنا ليست تحميل أمريكا مسؤولية هجمات 9/11 أو غزو أوكرانيا ولكن التوضيح أن التاريخ يحمل عدة معان.
فقد تمت مقارنة ميونيخ بأوكرانيا وتحويلها لسلاح ضد تقديم أية تنازلات. ولكن علينا أن نكون واعين لتوبيخ جون فيربانك وهو أن التاريخ هو “حقيبة يد يسحب منها كل محام/نصير “درسا” ليعزز أجندته”.
وهناك نظرة أخرى ترى أن التعامل بصقورية مع روسيا سيردعها عن تنفيذ هجمات خارج أوكرانيا. فقد ناقش الكسندر فيرشباو من المجلس الأطلنطي أهمية تزويد كييف بكل أنواع الأسلحة الثقيلة وأنظمة الهجوم طويلة ومتوسطة المدى وأنظمة صواريخ الدفاع الجوي “لردع روسيا عسكريا”. وقال بريان ريدل من معهد منهاتن إنه يجب على أمريكا وأوروبا زيادة الأسلحة لأوروبا لمنع روسيا من ضرب أوروبا. بل وذهب غوردون تشانغ من معهد غيت ستون أبعد عندما حذر في تغريدة من أن السفن والطائرات الروسية “ستصل شواطئنا” إلا في حالة ردع بوتين بتقديم مساعدات عسكرية ضخمة لأوكرانيا.
ويعتمد التهديد بالردع على النموذج الكلاسيكي الذي يرى أن زيادة الضغط العسكري على طرف يمنعه من مواصلة التصعيد، إلا أن هذا لا يأخذ بعين الاعتبار ردة فعل العدو الذي قد يلجأ لأسوأ ما لديه. ويوضح الباحث السياسي ستيفن فان إيفيرا “سواء شعر بالغضب أو خشي من العقاب، فالطرف الآخر سيصبح أكثر قسوة ويستخدم أنواعا واسعة من الأسلحة أو يصبح لديه جاهزية لاستخدام القوة كي يدافع عن نفسه”.
وعليه فالآثار للسياسة هي عكس نظرية الردع، لصالح تغليب الترضية على العقاب، الجزر بدلا من العصي.
ويرى آخرون أن زيادة تسليح أوكرانيا هي لحماية المدنيين وتخفيف معاناتهم. ويقول الممول الأمريكي والناشط السياسي المعارض لبوتين، بيل براودر “السبب الرئيسي لعدم تقديم الغرب أسلحة كافية لأوكرانيا حتى لا تخسر الحرب ولكن ما يكفي للنصر هو الخوف من التصعيد، لكن بوتين هو من يقوم بالتصعيد ويرى في خوفنا فرصة لقتل المزيد من الأوكرانيين”.
ويقول السفير الأمريكي السابق في موسكو، مايك ماكفول “لو شعر بوتين بالخوف وأنه سيخسر شبه جزيرة القرم فسيتفاوض، ولهذا علينا نحن في الغرب تقديم المزيد من الأسلحة لكييف بما فيها نظام أتماكس”.
إلا أن الأدبيات العملية بشأن التركيز على “المدنيين كضحية” تقدم عكس التكهنات عن العلاقة المتناقضة بين اليأس الروسي في الحرب والمدنيين الأوكرانيين. وقام ألكيس دوانيز بدراسة مسحية دقيقة لحس الضرر بالمدنيين، وقام بدراسة استهداف غير المقاتلين في أكثر من حالة حول العالم. وقدم قائمة حول الحروب بين الدول ما بين 1816 – 2003، الفترة التي جرت فيها 100 حرب بين 323 جهة و55 حالة للضرر بالمدنيين. ووجد أن الدول تميل نحو التصعيد وضرب المدنيين حالة تكبدت خسائر كبيرة أو تحول النزاع إلى حرب أو حرب استنزاف.