الرياض ترفض تقديم مزيد من المنح المالية للقاهرة.. وتلاسن إعلامي مصري- سعودي
عربي تريند_ تلاسن إعلامي مصري سعودي، كشف عن أزمة في العلاقات بين البلدين، على خلفية موقف الرياض من منح القاهرة مزيدا من المساعدات الاقتصادية، وتشدد مصر في تسليم جزيرتي تيران وصنافير التي انتقلت السيادة عليهما إلى المملكة بموجب اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.
آخر محطات التلاسن، حملها مقال لرئيس تحرير صحيفة الجمهورية الحكومية، بعنوان “حجارة اللئام والأنذال”.
وظهرت الخلافات بين القاهرة والرياض، في أعقاب إعلان صندوق النقد الدولي عن منح مصر قرضا جديدا بقيمة 3 مليارات دولار لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، إضافة إلى توفير حزمة تمويلية بقيمة 14 مليار دولار من دول الخليج على أن تردها مصر من خلال بيع أصول مملوكة للدولة.
ففي أعقاب إعلان صندوق النقد، خرج وزير المالية السعودي محمد الجدعان خلال مؤتمر دافوس الاقتصادي في 18 يناير/ كانون الثاني الماضي، قائلا: “إننا اعتدنا تقديم منح ومساعدات مباشرة من دون شروط، ونحن نغيّر ذلك، نعمل مع مؤسسات متعددة الأطراف لنقول بالفعل إننا بحاجة إلى رؤية إصلاحات، نفرض ضرائب على شعبنا ونتوقع من الآخرين فعل الأمر نفسه، وأن يبذلوا جهداً، نريد المساعدة لكننا نريد منكم الاضطلاع بدوركم”.
آخر محطات التلاسن الإعلامي بين مصر والسعودية، حملها مقال لرئيس تحرير صحيفة الجمهورية الحكومية، بعنوان “حجارة اللئام والأنذال”.
انتقادات لهيمنة الجيش على الاقتصاد
لم يقتصر الأمر على تصريح وزير المالية السعودي، فبعد تصريحات الجدعان خلال مؤتمر “دافوس”، نشر الكاتب والأكاديمي السعودي السابق تركي الحمد، تغريدات تنتقد نظام الحكم والجيش المصري.
وقال الحمد: “لدينا نموذجان لمصر: مصر المزدهرة قبل عام 1952، ومصر الطموحة بعد ذلك التاريخ، وفي المقابل، هنالك مصر بواقعها الحالي، أي مصر البطالة، وأزمات الاقتصاد والسياسة ومعضلات المجتمع وتقلباته الجذرية العنيفة التي لا تنتمي لأي نموذج، ملكيا كان أم جمهوريا”.
وزاد: “ما الذي حدث لمصر الثرية بثرواتها وإمكانياتها، التي كانت تُقرض المال وتساعد المحتاج، وها هي اليوم أسيرة صندوق النقد الدولي، مشرئبة العنق لكل مساعدة من هنا أو هناك، وهي أرض اللبن والعسل؟”.
وأعاد الحمد، الأزمة الاقتصادية التي تشهدها مصر، إلى هيمنة الجيش المتصاعدة على الدولة، وخاصة الاقتصاد، بحيث لا يمر شيء في الدولة المصرية إلا عن طريق الجيش، وبإشراف الجيش، ومن خلال مؤسسات خاضعة للجيش، ولصالح متنفذين في الجيش.
لم تكن تغريدات الحمد هي الوحيدة التي عبّرت عن الأزمة، فخرح الأكاديمي المتخصص في علم الاجتماع السياسي خالد الدخيل، ليغرد هو الآخر، قائلا: “ما يحصل لمصر في السنوات الأخيرة يعود في جذره الأول إلى أنها لم تغادر عباءة العسكر منذ 1952”.
وأضاف أنها انكسرت في يونيو/ حزيران 1967، وتبخر وهج 23 يوليو، كما عرفه المصريون والعرب، وسيطرة الجيش على السلطة وعلى اقتصاد مصر، لم تسمح ببديل سياسي اقتصادي مختلف”.
الأرز الخليجي
التغريدات التي تنتقد تدخل الجيش المصري في الاقتصاد، استدعت حديثا قديما للدخيل خلال ندوة سياسية قبل أعوام، تداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي، كان يتحدث فيه عن تلميحات للسيسي يهاجم فيها السعودية في أحد خطاباته، رغم أنه كان يطلب الدعم المالي منها عقب عام 2013.
وقال الدخيل إن “السيسي قال في خطاب له ويشير إلى السعودية، إن مصر لن تركع إلا لله، وهي جملة مربكة في السياق الذي قيلت فيه، والسعودية والخليج ليسوا أعداء لمصر، وتفسيري أن المقصود هو أن مصر لن تركع للمال الخليجي، فلماذا يطالب السيسي بالأرز الخليجي؟”.
الأكاديمي السعودي خالد الدخيل: “ما يحصل لمصر في السنوات الأخيرة يعود في جذره الأول إلى أنها لم تغادر عباءة العسكر منذ 1952″، وتساءل: لماذا يطالب السيسي بالأرز الخليجي؟
حجارة اللئام والأنذال
في المقابل، شنّ رئيس تحرير صحيفة “الجمهورية” الحكومية المصرية، عبدالرازق توفيق، هجوما على السعودية في مقاله الذي حمل عنوان: ” الأشجار المثمرة.. وحجارة اللئام والأنذال”.
وقال توفيق في المقال الذي عادت صحيفة الجمهورية وحذفته: “ثبات وحكمة الموقف المصري والإدارة الرشيدة للتحديات والضغوط، أزعجت البعض ممن نحسبهم أشقاء وأصدقاء بالإضافة إلى العدو التقليدي، لذلك انبرى إعلام هذه الدول في الهجوم والإساءة لمصر”.
وأضاف: “رغم ضآلة هذه الدول التي تعاني من الهشاشة البشرية والحضارية التى أصبحت فى غفلة من الزمان تحمل اسم «دول» فى ابتزاز سافر، ومحاولات توريط واستدراج، وإشعال للمنطقة وفق حسابات متهورة، تجافي سياسات وثوابت مصر الحكيمة في إرساء الأمن والاستقرار في المنطقة”.
وتساءل: “لا أدري لماذا تثير قوة الجيش المصري العظيم وقدرته جنونهم وأحقادهم، وحالة مرضية من الهذيان، فإذا كان الأمر متوقعاً من العدو التقليدي والتاريخي لأن قوة وصلابة خير أجناد الأرض تفقده صوابه واتزانه وتربك حساباته، وتدحر مخططاته ومؤامراته الفاشلة، لكن الغريب أن يأتي الهجوم والإساءة من المفترض أنه شقيق”.
ممارسات الأقزام
وزاد: “إن كانت مصر تترفع عن الصغائر وممارسات الأقزام والصغار لكنها لن تقبل بضغوط وابتزاز يدفع المنطقة إلى أتون الصراعات وتتلاشى معه كل مظاهر الأمن والاستقرار”.
وواصل: “للأسف هناك أغبياء أعماهم المال لا يدركون أنه لو حدث مكروه لمصر، فلن يبقوا دقيقة واحدة بعدها، لأنهم مجرد تفاصيل وتوافه وجذوع نخل خاوية، الشجرة المثمرة والمزهرة هي التى تلقى بأحجار اللئام والمتآمرين والحاقدين، تنامي قدرة مصر الشاملة والمؤثرة ووقوفها على أرض صلبة لا تستجيب للضغوط والابتزاز، وتمسكها بثوابتها ومواقفها وعلاقاتها الإستراتيجية مع الجميع دون التورط في استقطاب يريده أعداؤها”.
وزاد: “لا يجب على الحفاة العراة الذين ارتدوا أفخر الثياب مؤخراً التطاول على مصر زينة وأم الدنيا، بتاريخها وحاضرها ومستقبلها وحضارتها وانتصاراتها وأمجادها.. ورجالاتها ورموزها وشعبها العظيم.. ليس من حق اللئام والأنذال ومحدثي النعمة أن يتطاولوا على أسيادهم فهم مجرد هواء وفراغ يتلاشى بمجرد هبوب عواصف بسيطة.. لكن مصر هي الجبال الراسيات الشامخات ليس من حق «دويلات» عمرها لا يزيد على عمر أصغر أبنائي أن تتحدث عن مصر إلا بالأدب و بالإجلال والاحترام وإذا كان يمكنهم شراء بعض أصوات وأبواق الأقزام والعملاء والمرتزقة فلا يمكنهم شراء التاريخ والحاضر والمستقبل”.
الكاتب المصري عبد الرزاق توفيق: لا يجب على الحفاة العراة الذين ارتدوا أفخر الثياب مؤخراً التطاول على مصر زينة وأم الدنيا، بتاريخها وحاضرها ومستقبلها وحضارتها وانتصاراتها وأمجادها
واختتم رئيس تحرير صحيفة “الجمهورية”: “أقول في النهاية إن مصر أكبر وأعظم من أحاديث الإفك التى يروجها الأنذال والأقزام واللئام والحاقدون وكل شيء فيها يمضي إلى الأمام”.
الكاتب الصحافي المصري، عبد الناصر سلامة، رئيس تحرير صحيفة الأهرام السابق، علّق على الحملة التي يقودها كتّاب سعوديون على موقع “تويتر” ضد الجيش المصري، رابطاً بينها وبين الموقف الرسمي للسعودية والكويت، بخصوص المساعدات الخارجية لمصر.
وتساءل سلامة: “هل هي صحوة ضمير لصالح الشعوب بعد سلسلة أخطاء، أم خلافات مؤقتة تزول بزوال السبب، أم إملاءات خارجية كما جرت العادة”.
ضعف اقتصادي ووهن سياسي
على الجانب الأخر، اعتبر ياسر حسان أمين صندوق حزب الوفد، أن معظم الانتقادات التي وجهت إلى الوضع الداخلي في مصر صحيحة، وأقرتها مؤسسات دولية بالإضافة إلى أنها حقيقة يعيشها ملايين المصريين يوميا.
وكتب على صفحته الرسمية في فيسبوك: “الخليج حاليًا هو أحد المناطق القليلة التي استفادت من الحرب الروسية الأوكرانية، وتنعم بفائض مالي نتيجة ارتفاع أسعار البترول عالميا.. تجاوز الناتج المحلي للسعودية هذا العام تركيا، وتخطى التريليون دولار، وهي بذلك أول دولة عربية تحقق هذا الرقم”.
وزاد: “السعودية يحكمها جيل جديد لا يرى العروبة طريقا من الأصل، وتقريبا لا تجد السعودية حاضرة اليوم في كثير من القضايا العربية باستثناء اليمن حيث تربطهما حدود مشتركة ومصالح أمن قومي لها، السعودية ترى نفسها حاليا دولة محورية عالميا باقتصاد قوي واحتياطي نفط وثروات معدنية كبير”.
وواصل: “السعودية الآن عضو في نادي دول العشرين الكبار، وتريد أن تبني نفسها داخليا وخارجيا علي هذا الأساس، بينما مصر تبحث عن دور إقليمي وقيادة عربية وسط تغييرات جيوسياسية في الخارج، وضعف اقتصادي ووهن سياسي في الداخل، إنها معادلة قائمة على التاريخ لا الحاضر، وعلى الأماني لا الواقع، وعلى مصر أن تبحث لها عن طريق نجاة خارج إطار القومية العربية التي لم يعد لها مكان على أرض الواقع”.
وكان الخلاف السعودي المصري ظهر جليا في غياب محمد بن سلمان ولي عهد السعودية، عن الاجتماع الذي استضافته أبوظبي أواخر العام الماضي، وضم قادة الإمارات والبحرين والأردن وقطر.
وبحسب خبراء، فإن السعودية تعترض على ما تصفه بالتفضيل المصري للجانب الإماراتي في الملف الاقتصادي في قطاعات بعينها خاصة قطاع الموانئ، إضافة إلى رغبة المملكة في شراء شركات مملوكة للقطاع الخاص وليست للحكومة المصرية.
السعودية تعترض على التفضيل المصري للجانب الإماراتي في الملف الاقتصادي في قطاعات بعينها خاصة قطاع الموانئ
تيران وصنافير
الأزمة تضمنت أيضا التأخير من الجانب المصري في تسليم جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، مع انتهاء مهمة القوات الأمريكية هناك.
وفيما تبرر القاهرة موقفها بتحفظات فنية على بنود في الاتفاق، منها تركيب كاميرات في الجزيرتين التي تتعلق بهما الاتفاقية، فيما يفترض أن تستعين القوة متعددة الجنسيات الموجودة بالجزيرتين بتلك الكاميرات لمراقبة النشاط الجاري فيهما، وكذلك في مضيق تيران. ويرى خبراء أن الموقف المصري يأتي ردا على رفض المملكة تقديم مزيد من المساعدات الاقتصادية.
الموقف السعودي من تقديم مزيد من المنح الاقتصادية لمصر، تلاقى مع الموقف الكويتي، حيث ندد أمين سر وعضو مجلس الأمة الكويتي، الشاهين، بما وصفه أوامر صندوق النقد الدولي، بتخصيص دول مجلس التعاون الخليجي موارد تمويلية جديدة لمصر بقيمة 14 مليار دولار.
وقال الشاهين في بيان وجّهه لرئيس مجلس الأمة الكويتي: “قبل الحديث عن 14 مليار جديدة، علينا معرفة مصير الـ3مليارات من المنح والقروض، والـ4 مليارات المودعة ومستحقة السداد”.
وتحتل الكويت المركز الثالث في قائمة الدول الخليجية المودِعة لدى مصر، وتشير تقديرات لحجم الدعم الذي تلقته القاهرة من الخليج، منذ ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، التي أطاحت بالرئيس المصري محمد حسني مبارك، بنحو 92 مليار دولار.