العالم تريند

شوارع تل أبيب تحوّلت لـ”ساحة حرب”.. وحكومتها تجتمع لفحص إمكانيات طرد “المشاغبين” الأفارقة

عربي تريند_ في ظل انتقادات متصاعدة لحكومته، تحوّل جنوب تل أبيب لساحة حرب، أمس، بين مهاجرين ومتسلّلين من إريتريا، فيما قال بنيامين نتنياهو إنه سيفحص اليوم إمكانيات طرد المشاركين في أعمال الشغب.

يشار إلى أن هناك نحو 32 ألف إريتري وصلوا البلاد كطالبي عمل أو لجوء، فرّوا من بلادهم بسبب الملاحقات وعمليات الاضطهاد والتنكيل من قبل النظام الدكتاتوري هناك، حيث يقبع نحو 25 ألف مثقف وناشط في سجون النظام الحاكم. وتقيم أغلبية هؤلاء في جنوب تل أبيب، كالكثير من المهاجرين الأفارقة (من السودان مثلاً) في ظروف اقتصادية– اجتماعية متدنية، منذ العام 2000، السنة التي بدأت تتسلل فيها مجموعات مهاجرين من إفريقيا للبلاد عبر سيناء بحثاً عن عمل، أو هرباً من ملاحقات.

وكانت سفارة أريتريا قد نظّمت مهرجاناً احتفالياً في تل أبيب، بمناسبة 30 سنة على “حرب التحرير” التي سبقت استقلال إريتريا، وفكّ الاتحاد الفيدرالي مع إثيوبيا، وسرعان ما تفجّرت الاحتفالية نتيجة اشتباكات بين مناصرين للنظام الدموي الحاكم في أسمرة ومعارضين له. ولو كان فلسطينيو الداخل هم من شاركوا في مثل هذه المواجهات لقُتل عشرات منهم، لكن الحسابات غير المعلنة لحكومة الاحتلال، والعلاقات السرية بينها وبين نظام الحكم الدموي في إريتريا دفعت الشرطة الإسرائيلية لعدم إطلاق رصاص القتل.

نتنياهو تراجعَ عن اتفاق 2018 حول المتسللين من إريتريا ليس فقط بضغط من أوساط المستوطنين واليمين المعارضين لبقاء أي مهاجر إفريقي في البلاد، بل تلبية لطلب طاغية إريتريا.

وانتشرت المواجهات في عدة شوارع داخل تل أبيب بين آلاف المناصرين للنظام الحاكم في أسمرة، يرتدون القمصان الحمراء، وآلاف من أشقائهم المعارضين له، ممن يرتدون قمصاناً زرقاء. يُذكر أن المتسللين طالبي العمل من إريتريا، وهم، في معظمهم، مناصرون للنظام الحاكم في أسمرة، يدفعون الضرائب للمالية الإريترية على مداخيلهم كعاملين في إسرائيل، وهذا يصب الماء على طاحونة الديكتاتور الإريتري الذي يحتفظ بعلاقات متينة معلنة وسرية مع إسرائيل، وهذا ربما أحد أسباب عدم طردهم من قبل حكومات نتنياهو، خلال العقدين الأخيرين، وأحد أسباب تراجعه عن اتفاق 2018.

واستخدم المشتبكون العصي والأدوات المعدنية والحجارة، ويقال إن بعضهم استخدم المسدسات، وسرعان ما تحولت المواجهات لاشتباكات مع الشرطة الإسرائيلية، التي فوجئت بقوة “الانفجار”، وشوهد عشرات من عناصرها يفرّون من أمام المهاجرين الإرتريين.

على خلفية فقدان شرطة تل أبيب السيطرة، سارعَ مفتشها العام كوبي شبتاي للوصول لساحة الاشتباكات، وتَولّى بدلاً من قائد شرطة تل أبيب الإشراف على الحدث، واستدعى تعزيزات واسعة من القوات حتى تمكّنَ من استعادة السيطرة مجدداً على الأوضاع. وخلال الاشتباكات، التي طالت مدة ساعات، تم تدمير عشرات المحال التجارية بالكامل، وأصيب 170 شخصاً، منهم عشرون رجل شرطة، بعض جراحهم خطيرة ويخضعون للعلاج في المستشفيات.

اتفاق مع وقف التنفيذ
يشار إلى أن وجود عشرات الآلاف من الأفارقة المتسللين في تل أبيب أدى لتوترات واحتكاكات مع “السكان” الإسرائيليين في السنوات الأخيرة، وسط انتقادات لحكومة الاحتلال بإهمال قضية ملحة حارقة ودعوات لترحيل “الأغراب”، والاعتداء عليهم أحياناً. على خلفية ذلك توصّلت حكومة الاحتلال، بقيادة نتنياهو، عام 2018، لاتفاقية مع مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة تقضي بترحيل نصف المتسلّلين (طالبي العمل بالأساس) من إريتريا لدول غربية، وتأهيل نصفهم الآخر (طالبو اللجوء)، وتنظيم مكان إقامتهم، ونشرهم في أرجاء البلاد كمقيمين مؤقتين ريثما يتم حل مشكلتهم. لكن نتنياهو سارع، بعد ساعات وقتها، للتراجع عن الاتفاق، بضغط من أوساط اليمين والمستوطنين ممن يرفضون بقاء “الأغراب” في البلاد.

وتُوجّه أوساط معارضة، اليوم، اتهامات لنتنياهو بالتراجع عن اتفاق جيد مع المتسللين لاعتبارات سياسية، وخوفاً من فقدان نقاط لدى مؤيدي حزبه “الليكود” ممن يناصبون العداء الكبير للاجئين والمتسللين الأفارقة وغيرهم.

بعد مشاهد الفوضى التي أربكت إسرائيل في شوارع تل أبيب سارعَ نتنياهو للقول، ليلة أمس، إنه عيّن لجنة وزارية لمتابعة القضية لافتاً للرغبة باستنفاد كل الفرص من أجل طرد المشاركين في أعمال الشغب في تل أبيب. ومن المتوقع أن تلتئم اللجنة الوزارية، اليوم الأحد، بمشاركة نتنياهو قبل سفره إلى قبرص، فيما تحاول الشرطة التثبّت من عدم اندلاع الاشتباكات مجدداً. وبالأمس، بادرتْ لإغلاق الخمارات الخاصة بالمهاجرين في جنوب تل أبيب، أما وحدة التحقيق مع رجال الشرطة في وزارة القضاء فشرعت في فتح ملف تحقيق بإطلاق الرصاص الحيّ من قبل رجال البوليس.

وتتعالى دعوات من الائتلاف الإسرائيلي الحاكم لطرد المهاجرين الأفارقة من البلاد، إذ قال وزير الثقافة ميكي زوهر إنه ينوي طرد كل من شارك في أعمال الشغب، فوراً، ودون اكتراث لحسابات أخرى، في إشارة لتقييدات القانون الدولي الخاص بالمهاجرين وطالبي اللجوء السياسي. وكان وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير قد دعا، خلال محادثة مع نتنياهو ومع قائد الشرطة كوبي شبتاي، أمس، لطرد المتسللين المشاركين في الفوضى العارمة.

استغلال سياسي
واستغل عددٌ من الوزراء في حكومة الاحتلال هذه الفوضى داخل تل أبيب للطعن بالجهاز القضائي، والتحريض عليه وعلى المحكمة العليا، إذ حمّلَها وزير المالية باتسلئيل سموتريتش مسؤولية الأحداث، لأنها ترفض عملية طرد اعتباطي للمتسللين الأفارقة، وتبعه رئيس لجنة الخارجية والأمن النائب داني دانون. وكذلك وزير القضاء نفسه ياريف لافين، الذي قال، في تصريحات إعلامية، اليوم الأحد، إن الأحداث الفوضوية الدائمة في تل أبيب دليلٌ على صحة قرار إجراء إصلاحات قضائية، وتغيير مبنى ومكانة المحكمة العليا.

من جهتهم حمَلَ أقطاب المعارضة على حكومة نتنياهو، واعتبروا ما حدث دليلاً عل فقدان السيطرة، وتمدد حالة الفوضى الواسعة في البلاد في ظل حكومة فاشلة. وقال رئيس “الحزب الدولاني” النائب بيني غانتس إن تل أبيب شهدت، أمس، أحداث عنف قاسية، داعياً لمقاضاة المشاغبين، واستخلاص الدروس من الحدث، ومن المسّ الواضح بالدولة تحت قيادة حكومة فاشلة بكل المعايير.

إخفاق الشرطة
وتواصل وسائل الإعلام العبرية أيضاً كيل الاتهامات لحكومة نتنياهو “الفاقدة للسيطرة” في كل الساحات: الساحة الفلسطينية، وساحة الجريمة المتفشية داخل البلدات العربية، وساحة المهاجرين الأجانب في تل أبيب.

وتؤكد صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن الشرطة أخفقت في معالجة الحدث المربك، بدءاً من عدم الاستعداد الكافي لهذا الانفجار، رغم معلومات استخباراتية متوفرة لديها ولدى صحفيين تفيد بأن “احتفالية السفارة” الإريترية في تل أبيب ستشعل حريقاً كبيراً.

ضمن محاولته للدفاع عن الشرطة، قال مفوضها العام كوبي شبتاي إنها علمت مسبقاً بتوتّر متصاعد بين مجموعتين من المهاجرين الأفارقة، لكنها فوجئت بقوة الانفجار، ونوّه بنجاحها في نهاية المطاف بفرض السيطرة، بعدما استدعت المزيد من قواتها.

طالبو العمل من إريتريا، وفي معظمهم مناصرون للنظام الحاكم في أسمرة، يدفعون الضرائب للمالية الإريترية على مداخيلهم كعاملين في إسرائيل، ما يصب الماء على طاحونة الديكتاتور الإريتري.

وحمَلَت صحيفة “هآرتس” على الشرطة والحكومة في ظل حالة الفوضى العارمة، وعدم معالجة القضايا الملحّة على أنواعها. وذهب محلّلها السياسي أمير تيبون للقول إن نتنياهو، وبدوافع سياسية، صرفَ النظر عن مشكلة المتسللين من إريتريا العاملين في البلاد بشكل غير قانوني ويرسلون مدخولاتهم المالية لعائلاتهم في وطنهم الأصلي ومستحقات الضريبة للسلطات الإريترية، ما يساهم في تحريك عجلة الاقتصاد هناك.

وقال تيبون إن نتنياهو تراجعَ عن اتفاق 2018 حول المتسللين من إريتريا ليس فقط بضغط من أوساط المستوطنين واليمين المعارضين لبقاء أي مهاجر إفريقي في البلاد، بل تلبية لطلب طاغية إريتريا أسياس أفورقي أبرهام، الحاكم بالحديد والنار في أسمرة منذ استقلال إريتريا عن إثيوبيا. ويتابع: “هناك علاقات دبلوماسية علنية بين إسرائيل وإريتريا، لكن هناك علاقات تعاون سرية مع النظام الدموي الحاكم هناك، وإسرائيل تشارك عملياً في قمع واضطهاد نظام أسياس أفورقي أبرهام. ولذا تدّعي حكومات إسرائيل المتعاقبة أن محكمة العدل العليا تحول دون طرد المتسللين احتراماً للقانون الدولي. لكن في الواقع هناك حسابات أخرى ترتبط بمصالح إسرائيل مع أنظمة دموية طاغية في إفريقيا وفي أمريكا الجنوبية وفي الشرق الأقصى، وهي تقيم معها شبكة علاقات سرية وصفقات سلاح وشركات مساعدة واستشارة أمنية وتعقّب للمعارضين والصحفيين وغيره.

على ساحل البحر الأحمر
أريتريا، وهي دولة صغيرة مقابل شبه الجزيرة العربية، بجوار الصومال والسودان وجيبوتي، يقيم فيها نحو خمسة ملايين نسمة، وتشهد هجرات متتالية من أبنائها بسبب الطغيان.

منذ قديم الزمان كانت إريتريا حلقة اتصال تجاري وحضاري بين أفريقيا وشبه الجزيرة العربية، ولا شك أن هذا الموقع الإستراتيجي الهام قد جعل أريتريا منطقة صراع ونفوذ، وموضع اهتمام وأطماع المستعمرين عبر التاريخ، حيث تعرّضت لعدة حقب استعمارية، ولا بد أن إسرائيل تطمع باستثمار الحالة الجيو سياسية الإريترية.

وحسب مصادر تاريخية، جاءت تسمية إريتريا من فترة اليونانيين القدماء تخليداً لجزيرة يونانية تحمل هذا الاسم، ولاحقاً أطلق الرومان على البحر الأحمر اسم إريتريا. وعندما احتل الإيطاليون إريتريا أطلقوا عليها اسم إريتريا تجديداً للتسمية القديمة، وذلك بالمرسوم الذي أصدره الملك همبرت الأول، ملك إيطاليا، في الأول من يناير (كانون الثاني) 1890.

كما أطلق المؤرّخون المسلمون على الإقليم قديماً أسماء مثل بلاد الزيلع وبلاد الجبرته، وقال عنها ابن حوقل: بلاد الإريتريا. وذكر أن بها كثيراً من المسلمين، وعليها ملك عظيم.

وتمّت الهجرة الأولى في فجر الإسلام إلى بلاد الحبشة، عندما كانت إريتريا وإثيوبيا وحدة جغرافية وسياسية واحدة.

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى