العمليات الفلسطينية الفردية تربك إسرائيل ومحاولاتها لإطفاء النار بسكب البنزين تنذر بالانفجار
عربي تريند_ من المرتقب أن يلتئم، اليوم الأحد، المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينيت) داخل مستوطنة راموت في القدس المحتلة، حيث وقعت العملية الفلسطينية الأخيرة، أمس الأول، وأودت بحياة ثلاثة مستوطنين، اثنان منهم طفلان شقيقان. ويبحث الوزراء التداعيات المحتملة للعملية واستعدادات الأجهزة الأمنية لمواجهة انفجار محتمل في شهر رمضان المبارك، علماً أن الاحتلال قتل حتى الآن 40 فلسطينياً، منذ بداية العام الجاري، فيما قُتل عشرة إسرائيليين.
وطبقاً لمصادر إسرائيلية، سيطلب وزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير، خلال الجلسة، تصعيد الخطوات العقابية الجماعية على الأحياء الفلسطينية في القدس المحتلة، ومنها فرض طوق أمني على حي العيساوية، مسكن منفذ عملية الدهس الأخيرة، رغم تحفظات المفتش العام للشرطة الجنرال يعكوف شبتاي. كما يطلب الوزير بن غفير من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو المصادقة على تعبئة قوات احتياط من حرس الحدود، تمهيداً للشروع في حملة عسكرية في الشطر الشرقي من القدس المحتلة. وكان بن غفير قد قال، خلال زيارته لمسرح عملية الدهس في مستوطنة راموت، إن إسرائيل ستقوم بحملة ثانية من “السور الواقي” في القدس، ما فتح الباب أمام انتقادات إسرائيلية واسعة، كونها عملية غير مجدية بلا عنوان وبلا هدف. وتساءل مراقبون إسرائيليون بسخرية هل يتجه بن غفير لاعتقال 350 ألف فلسطيني داخل الشطر الشرقي من القدس؟ كما استخفت أوساط إسرائيلية كثيرة بمثل هذه التصريحات “المتسرعة”، واستهجنت قيام الوزير باتخاذ قرارات إستراتيجية وهو يقف على الرصيف وعلى قارعة الطريق دون دراسة ودون تجربة أمنية ودون استشارة بقية الجهات المعنية. وعبّرت صحيفة “هآرتس” عن موجة الانتقادات اللاذعة من جهات مختلفة لبن غفير، بافتتاحيتها، اليوم الأحد، بنعته “وزير الفشل القومي” بدلاً من وزير الأمن القومي.
وزير الفشل القومي
هذه التصريحات، التي عادت كيداً مرتداً على بن غفير وصورته كوزير، تحوّلت لرسم كاريكاتير، ودفعت رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو للتنصل منها بالقول للصحافة، منتحلاً صفة “مصدر سياسي رفيع”، إنه لا يمكن صياغة إستراتيجية لمواجهة “الإرهاب” من خلال تصريحات على الرصيف. كما قال “المصدر السياسي الرفيع” إن القرارات، حول شن عملية السور الواقي الثانية، لا تتخذ من مسرح الاعتداء، ولم يسبق هذا الإعلان أي نقاش بمشاركة الدوائر الأمنية”. مشيراً إلى أنه طلب من بن غفير تقديم توضيح في أعقاب تصريحه، وتابع يقول إن “الاقتراح بفرض طوق على الأحياء الشرقية في المدينة لا يعبّر عن رغبة صناع القرار”.
وزير التكتوك
وحمل عدد كبير من قادة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية سابقاً، ومن رموز المعارضة الإسرائيلية، على بن غفير، وشكّكوا بقدراته واتهموه بالصبيانية والهستيرية وفقدان السيطرة، والتصرف كأنه ناشط في منتديات التواصل الاجتماعي. وسبق أن وصفه رئيس المعارضة يائير لبيد بـ “وزير التكتوك”. من جهته، ورغم الانتقادات، بل بسببها، قال بن غفير، وهو في طريقه لاجتماع الحكومة الإسرائيلية، ظهر اليوم، إنه لا ينوي التنازل عن مخططاته، وإنه عازم على القيام بحملة جدار واق جديدة في القدس، لا من خلال دبابات، وخطوات خاصة بالجيش، بل عملية لتعزيز الحوكمة والسيادة في المدينة.
فقط بعض الأصوات الإسرائيلية تشير لوجود قضية شعب تحت الاحتلال، ولصعود جيل فلسطيني ولد عشية وخلال وبعد الانتفاضة الثانية، ولا يرى أفقاً.
وأعرب رئيس بلدية الاحتلال في القدس موشيه ليؤون عن موقفه الرافض لفرض طوق أمني حول حي العيساوية، مبديًا بذلك معارضته للاقتراح الذي طرحه وزير الأمن الوطني إيتمار بين غفير بعد عملية الدهس، قبل يومين. وقال ليؤون إن الحل لعمل “إرهابي” منفرد لن يتأتى عن طريق فرض عقاب جماعي على السكان المقدسين. وأكد، في حديث للإذاعة العبرية العامة، صباح اليوم الأحد، أنه يجب أن يعلم كل من يقصد القيام بعملية “إرهابية” أنه بفعلته سيترك وراءه عائلة متضررة اقتصاديًا. وأشار رئيس بلدية الاحتلال إلى ضرورة وقف التحريض في المساجد وشبكات التواصل الاجتماعي”. وأضاف أنه يعيش في العاصمة نحو ثلاثمئة وخمسين ألفاً من السكان العرب، زاعماً أن معظمهم يريدون العيش بسلام وهدوء مع اليهود. وكان الوزير بن غفير قد أعلن في تويتر أنه مصر على إطلاق حملة في شرقي المدينة، على غرار عملية الدرع الواقي، وهي تشمل هدم بيوت غير قانونية، ووقف التحريض في المساجد، وتوقيف المدينين بدفع الضرائب.
عقوبات اقتصادية
في المقابل قرّر وزير الأمن في حكومة الاحتلال يؤاف غالانت فرض عقوبات اقتصادية على ثمانية وسبعين شخصاً من أقارب منفذي العمليات المقدسيين، وأعلن أنه وقّع أمراً بمصادرة ملايين الشواكل منهم، ويدور الحديث عن أموال تدفعها السلطة الفلسطينية للأسرى الفلسطينيين. من جهته قال رئيس المعارضة يائير لبيد إن “الإرهاب” لن ينتصر علينا، مؤكداً ضرورة العمل ضده بصرامة، وبيد من حديد.
تغييب القضية الفلسطينية وتجاهل الاحتلال
والمؤكد أن العمليات الفلسطينية الفردية التي تتم بالتزامن، وعقب عمليات إسرائيلية دموية داخل المخيمات والمجمعات الفلسطينية في الضفة الغربية، وبالتزامن مع استمرار إطلاق متقطع لصواريخ من غزة، تنتج حالة بلبلة وإرباك داخل إسرائيل، في ظل وجود حكومة يمينية متشددة تسلمت دفة الحكم، في مطلع العام الجاري، وكانت مركباتها قد توعدت الفلسطينيين بالرد الحاسم القاصم.
ويستدل من ردود فعل معسكري الائتلاف والمعارضة في إسرائيل، واللذين يتصاعد الصراع بينهما على “الإصلاحات القضائية”، أن القضية الفلسطينية مغيبّة، وتسويتها مفقودة، وأن الاحتلال “مفقود”، ويكاد لا يذكر ضمن ذلك، عدا أصوات قليلة جداً تبدو كالصرخة في البرية، تنّبه لمصدر الشرور وتدعو بأساليب مختلفة للتوقف عند السؤال لماذا تتم العمليات الفلسطينية، ولماذا هناك تحذيرات من انفجار وشيك ربما يحدث خلال شهر رمضان المبارك في الشهر القادم. وتتجاهل أوساط إسرائيلية واسعة في السياسة والأمن والإعلام وجود ملايين الفلسطينيين تحت الاحتلال، وأنهم يتعرضون لمداهمات منازلهم ليلاً، وتستوقفهم الحواجز العسكرية في النهار، علاوة على انتهاك مقدساتهم، وعلى رأسها الحرم القدسي الشريف. فقط بعض الأصوات الإسرائيلية تشير لوجود قضية شعب تحت الاحتلال، ولصعود جيل فلسطيني من شباب العشرينيات الذي ولد عشية وخلال وبعد الانتفاضة الثانية، ولا يرى أفقاً اقتصادياً ولا سياسياً، بل يرى تهويداً واستيطاناً زاحفاً وبطالة وفقراً ومحاولات إسرائيلية لحسم الصراع وإخضاع الشعب الفلسطيني بالحديد والنار وبالحصار. مثل هذه العسكرية وتقديس الأمن والتعامي عن كل ما عداه يذكّر بمقولة ساخرة للشاعر الفلسطيني الراحل علي عاشور، ابن غزة الذي أقام ردحاً في حيفا: “باسم الأمن فقدنا الأمن وصار الأمن عدو الأمن”.
مثلما يرى أيضاً تطبيعاً عربياً متجدداً ومتسعاً ونفاقاً دولياً وسلطة فلسطينية عاجزة وفاسدة، ومنظمات فلسطينية متقادمة ومنقسمة ومشغولة بذاتها. لا عجب أمام ذلك أن يتجه الشباب الفلسطينيون للموت، ولمحاولة الثأر لكرامتهم وشعبهم ووطنهم بعمليات استشهادية وفدائية من تلقاء أنفسهم ضمن عمليات تعرف بعمليات “الذئاب الفرادى”، التي تعجز عن رصدها وإحباطها المؤسسة الأمنية الخاصة بالاحتلال.
احذروا الموت الطبيعي
وأكثر ما يعبّر عن هذا الواقع الفلسطيني المفخّخ، الذي ينذر بانفجار كبير تعتبره بعض الأوساط الإسرائيلية “انتفاضة استنزاف” أشد خطورة وأطول من الانتفاضتين السابقتين، وأفضل تعبير عن واقع الجيل الفلسطيني الجديد، عبارة كتبها الشهيد غسان كنفاني، ويكتبها هؤلاء الشباب على جدران المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية اليوم: “احذروا الموت الطبيعي، ولا تموتوا إلا بين زخات الرصاص”.
إن تزامن ذلك مع حكومة احتلال متطرفة جداً مكونة من عناصر يمين ومستوطنين عنصريين وغيبيين يدفعون نحو تديين الصراع، مع وزراء يحاولون إخراس الأمل الفلسطيني، وإخماد نار غضبهم على الاحتلال بالمزيد من البنزين والعقوبات، يعني لقاء البنزين مع عود الثقاب، ويعني إنتاج حالة احتراب شبيهة بالحروب الأهلية التاريخية في منطقة البلقان.