شهادات تاريخية مروّعة عن هزات مدمرة في صفد وطبرية طالت بيروت ودمشق والقدس والخليل
عربي تريند_ يحذر باحثون إسرائيليون وفلسطينيون من وقوع هزة كارثية في البلاد على غرار الهزة الأرضية المدمرة في تركيا اليوم، ويؤكدون أن بعض المناطق السكنية في أرجاء البلاد من البحر إلى النهر معرضَة لانهيارات بسبب المساكن والأبنية القديمة غير المجهّزة لاهتزازات قوية أسفلها.
وذكّرت “الجبهة الداخلية”، داخل الجيش الإسرائيلي، بتعليمات التصرف الصحيح أثناء حدوث هزّة أرضية، وأنه من الممكن تلقي تنبيه لحدوث هزة أرضية على تطبيق قيادة “الجبهة الداخلية” وبواسطة الصافرات. وتقول، في هذا المضمار، إنه عند تلقي التنبيه عن حدوث هزّة أرضية، أو عندما تلاحظ دلالات عن الهزّة الأرضية، يجب التصرف حسب التعليمات التالية: للمتواجدين داخل مبنى: إذا تمكنتم من ذلك، اخرجوا إلى منطقة مفتوحة، وإذا لم تتمكنوا الخروج من المبنى خلال ثوانٍ معدودة، ادخلوا إلى المكان المحمي المنزلي، واتركوا الباب والنوافذ مفتوحين، أو اخرجوا إلى بيت الدرج واستمروا في النزول حتى مخرج البناية. فقط في حال لم تتمكنوا من فعل ذلك، اجلسوا في زاوية داخلية من الغرفة، أو تحت قطعة أثاث ثقيلة واحموا الرأس باليدين”. أما للمتواجدين في الخارج فقالت التعليمات الإسرائيلية: “ابقوا في منطقة مفتوحة، وابتعدوا عن المباني، الأشجار، أسلاك الكهرباء، وأغراض من الممكن أن تسقط وتُعرّض حياتكم للخطر”. وللمسافرين في المركبات تنبه “التعليمات الإسرائيلية” أنه يجب التوقف على جانب الطريق، والانتظار داخل السيارة حتى انتهاء الهزّة الأرضية، مع الامتناع عن التوقف تحت جسر أو مفرق طرق”.
راعية: تمايلت الأرض واهتزت تحت قدمي، وتدحرجت الصخور من الجبال حولي، وأحاطت بي العنزات المرعوبة، فنظرت نحو الأسفل، وشاهدت أسوار مدينة صفد تتمزق، وبيوت المدينة تتحرك وكأنها مالت على جانبها نحو طبرية.
للماكثين بالقرب من شاطئ البحر “يجب الابتعاد عن شاطئ البحر كيلومتر واحد على الأقل، تحسباً لحدوث موجة تسونامي قد تغمر الشاطئ، وإذا لم تتمكنوا من مغادرة منطقة الشاطئ اصعدوا إلى الطابق الرابع وما فوق في مبنى قريب”.
مسألة وقت
غداة الهزة الأرضية المدمرة في تركيا، يؤكد باحثون فلسطينيون وإسرائيليون أن هزة أرضية مدمرة في البلاد هي مسألة وقت، لافتين إلى أن البلاد تشهد بالمعدل هزة واحدة خطيرة مرة كل قرن. الأخيرة كانت في 1927. ويشير هؤلاء إلى أن البلاد شهدت خلال العقد الأخير هزات بين خفيفة ومتوسطة. ويتوقعون هزة خطيرة بدرجة 6 فما فوق على سلم ريختر في منطقة الغور والقسم التابع للشق السوري الإفريقي، ويحذرون أن البلاد غير مستعدة لتلافي تبعاتها. وتتوقع سلطات ” الجبهة الداخلية ” في إسرائيل أن تؤدي الهزة الأرضية المحتملة بقوة 6.5 درجة على سلم ريختر ستؤدي لانهيار 100 ألف مبنى على الأقل، ولمقتل 16 ألف إسرائيلي، وإصابة 80 ألفاً آخرين، والتسبب بأضرار بالغة قيمتها 50 مليار دولار. كما يتوقع العلماء أن الهزة الأرضية ستؤدي لموجات تسونامي خطيرة على سواحل البحر المتوسط تؤدي إلى نتائج كارثية.
الهزة المدمرة.. مرة في القرن
ويشار إلى أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتانياهو طالب، عقب هزة أرضية خفيفة وقعت في البلاد عام 2017، مدير عام لجنة التوجيه الوزارية الخاصة بالهزات الأرضية، وأمره بفحص الحاجة لتكثيف الاستعدادات لمواجهة كارثة محتملة، وإجراء التدريبات لتعزيز تدابير السلامة والإسعاف. وتم الاتفاق على توفير أجهزة هواتف خلوية فضائية في 26 بلدة تقع في مناطق خطر الهزات تحسباً لانهيار بقية خطوط الهواتف. وأكد بروفسور آموتس عجنون، من معهد الكرة الأرضية في الجامعة العبرية في القدس، لإذاعة الجيش، الحاجة للتفكير بتبعات هزة مدمرة قادمة حتماً وبدلالاتها الاقتصادية، الأمنية، والسياسية. وينبه إلى أنه في حال وقعت الهزة المدمرة ستتهاوى كافة المباني القديمة، خاصة التي بنيت قبل 1980، موضحاً أن 31% من بيوت مدينة طبرية، على سبيل المثال، لن تصمد أمام الهزة.
منطقة الأغوار
ورداً على سؤال “القدس العربي” حول مدى جاهزية السلطات الفلسطينية لمواجهة أضرار زلازل مدمرة، والتخفيف منها، قال المهندس الدكتور جلال الدبيك، المختص بالشؤون الجيولوجية، إن هناك مساعي متنوعة بهذا الاتجاه، لا سيما في مجال التثبت من قوة العمارات السكنية وملائمتها للظواهر الطبيعية، غير أنها غير مرضية بعد. ويوضح الدكتور جلال الدبيك، المدير السابق لمركز علوم الأرض وهندسة الزلازل في جامعة النجاح الفلسطينية أن كافة الدراسات الجيولوجية تشير إلى احتمال وقوع هزة أرضية مدمرة في فلسطين في غضون سنوات. وأشار الدبيك إلى أن تقديرات العلماء حول الزلزال المدمر المتوقع في منطقة الأغوار وشمال فلسطين تستند بالأساس إلى تاريخ الهزات الأرضية المحلية. ولفت الدكتور الدبيك إلى أن الهزة المدمرة الأخيرة التي عصفت بالبلاد، ونجم عنها تسونامي في الساحل الفلسطيني الشمالي، قد ضربت عام 1759، وأدت إلى إلحاق أضرار بالغة في مدن صفد ونابلس وطبريا، وتدمير شبه كامل لـ 19 قرية فلسطينية ولبنانية، وإيقاع آلاف الضحايا.
مشاهد يوم القيامة
ونقلت بعض الكتب التاريخية عن رحالة أوروبي، وصل صفد من لبنان، غداة تعرضها لهزة 1759، قوله إن المدينة بدت وكأن الأرض من تحتها قد انشقت وابتلعت أحياءها، بما يستدعي مشاهد ” يوم القيامة”.
وتفيد دراسات تاريخية كثيرة أن صفد شهدت، مساء يوم الأحد في 01.01.1837، هزة أرضية مدمرة، كان مركزها في محيطها، واستمرت نحو عشر ثوان، وطالت نتائجها بيروت وصيدا ودمشق والقدس والخليل، وهدمت أحياء في طبرية، وبعض قرى الجليل وجنوب لبنان.
وبموجب المؤرخ الفلسطيني مصطفى عباسي، استناداً لمستندات أرشيفية وتقارير من تلك الفترة، دمرّت هزة 1837 صفد وطبرية من “ساسها إلى راسها”، وكانت بقوة سبع درجات تقريباً، على سلم ريختر، وقد حولت صفد إلى كومة ركام، وهدمت معظم مبانيها ودفنت أهاليها بين الأنقاض.
ويروي المبشّر الرحالة الأمريكي ماك كلور تومسون (1896-1806) في كتابه: “الأرض والكتاب”، الصادر عام1859، بعد جولات واسعة في فلسطين، إنه في تلك الأيام كان قد انتقل من يافا إلى بيروت. ويتابع: “في مساء يوم الأحد، الأول من عام 1837، كنت في بيروت، وسمعت لاحقاً عن نتائج الهزة. وروى عن شهود عيان لبنانيين هربوا من داخل كنيسة خلال الصلاة قولهم: “فجأة صارت الكنيسة تتمايل، وأرضيتها المبلطة تتحرك كسفينة في البحر وسط أمواج عاتية. نجح بعض المصلين بالهرب، ومالت الكنيسة على جانبها، وتضررت بيوت كثيرة. وطيلة أسبوع وصلت شائعات عن كوارث حلّت بصفد وطبرية، حتى وصلت الأنباء المؤكدة”.
بعثة إغاثة من بيروت
ويتابع تومسون، الذي رافق بعثة إغاثة من بيروت خرجت لصفد تزامناً مع بعثة إغاثة خرجت من القدس لذات الغاية: “وصلت فرقة الإغاثة قرية رميش اللبنانية، ومنها انتقلنا إلى قرية الجش في الجليل الأعلى، وفوجئنا بأن كافة منازلها انهارت، ولم يبق بيت مكانه. وسمعنا عن 130 شخصاً قضوا داخل كنيسة الجش دفنتهم الهزة، وهم في عز الصلاة، ولم ينج سوى الكاهن لأنه كان يقف تحت قمرة المذبح فحمته من الانهيارات”.
وعما شاهده في صفد، يتابع الرحالة الأمريكي: “على مداخل صفد التقت البعثة القنصل البريطاني في صيدا إبراهيم نوحلي. كانت صفد مدمرة، خاصة الحي اليهودي. لم أصدّق ما سمعته منذ خرجنا من بيروت حتى شاهدت بعيني: بيوت محطمة تطل من بين خرائبها قطع أثاث وأدوات منزلية مهشمّة. وسمعنا عن عدد كبير من الجرحى ممن استغاثوا طيلة أيام دون جدوى، حتى ماتوا، وفعلاً كانت الجثث متناثرة في كل مكان، فيما كان الناجون من الموت بؤساء يولولون ويبكون في حالة يأس، من بينهم أولاد أيتام فقدوا آباءهم وأمهاتهم وأشقاءهم، وكذلك نساء فقدن كل أقربائهم. سادت في المدينة حالة رعب فبين الفترة والأخرى كانت تقع هزة ارتدادية، وفي ظل عدم وجود خدمات طبية مات جرحى كثر، وتم بتر أعضاء بعض الجرحى من أجل إبقائهم على قيد الحياة”.
شهادتان من طبرية وصفد
كما يوضح تومسون أن البعثة اللبنانية واصلت طريقها لطبرية، مكتفياً ببعض السطور عما شاهده هناك بالقول إن عدد الضحايا فيها كان بالمئات، لكنه أقل بكثير من عدد ضحايا الهزة في صفد، وقد تهدمت معظم منازل طبرية وأسوارها التاريخية. بعد يومين واصلنا طريقنا إلى الناصرة، ووزّعنا الملابس والأدوية للمحتاجين في قرى لوبية والشجرة والرينة وكفر كنا، التي كانت القرية الوحيدة التي لم تتضرر، ولم يقتل فيها سكان بسبب الهزة”.
ويقدّر تومسون أن الهزة قتلت خمسة آلاف شخص معظمهم في صفد، لكن مصادر تاريخية، خاصة يهودية، تتحدث عن نصف هذا العدد من الضحايا، لكن معظمهم من اليهود، فالهزة في صفد سوّت الحي اليهودي بالأرض.
عباسي: فجأة سمعنا دوي انفجار هائل يشبه دوي المدافع، بعدها تراقصت الأرض وما عليها، وانهارت البلدة القديمة بعد دقيقة. لم يكن ممكناً التفكير حتى بالهرب أو النجاة أو إنقاذ أحد.
وهذا ما يؤكده أيضاً المؤرخ بروفيسور مصطفى عباسي لـ “القدس العربي”، ففي الأول من يناير/ كانون الثاني 1837 شهدت منطقة الجليل هزة كبيرة دمرّت أحياء في صفد وطبرية، وقتلت فيها وحدها نحو 700 من العرب واليهود، ووقتها كانت فلسطين تحت الحكم المصري بعد غزوة إبراهيم باشا. ويستذكر عباسي شهادات عن الهزة هذه من طبرية وصفد، منها شهادة لسيدة يهودية من صفد تقول: “كنت أقود عنزاتي للرعاية، وقد اصطحبت ولداً، وتركت زوجي وولدين في البيت. بعد نصف ساعة سمعت دوي انفجار يشبه صوت عاصفة قوية. تمايلت الأرض واهتزت تحت قدمي، وتدحرجت الصخور من الجبال حولي، وأحاطت بي العنزات المرعوبة، فنظرت نحو الأسفل إلى المدينة (صفد) حيث بقي أعزائي فقلت: “يا الله”. وشاهدت أسوار مدينة صفد تتمزق، وبيوت المدينة تتحرك وكأنها مالت على جانبها نحو طبرية، فيما تعالت غيوم الغبار الكثيف من الأرض وما لبث أن غطاها، وخلال ذلك تواصلت أصوات الانفجار كالرعد العميق وسمعت صرخات الناس، فصليت قبل أن يغمى عليّ وأسقط أرضاً”.
ويتابع عباسي: “في طبرية قال حاكم المدينة العثماني للأمير الألماني هارمان موسكاو، الذي زار المدينة بعد عام: لم يسبق الزلزال أي تغيير في حالة الطقس، وفجأة سمعنا دوي انفجار هائل يشبه دوي المدافع، بعدها تراقصت الأرض وما عليها، وانهارت البلدة القديمة بعد دقيقة. لم يكن ممكناً التفكير حتى بالهرب أو النجاة أو إنقاذ أحد”.
التأريخ قبل وبعد الزلزلة
وتلتها هزة عام 1927 تسببت بأضرار مادية في شمال البلاد، تركت خسائر مادية كبيرة في صفد وشفا عمرو، الرينة، أريحا، نابلس، الرملة، طبرية، اللد، القدس.. تصدع بسببها بعض جدران المسجد الأقصى.
وكانت أعنف هزة شهدتها فلسطين، حسب المصادر المختلفة، عام 1202، وكانت مدمرة وكارثية.
وأكد الأديب الراحل حنا أبو حنا، ابن قرية الرينة، لـ ” القدس العربي”، قبيل رحيله، أن الهزة في شباط عام 1927 هدمت قريته بالكامل، وأوقعت بعض الضحايا، ما دفع سلطات الانتداب لتوزيع قسائم بناء على الأهالي في مكان مجاور، وهكذا ولدت الرينة الجديدة.
ولفت أبو حنا، الذي ولد بعد عام من الزلزلة أن الهزة الأرضية تلك كانت حدثاً كبيراً صار الأهالي يؤرخون حياتهم بمساعدته: قبل الزلزلة وبعد الزلزلة.. وفي روايته “ظل الغيمة” يشهد على ذاته بالقول متودداً “إن حبل سرّته قد قطع بعد عام من الزلزلة”.