العالم تريند

خبير عسكري: خلطة إستراتيجية تفسر صمود المقاومة أمام إسرائيل بغزة

عربي تريند

أقر الجيش الإسرائيلي، صباح الخميس، بمقتل 5 جنود وإصابة 16 آخرين في تفجير مبنى بمخيم جباليا شمالي قطاع غزة، الأربعاء، بعد ساعات من إعلان “كتائب القسام”، الجناح العسكري لـ “حماس”، أنهم قتلوا 12 جندياً، ووصفت العملية بالمركبة.
وعامة، رغم مرور نحو 8 أشهر على الحرب في غزة، ما زالت فصائل “المقاومة” الفلسطينية تظهر “صموداً” لافتاً في مواجهة الجيش الإسرائيلي.
وتخوض الفصائل، وعلى رأسها “كتائب القسام”، مواجهات تعكس مستوى عالياً من التحضير والتنفيذ، رغم الفرق بالكفاءة التكنولوجية لصالح الجيش الإسرائيلي.
وهو ما وصفه قاصد أحمد، فريق متقاعد ونائب أسبق لقائد الجيش الأردني، بأنه “صمود” يعود إلى “تأمين إمكانيات متنوعة ووسائل قتالية متعددة”، وتوافر مزايا النظام العسكري “الهجين”.
ويشن الجيش الإسرائيلي، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حرباً على غزة خلفت أكثر من 114 ألفاً بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وحوالي 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل، ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين.

نظام عسكري “هجين”
الخبير العسكري قال إنه “في رفح لدينا إستراتيجيتان متواجهتان، فإسرائيل تريد أن تفكك كتائب المقاومة، وتخنق غزة جغرافياً وحدودياً، وأن تضغط على المدنيين ليقرروا، أو يحاولوا أن يجدوا بديلاً للحياة المنعدمة والذهاب باتجاه سيناء (مصر)”.

قاصد: العامل الأكبر لهذا الصمود هو الشعب في غزة، الذي تحمّلَ وصمد وثبت وضحى وبقي على العهد في احتضان المقاومة، لم يستسلم، ولم ييأس

وتابع: “المقاومة لها إستراتيجية مختلطة في هذه المرحلة، وهي الدفاع بحرب العصابات بعد أن نفذت عمليات تعطيل وتخريب لهذا الهجوم (الإسرائيلي منذ 6 مايو/ أيار الجاري)، بحيث إنها تسمح بتوغل محدود يصل فيه العدو الإسرائيلي إلى مناطق منتخبة (مختارة)، ومن ثم الهجوم عليهم بوسائل القتال المختلفة”.
وأردف: “المقاومة تمارس حالة من الخلطة الإستراتيجية، التي تؤدي بشكل أو بآخر إلى الهدف الكبير لها، وهو أن توقع خسائر كبيرة وترفع ثمن الحرب على إسرائيل، إلى أن توصلها إلى حالة الفشل والإعاقة العسكرية الكاملة من الوصول إلى نتائج، وبالتالي تفتح المجال أمام إنهاء الحرب”.
وعن “صمود كتائب المقاومة” لفترة طويلة رغم الظروف الصعبة، أرجع قاصد الأمر إلى أسباب هي أن “المقاومة تقاتل بمعركة حق مشروع للدفاع عن حقوقها وحريتها وأرضها ودمها وعرضها”.
وأضاف أن السبب الثاني هو أن “المقاومة محاصرة (للعام الـ18)، وخبرت الجيش الإسرائيلي واستطاعت خلال هذه الفترة الطويلة أن تبني وتنظم نفسها عسكرياً، وتستوعب وتؤمن إمكانيات قتال ووسائل متنوعة ومتعددة، الكثير منها صنع محلي، وبعضها تكنولوجيا خارجية بالتعاون مع داعمين لها، ومنها ذات بعد إستراتيجي وعملياتي وتعبوي”.
كما لفت إلى “تحضير وتخطيط كاملين للمقاومة”، واصفاً إياها بأنها “ذات نظام عسكري هجين، يمكن أن تنفذ عمليات عسكرية نظامية كجيش نظامي، ويمكن أن تلجأ إلى حرب عصابات بالوقت المناسب، ويمكن أيضاً أن تخلط بينهما”.
وتطرق إلى “البنى التحتية القتالية، خصوصاً ما يرتبط بالأنفاق وأعمالها وعالمها الذي لا يستطيع أحد أن يتحدث عنه؛ لأنه عالم من الأسرار المجهولة، ومن خلالها تشكّل أحد مرتكزات الصمود والقدرة على الحركة والمناورة دون رؤية العدو لها، والظهور في المواقع الملائمة للتأثير دون التأثر”.
وتحدث عن أسباب ومزايا أخرى ساهمت في تعزيز صمود “المقاومة”، وبينها “عيون (فتحات) الأنفاق والإمكانيات التكنولوجية التي طورتها.. نجحت استخباراتياً وفي البنية التحتية وأنظمة الأسلحة والقتال، واستفادت من كل نظريات القتال السابقة سواء للمفكرين أو من آليات الحرب الحديثة”.

قاصد اعتبر أن “العامل الأكبر لهذا الصمود هو الشعب في غزة (نحو 2.3 مليون فلسطيني)، الذي تحمّلَ وصمد وثبت وضحى وبقي على العهد في احتضان المقاومة، لم يستسلم، ولم ييأس، ولم يرفض المقاومة، وكان ظهيراً ومسانداً لعملياتها”.

وأكد أن “إسرائيل بعد أن فشلت مع المقاومة، تحولت إلى الشعب وأصبح هو هدفها، للوصول إلى الهدف العميق للمشروع الصهيوني، وهو الإبادة والتهجير وتفريغ البعد الديموغرافي الفلسطيني باتجاه سيناء وفي الضفة باتجاه الأردن؛ لأن المرحلة القادمة للمشروع هي بالجغرافيا الأردنية والمصرية”.

وشدد قاصد على أن “إسرائيل ليست دولة، وإنما جزء من مشروع عالمي، وما يحدث معركة زوال بالنسبة لهم.. والمقاومة استفادت من حالة الإرباك الداخلي الإسرائيلي وضرب المعنويات بيوم الطوفان؛ إذ كان له تأثير في الحرب واستمرارها”.
وتابع أن “المقاومة ما زالت قادرة على إعادة تنظيم نفسها وترميم ما يقصد لها من خراب، وتعود للقتال بإمكانيات مناسبة جدا تتناسب مع الهجوم”.

انقسامات إسرائيل
وفي حديثه عن “التخبط العملياتي” في جباليا والزيتون ورفح، وقبلها بمحيط مشفى “الشفاء” غربي غزة، و”الفشل” الإسرائيلي بشهادة بعض جنرالاتها، قال قاصد إن “هذا الانفصام على المستويين السياسي والعسكري لإسرائيل كان واضحاً من اليوم الأول، والقيادة الإسرائيلية أرادت لهذه الحرب أن تكون تلمودية، لكنها أيضاً حرب سياسية تخدم التوجهات اليمينة المتطرفة للحكومة الحالية”.
واستطرد: “كان جزءاً رئيسياً من امتداد الحرب شراء الوقت للمحافظة على بقاء الحكومة متوازنة، على أمل أن يكون هناك فرص للخروج بأي صورة نصر ترمم صورة القيادة السياسية الإسرائيلية، وحتى العسكرية التي كسرت هيبتها في 7 أكتوبر”.

هدف إسرائيل هو الإبادة والتهجير وتفريغ البعد الديموغرافي الفلسطيني باتجاه سيناء وفي الضفة باتجاه الأردن؛ لأن المرحلة القادمة للمشروع هي بالجغرافيا الأردنية والمصرية

وفي ذلك اليوم، هاجمت “حماس” قواعد عسكرية ومستوطنات بمحاذاة غزة في معركة “طوفان الأقصى”، رداً على “جرائم الاحتلال اليومية بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته، ولا سيّما المسجد الأقصى”، وفق الحركة.
وزاد قاصد: “الحقيقة أن الجيش الإسرائيلي يقاتل بمعركة واضح أنها بلا آفاق وبلا نتائج واضحة، وبلا أي عمل أرضي يمكن أن يفسر بأنه نجاح، ورغم ادعاء القيادة العسكرية بذلك، إلا أن القيادة السياسية تفشل في توظيف النجاحات”.
وأردف أن “المستوى السياسي يريد أن يصل بالحرب إلى أبعد مدى ممكن وشراء وقت، وقد تكون غزة مرحلة أولى استعداداً لمراحل أخرى تُطيل أمد الحرب لبقاء (بنيامين) نتنياهو (رئيس الوزراء) وزمرة اليمين العنصري المتطرف بالحكم”.
وأوضح أن “هذا الاشتباك السياسي، مع أنه بمجمله يريد لهذه الحرب أن تستمر، ويريد للجيش أن يقاتل “حماس”، إلا أن الوعي الحقيقي للجنرالات يدرك أن هذه الأهداف لم تعد قابلة للتنفيذ، وبالتالي هذه الحرب إلى فشل، وكلما طالت أكثر يكون مستواه أكبر، وهناك خطر من مستوى الوصول إلى الهزيمة”.

كما تحدث عن “خطر أعمق وأكبر يدركه الأمريكان” (حليفة إسرائيل)، وهو أن “هزيمة إسرائيل أصبحت ممكنة بعد نجاحات المقاومة، لذا الكل حريص على وقف الحرب إلا القيادة الإسرائيلية، والتي تعتقد أنها جزء رئيسي من بقائها في الحكم، ومن هنا جاء الذهاب (عسكرياً) إلى رفح، وبشكل موازٍ العودة إلى جباليا وحي الزيتون”.

من يتحكم بالحرب؟
أما عن المتحكم في توسيع الحرب بشمال غزة ووسطها وجنوبها والمستفيد منه، فقال قاصد: “نحن أمام شكلين من الحرب، فما يحدث في رفح امتداد للمرحلتين الأولى والثانية، والذهاب جغرافياً إلى غزة ومواجهة كتائب المقاومة وخنق غزة، والضغط على السكان المهجرين هناك ومحاولة تهجيرهم وإعطائهم الفرصة للهروب إلى مصر”.
واستدرك: “أما ما يحدث في الشمال فمرتبط بما بعد الحرب، فإسرائيل تريد أن تسيطر على غزة ما بعد الحرب أمنياً ودفاعياً، فبالتالي عملت قاطع نتساريم، الذي يفصل الشمال عن الجنوب، وهذا ما يحصل في حي الزيتون وجباليا وقبله في الزهراء وجنوب هذا القاطع. هي محاولة لتثبيت أقدام إسرائيل والقضاء على أي مقاومات تظهر هنا أو هناك شمالاً وجنوباً”.
وزاد بأن إسرائيل “تنفذ عمليات في الشمال والجنوب للقضاء على عناصر المقاومة الذين يظهرون في تلك المناطق، ولكن الهدف الآخر الذي لا يقل أهمية هو القضاء على البنى الإدارية المحلية التي تدير منها “حماس” غزة، فعندما تظهر هذه الإدارات من جديد شمال غزة تستفز إسرائيل للقضاء على هذه الإمكانات كما حصل في الشفاء”.
وشدد على أن “المقاومة صاحبة اليد العليا، وهي التي تهاجم وبأساليب قتال مختلفة كما نعيش في جباليا وعشنا الأسبوع الماضي بحي الزيتون وأجبرت إسرائيل على الانسحاب”.
وتابع أن “السردية الإسرائيلية أنها سيطرت على المقاومة في الشمال والوسط سردية كاذبة، والمقاومة ما زالت قادرة على أن تقاتل وستقاتل إلى مدى زمني مفتوح، وستكون أكثر قدرة على الدوام بالقتال إلى فترة طويلة”.
وبوتيرة يومية، تعلن فصائل المقاومة عن مقتل وإصابة جنود إسرائيليين وتدمير آليات عسكرية، وتبث مقاطع مصورة توثق بعض عملياتها.
وأقر الجيش الإسرائيلي فقط بمقتل 621 ضابطاً وجندياً وإصابة 3 آلاف و479، لكنه يواجه اتهامات محلية بإخفاء حصيلة أكبر بكثير لقتلاه وجرحاه.

أسابيع من القتال
وبشأن توقعاته لسير العمليات والسيناريوهات العسكرية، في ظل عدم وجود رؤية إسرائيلية لليوم التالي للحرب، قال قاصد:

“أعتقد أن المشهد يتحدث عن استمرار الحرب إلى أن ينضج أي عامل قوي يمكن يؤثر عليه”.

وأشار إلى “العامل الداخلي الإسرائيلي المرتبك والمتردد وغير القادر على الضغط على الحكومة لتغير نهجمها وتذهب باتجاه صفقات الهدنة واستعادة الرهائن بدون حرب”.

الخبير: الجنرالات يدركون أن أهداف الحرب لم تعد قابلة للتنفيذ، وبالتالي هذه الحرب إلى فشل، وكلما طالت أكثر يكون مستواه أكبر، وهناك خطر من مستوى الوصول إلى الهزيمة

وتقدر تل أبيب وجود 133 أسيراً إسرائيلياً في غزة، فيما أعلنت “حماس” مقتل 71 أسيراً في غارات عشوائية شنتها إسرائيل، التي تحتجز بسجونها ما لا يقل عن 9 آلاف و500 فلسطيني.
وأضاف قاصد: “هناك العامل الأمريكي الذي لا يزال هشاً وغير متبنٍ لأي نهج حاسم وحازم مع إسرائيل لتوقف هذه الحرب”.
وتابع: “وهناك عامل ثالث هو العامل العربي، خصوصاً المصري بعد رفح، فالبعد المصري في قلب المشهد والمواجهة؛ لأن إسرائيل في رفح اخترقت قواعد اتفاقية كامب ديفيد (للسلام)، وهذا يعتبر إساءة واضحة لمصر، وهناك تصريحات سياسية ضد مصر، ومصر قادرة أن تأتي بضغوط دولية”.
وختم بأن “الأهم من كل ذلك هو المقاومة والقتال وإمكانيات القتال. طالما هي قادرة على إلحاق خسائر كبيرة وإدامة إعاقة الجيش الإسرائيلي عن الوصول إلى نتائج عسكرية فسيكون هذا عاملاً حاسماً وضاغطاً لوقف الحرب، وأعتقد أننا لا نزال أمام أسابيع من القتال”.
وتواصل إسرائيل الحرب، رغم صدور قرار من مجلس الأمن الدولي بوقف القتال فوراً، وكذلك رغم أن “محكمة العدل الدولية” طالبتها بتدابير فورية لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية، وتحسين الوضع الإنساني بغزة.

(الأناضول)

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى