ميديابارت: الحكومة الإسرائيلية الجديدة تفتح مرحلة جديدة من الشك في الشرق الأوسط
عربي تريند_ تحت عنوان: “الحكومة الإسرائيلية الجديدة تفتح مرحلة جديدة من عدم اليقين في الشرق الأوسط”، قال موقع “ميديابارت” الاستقصائي الفرنسي إن حلف الناتو الشرق أوسطي الذي أراد دونالد ترامب إنشاءه من خلال الجمع بين إسرائيل والأنظمة الملكية العربية في الخليج ضد إيران، لم ينج في ظل المنافسات والتناقضات في منطقة غير مستقرة تاريخيًا، تزيد حكومة نتنياهو الجديدة طينها بلة.
وأضاف الموقع أن الدبلوماسي الإسرائيلي السابق ألون بينكاس، الذي تحول إلى محلل سياسي، يُشير إلى احتمال استئناف الحرب في سوريا، حيث يسيطر نظام بشار الأسد، بمساعدة حلفائه الروس والإيرانيين، على ثلثي البلاد. هناك أيضا خطر اندلاع حرب أهلية في العراق، أو فرضية “اندلاع حريق” في الأراضي الفلسطينية المحتلة وانتفاضة تصل إلى تفكيك الفلسطينيين لسلطة رام الله، على حد قوله.
وهنا أيضاً الثورة الشعبية التي تختمر في إيران منذ وفاة مهسا أميني في سبتمبر الماضي وقرار نظام طهران تجاوز “العتبة النووية” وتطوير “خيار ذري عسكري”. حتى لو كان هذا تطورًا محدودًا بشكل متعمد، فهناك خطر حقيقي يتمثل في زعزعة الاستقرار الإقليمي، كما ينقل “ميديابارت” عن الدبلوماسي الإسرائيلي السابق.
ثم هناك، في نظر ألون بينكاس، نقاش إستراتيجي خاص بإسرائيل. ذلك الذي يفرض نفسه على دولة منخرطة، إن لم تكن محاصرة، في مثلثين جيوسياسيين غير مستقرين للغاية: مثلث أمريكي-إيراني-إسرائيلي، ومثلث أمريكي-إسرائيلي-سعودي. يمكننا أن نضيف إليهما مثلث إسرائيل- فلسطين-الولايات المتحدة، إذا حاولت واشنطن مرة أخرى التوسط وتقديم مساعدتها لكلا الجانبين، على افتراض أنهم يعتزمون التفاوض، وهذا بعيد كل البعد عن الواقع في الوقت الحالي.
عودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة على رأس أكثر الحكومات يمينية في تاريخ إسرائيل تعد أحد أهم الأحداث والأكثر احتمالاً لخطر زعزعة الاستقرار في المنطقة
لكن بالنسبة إلى ألون بينكاس، كما هو الحال بالنسبة للعديد من المحللين والمراقبين للأخبار الدولية، فإن عودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة على رأس أكثر الحكومات يمينية ودينية في تاريخ إسرائيل تعد أحد أهم الأحداث والأكثر احتمالاً لخطر زعزعة الاستقرار في المنطقة، يقول “ميديابارت”.
وينقل الموقع الفرنسي عن دبلوماسي أوروبي متخصص في شؤون منطقة الشرق الأوسط، قوله إن “كل مكونات أي أزمة كبرى قد اجتمعت معًا”، حيث إنه ولأول مرة في تاريخ الصراع في الشرق الأوسط، ستُدار الأراضي الفلسطينية من قبل مستوطنين وسياسيين من أكثر المنظمات الاستيطانية تطرفاً”.
وهو وضع متفجر اعتبرته السفيرة الإسرائيلية في فرنسا يائيل جيرمان غير مقبول لدرجة أنها قدمت استقالتها لنتنياهو يوم الخميس الماضي. وكتبت في رسالة استقالتها: “سياستك وتصريحات وزراء حكومتك ونوايا التشريع تتعارض مع ضميري، ونظرتي للعالم ومبادئ إعلان استقلال دولة إسرائيل”.
وأشار “ميديابارت” إلى أن المتعصب اليهودي إيتمار بن غفير، هو الآن وزير الأمن القومي، حيث سيتحكم في الشرطة وسيكون بالتالي مسؤولاً عن الحفاظ على النظام في الحرم القدسي. وينوي سحب السلطة من الجيش على شرطة الحدود المنتشرة والناشطة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما بات المحامي العنصري المناهض للعرب، بتسلئيل سموتريتش، يتولى حقيبة المالية بالإضافة إلى حقيبة أخرى ضمن وزارة الدفاع.
أظهر استطلاع للرأي نُشر في 13 من ديسمبر الماضي أن 72 في المئة من الفلسطينيين يؤيدون المقاومة المسلحة الآن. وهذا في الوقت الذي تجد فيه القضية الفلسطينية، التي أهملتها الأنظمة العربية، بعض التأييد بين الشعوب، كما اتضح من ظهور ألوان فلسطين في مدرجات مونديال قطر، يُشير “ميديابارت”.
واعتبر الموقع الفرنسي أن القادة الإسرائيليين الجدد يواجهون خطرًا كبيرًا يتمثل في عدم مقاومة إغراء التنفيذ دون انتظار مشروعهم الأيديولوجي بضم الأراضي الفلسطينية وطرد سكانها، قائلة إن سموتريتش وبن غفير وحلفاءهما يخاطرون بالمضي قدمًا في تحقيق برنامجهم الاستعماري و“التطهير العرقي”.
ومضى الموقع الفرنسي إلى القول إنه في المناخ الحالي للعالم العربي لا يمكن أن يظل اندلاع الصراع المسلح المحتمل في الضفة الغربية والقدس نزاعًا إسرائيليًا فلسطينيًا ضيقًا كما كانت العمليات الأخيرة للجيش الإسرائيلي في غزة.
وأشار “ميديابارت” إلى تصريح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في شهر مارس الماضي بالقول: “نحن نرى إسرائيل كحليف محتمل. لكن يتعين على قادتها أولاً حل مشكلتهم مع الفلسطينيين”. لكن هل يمكن للقادة الإسرائيليين اليوم أن يسمعوا ذلك؟ يتساءل الموقع الفرنسي، مذكّراً أنه في عام 2020، رفضت الرياض الانضمام إلى الإمارات العربية المتحدة والبحرين وإسرائيل في اتفاقيات أبراهام التي رعاها دونالد ترامب. ويخشى القادة السعوديون أن مثل هذا التقارب مع إسرائيل، بينما ما يزال الفلسطينيون دون دولتهم، من شأنه أن يثير ردود فعل عنيفة بين سكان المملكة.
لذلك باعت إسرائيل سرا نظام دفاع جوي عالي التقنية للإمارات، وزودت البحرين ببطاريات مضادة للطائرات بدون طيار، وأبرمت اتفاقيات تجارة حرة مع الملكيتين العربيتين، وأقامت علاقات أمنية مع عُمان وقطر “تحت الرادار”. لكن المشروع الأمريكي الإسرائيلي “لحلف شمال الأطلسي في الشرق الأوسط” ضد إيران بقي في الأدراج. حتى المنامة وأبو ظبي أبدتا إحجامًا عن هذا التحالف العسكري مع إسرائيل ضد إيران، في ظل خشيتهما من أن ينتهي الأمر بمثل هذا الجهاز الاستراتيجي إلى إثارة حرب مفتوحة مع طهران. ومع هزيمة ترامب ووصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، أصبح دور “المثلثات الجيوسياسية” المناهضة لإيران في استقرار المنطقة وأمنها محل نقاش متزايد وغير واضح المعالم.
في عهد ترامب – يوضح “ميديابارت”- كانت العواصم العربية في الخليج قد أشارت بالفعل إلى أن استراتيجية “الضغط الأقصى” التي تتبناها الولايات المتحدة ضد طهران قد فشلت في “تركيع النظام الإيراني”. ثم أعربت الرياض وأبو ظبي عن أسفهما لرد واشنطن الخجول للغاية عندما هاجمت جماعات مسلحة يعتقد أنها حليفة لإيران منشآت لشركة النفط السعودية أرامكو وسفنا تجارية عربية في الخليج.
بعد ذلك، قرر جو بايدن تهميش محمد بن سلمان على خلفية اغتيال الصحافي جمال خاشقجي في إسطنبول عام 2018. ومؤخراً، رفضت السعودية زيادة إنتاجها النفطي كما زعمت واشنطن، للرد على الإجراءات التي اتخذها بوتين، مما أدى إلى زيادة المناخ سوءًا بين الولايات المتحدة والرياض.
ورأى “ميديابارت” أن مناخ التناقض المتبادل هذا، الذي تفاقم بسبب الأولوية التي أعطتها واشنطن للنزاع الأوكراني المشتعل على حساب الأزمة المتكررة بين إيران وجيرانها، يفسر جزئيًا الاستقبال الكبير الذي حظي به الرئيس الصيني شي جين بينغ في أوائل ديسمبر في الرياض، وإبرام “تحالف استراتيجي” واتفاقيات تعاون اقتصادي وعسكري تصل قيمتها إلى عشرات المليارات من الدولارات بين بكين والعديد من دول الخليج، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، التي نمت التجارة معها بنسبة 380 في المئة بين عامي 2016 و2020، حيث ستبني الصين مفاعلًا نوويًا واحدًا على الأقل ومحطة لتحلية المياه. وسيكون الانتشار النووي في عام 2023 وما بعده أحد الاهتمامات الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط.
وبكين ليست الشريك الوحيد الذي تستعد الرياض للتوجه إليه ليحل محل، إذا لزم الأمر، الحليف الأمريكي الذي يفشل أو لا يحترم استقلالها بالقدر الكافي. شركة روساتوم الروسية مرشحة أيضا لبناء مفاعل نووي في ظل الشروط التي حددتها الرياض. أي بالالتزام بعدم ممارسة السيطرة على إنتاج اليورانيوم المخصب، وهو ما تجد واشنطن صعوبة في الاعتراف به، حتى في حالة نقل التكنولوجيا للاستخدامات المدنية البحتة.
حاول باراك أوباما وقف هذا الخطر من خلال التوقيع في عام 2015 في فيينا، مع طهران، والأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا والاتحاد الأوروبي على اتفاقية عدم الانتشار الدولية، والتي سمحت للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالسيطرة على البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران منذ عام 1995. وبتأثير من نتنياهو الذي كان معاديًا للاتفاق منذ اليوم الأول، قرر دونالد ترامب في عام 2018 سحب الولايات المتحدة منه، مما أدى فعليًا إلى تدمير الصرح الدبلوماسي بأكمله الذي أقامه أوباما وشركاؤه وإعطاء القادة الإيرانيين ذريعة لاستئناف برنامج التخصيب لمخزون اليورانيوم لديهم.
واليوم، يقول “ميديابارت”، إنه ربما لأن مستشاري جو بلدين يعتقدون أن الاتفاق الدولي هو أفضل طريقة للتعرف على تطور البرنامج النووي الإيراني وربما السيطرة عليه، يبدو الرئيس الأمريكي الحالي مصممًا على استئناف المفاوضات في محاولة لإنعاش الاتفاق من فيينا […] والانتقاد الموجه لاتفاق فيينا لا يستهدف التراخي المفرط في السيطرة على البرنامج النووي بقدر ما يستهدف رفع العقوبات، الأمر الذي سيسمح لإيران باستعادة جزء كبير من أموالها المجمدة في الخارج لتمويل الجماعات المسلحة في خدمتها: حزب الله في لبنان والحوثيون في اليمن وبعض الميليشيات الشيعية في العراق.
واليوم- يتابع “ميديابارت”- فإن نتنياهو، الذي وصل إلى السلطة بفضل دعم اليمين الديني المتطرف والمستوطنين، لا يمكنه أن يتجاهل أن السعودية والإمارات، وهم شركاؤه العرب الرئيسيون في مشروع التحالف الإقليمي المناهض لإيران، قد غيروا استراتيجيتهم تجاه طهران. فبخيبة أمل بسبب عدم رغبة واشنطن في تبني قضيتهم، شرعوا الآن في حوار معمق مع إيران […] “لا نريد حربا ولا مواجهة مع إيران. آخر ما نريده هو الانجرار إلى حرب بين إسرائيل وإيران”، قال مسؤول سعودي مؤخراً. كما عينت أبو ظبي من جهتها سفيرا لها في طهران في شهر أغسطس الماضي، لأول مرة منذ ست سنوات. أما بالنسبة للنظام الإيراني، فقد أشار إلى أنه مستعد “للتسامح مع تطبيع علاقات جيرانه مع إسرائيل، شريطة ألا يسمحوا بأي عمليات استخباراتية ضد إيران من أراضيهم”.
ورأى “ميديابارت” أنه بعد الفشل في العودة إلى مشروع “ناتو الشرق الأوسط” الذي اختفى مع ترامب، ربما يجد جو بايدن في هذا المناخ من الانفتاح الدبلوماسي “فرصة” لمحاولة إحياء اتفاقية فيينا. لأن إيران لديها أيضًا آفاق دبلوماسية أخرى. فهي حليفة موسكو في سوريا والمزود المفضل للجيش الروسي للطائرات بدون طيار الهجومية منذ بداية الحرب في أوكرانيا.
وتحوّلت طهران، مثل الرياض، إلى بكين ومواردها المالية المفرطة لإيجاد الاستثمارات اللازمة لتطوير بنيتها التحتية وصناعتها. وبحسب ما ورد تم بالفعل توقيع اتفاقية “تعاون استراتيجي” بقيمة 400 مليار دولار. فعلى الرغم من عدم الكشف عن تفاصيل الوثيقة بالكامل، فمن المعروف بالفعل أنها ستضمن لبكين احتكارًا فعليًا للنفط والغاز الإيراني، مما سيسمح للصين بإنشاء قواعد عسكرية لحماية منشآت الغاز. ويبدو أن بكين وضعت شرطا لإبرام هذا التحالف الاقتصادي: تجديد اتفاقية فيينا، حيث تقدم بكين في الواقع دعمها لواشنطن لإقناع طهران. فكل ذلك يؤكد أن الشرق الأوسط هو عالم معقد فعلاً، يختتم “ميديابارت”.