الانتخابات التشريعية التونسية: محطة جديدة لتثبيت استفراد سعيّد بالحكم
عربي تريند_ تشهد تونس اليوم السبت 17 ديسمبر/ كانون الأول انتخابات تشريعية مبكرة، فرضها الرئيس التونسي، قيس سعيّد، بعد أن حل البرلمان السابق وأغلقه بدبابة يوم 25 يوليو/ تموز 2021، ثم ألغى دستور 2014 ووضع دستوراً جديداً كتبه بمفرده، كما وضع قانوناً انتخابياً جديداً كتبه أيضاً بمفرده.
وتأتي هذه الانتخابات، وهي الرابعة منذ الثورة، في ظل مقاطعة حزبية واسعة من أهم الأحزاب المشكلة للمشهد السياسي في البلاد، فقد كانت الحملة الانتخابية ضعيفة وباهتة بحسب مراقبين من المنظمات المعنية بمراقبة الشأن الانتخابي. وهذا ما يطرح سؤالاً مهماً حول نسبة المشاركة اليوم، الذي يُعتبر اختباراً حقيقياً لشعبية سعيّد الذي ما انفك يؤكد أن قراراته نابعة من إرادة شعبية، لم تتأكد في الاختبارات السابقة، سواء الاستشارة الإلكترونية (استفتاء الكتروني أجري على بعض الموضوعات المتعلقة بالشأن العام التونسي) بداية هذا العام، أو الاستفتاء على الدستور في يوليو الماضي.
وتتزامن هذه الانتخابات مع ذكرى اندلاع الثورة في سيدي بوزيد في 17 ديسمبر 2010، وتعيد هذه الذكرى نفس الأسئلة التي طرحها الشباب التونسي الثائر حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مضافاً إليها سؤال مهم آخر حول واقع حقوق الإنسان والحريات. هذه الحقوق التي تُعتبر مكسب الثورة الأهم تتراجع بشكل مخيف مع ملاحقة السلطة وملاحقتها للمعارضين وإحالتهم على القضاء العسكري.
وتأتي الانتخابات بعد نحو سنتين على بدء سعيّد مساره الانقلابي في 25 يوليو 2021، عندما قرّر تفعيل البند 80 من دستور 2014 باتخاذ تدابير استثنائية لمدة شهر قابلة للتجديد، أقال من خلالها حكومة هشام المشيشي وجمّد اختصاصات مجلس نواب الشعب، ورفع الحصانة عن نوابه، كما علق عمل المحكمة الدستورية الوقتية (هيئة مراقبة دستورية القوانين). كما تم غلق مقر البرلمان ومنع البرلمانيين من الدخول من قبل وحدات عسكرية وأمنية.
شرع سعيّد في ملاحقة عدد من البرلمانيين والسياسيين ومنع رؤساء أحزاب من السفر
واستكمل هذا الانقلاب من خلال قيام السلطات بإغلاق مقر الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بالقوة في أغسطس/ آب 2021 ووضع رئيسها السابق شوقي الطبيب قيد الإقامة الجبرية. كما علّق سعيّد العمل بدستور 2014 في سبتمبر/ أيلول 2021 من خلال إصدار مرسوم رئاسي منظم للسلطات مكنه من التفرد بجميع السلطات، وهو المرسوم 117.
ولم تقف إجراءات سعيّد عند هذا الحد، بل عيّن نجلاء بودن رئيسة للحكومة وشكّل حكومة جديدة في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، كما شرع في ملاحقة عدد من البرلمانيين والسياسيين، ومنع رجال أعمال ورؤساء أحزاب ومنظمات وقضاة وإعلاميين ومحامين من السفر.أخبار
وأطلق سعيّد منتصف يناير/ كانون الثاني 2022 الاستشارة الوطنية الإلكترونية حول الدستور والنظام السياسي والاقتصادي واستمرت حتى 20 مارس/ آذار الماضي. كما قرر حل المجلس الأعلى للقضاء عبر مرسوم رئاسي في 13 فبراير/ شباط وأقر استبداله بمجلس قضائي وقتي معين. كذلك، حل البرلمان بشكل نهائي في 30 مارس/ آذار 2022 وذلك على خلفية عقد جلسة عامة برلمانية برئاسة راشد الغنوشي أقرت إبطال العمل بالتدابير الاستثنائية التي وضعها سعيّد.
وفي سياق محاولته الهيمنة على كافة السلطات، حل ّالهيئة العليا المستقلة للانتخابات في إبريل/ نيسان 2022 وعدل قانونها ليتم تعويضهم بـ7 أعضاء معينين من قبل الرئيس. وأعلن سعيّد، في 30 يونيو/ حزيران، عن مسودة الدستور الذي صاغه بمفرده رغم تقديم لجنة الصياغة التابعة للحوار مشروع دستور جديد.
وجرى تنظيم استفتاء دستوري في 25 يوليو 2022 على مسودة الدستور ليتم اعتماده رغم مقاطعة حزبية ومدنية واسعة. كما أصدر سعيّد مرسوماً رئاسياً، في 15 سبتمبر/ أيلول عدل به القانون الانتخابي بفرض نظام الاقتراع على الأفراد بدل القوائم مع خفض عدد مقاعد البرلمان إلى 161 نائباً، فضلاً عن إدخال تعديلات أخرى عليه مثل قاعدة سحب الوكالة من النائب ما يتيح لسعيّد بحسب مراقبين وسياسيين انتاج برلمان مشتت وضعيف وشبه منزوع الصلاحيات.
مشاركون ومقاطعون في انتخابات تونس
وفي ظل هذه الأجواء، ينظر إلى انتخابات اليوم على أنها استكمال هذا المسار، وهو ما دفع رافضي “منح الانقلاب الشرعية” لمقاطعة الاستحقاق على غرار مكونات جبهة الخلاص الوطني التي تضم حزب النهضة (أكبر الأحزاب البرلمانية حسب نتائج انتخابات 2019)، وحزب قلب تونس، وحزب ائتلاف الكرامة (من بين أكبر الأحزاب البرلمانية عدداً)، وحراك مواطنون ضد الانقلاب، وحركة أمل، وحراك “تونس الإرادة واللقاء الوطني للإنقاذ”، وحراك توانسة من أجل الديمقراطية، واللقاء من أجل تونس، وحزب العمل والإنجاز، وتيار المحبة واللقاء الشبابي من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، بالإضافة إلى تنسيقية عن نواب مجلس الشعب المنحل.
يتنافس 1052 مرشحاً على 151 مقعداً موزعة على 151 دائرة انتخابية بالداخل
كما تقاطع الاستحقاق 5 أحزاب سياسية تتكون من التيار الديمقراطي وحزب التكتل والحزب الجمهوري وحزب العمال وحزب القطب. كما يعتبر الحزب الدستوري الحر أيضاً من أبرز المقاطعين للانتخابات.
في المقابل، يشارك “المساندون لمسار 25 يوليو” في الاستحقاق. وهؤلاء يتوزعون على الأحزاب القومية والعروبية، وأبرزها حزب حركة الشعب والتيار الشعبي وحزب تونس إلى الأمام، وعدد من الحركات السياسية الجديدة المساندة لسعيّد، وحزب التحالف من أجل تونس، وبعض أعضاء الأحزاب التي حكمت خلال العشرية الماضية، أبرزها حزب نداء تونس ومستقيلون من قلب تونس.
نسب المرشحين في الانتخابات التشريعية التونسية
ويتقدم لهذا البرلمان 1055 مرشحاً يتنافسون على 161 مقعداً، فيما كان عدد المقاعد 217 مقعداً في انتخابات عام 2019 التي تنافس فيها 15737 مرشحاً موزعين على 1572 قائمة حزبية وائتلافية، أي أن عدد المرشحين في الانتخابات السابقة يناهز 10 مرات عددهم في الانتخابات الحالية.
وفي هذه الانتخابات، سُجل ترشح وحيد في 3 دوائر بالخارج، بينما بقيت 7 دوائر بالخارج من دون مرشحين من إجمالي 10 مقاعد مخصصة لممثلي التونسيين بالمهجر (مقابل 18 مقعداً في البرلمان السابق).
ويتنافس 1052 مرشحاً على 151 مقعداً موزعة على 151 دائرة انتخابية بالداخل، مقسمة بين 24 محافظة، بينما كان عدد المقاعد لنواب الداخل في البرلمان السابق 199 مقعداً.
في غضون ذلك، سُجل ترشّح وحيد في 10 دوائر في الإجمال، أي أن المرشحين فائزون بمقاعدهم حتى من دون خوض الحملة الانتخابية. كما سُجل مرشحان اثنان فقط في 8 دوائر، و101 دائرة من 3 إلى 10 ترشحات، فيما هناك دائرة وحيدة بأكثر من 20 مرشحاً.
وتم إحصاء إجمالي 9 ملايين و339 ألفاً و756 ناخباً مسجلاً، بينهم 348 ألفاً و876 مسجلاً بالخارج. 50.5 بالمائة منهم من النساء و49.5 بالمائة من الرجال، أي بارتفاع ناهز 2.2 مليون ناخب مقارنة بالانتخابات السابقة، وذلك بسبب اعتماد الهيئة الانتخابية لنظام التسجيل الآلي بمجرد بلوغ السن الانتخابي. كما يبلغ عدد مراكز الاقتراع نحو 4559 مركزاً و11323 مكتب اقتراع.
ويتوزع المرشحون للانتخابات على قطاعات مهنيّة مختلفة، بينها 273 من إطارات وأعوان وزارة التعليم بنسبة 25 بالمائة، و230 من أعوان وإطارات وموظفي القطاع العام بنسبة 21.7 بالمائة، بالإضافة إلى 148 يعملون في مهن حرّة بنسبة 14 بالمائة، و142 مرشحاً من أعوان وإطارات وموظفي القطاع الخاص بنسبة 13.4 بالمائة.
بلحاج: سعيّد فشل في فرض سياسة الأمر الواقع
وسجلت الهيئة 101 من المرشحين الذين تمّ التنصيص في خانة المهنة في بطاقات الهوية الخاصة بهم على لا شيء أو عامل يومي بنسبة 9.5 بالمائة، و68 متقاعداً بنسبة 6.4 بالمائة. فضلاً عن 30 مرشحاً من إطارات وأعوان وزارة التعليم العالي بنسبة 2.8 بالمائة، و27 رئيس بلدية بنسبة 2.6 بالمائة، و26 من الطلبة والتلاميذ بنسبة 2.5 بالمائة، و6 صحافيين بنسبة 0.5 بالمائة، و5 من رجال الأعمال بنسبة 0.5 بالمائة، وعضوين سابقين بمجلس النواب المنحل بنسبة 0.2 بالمائة.
جبهة الخلاص ترفض الانتخابات التونسية
من جانبه، يؤكد القيادي في جبهة الخلاص الوطني رضا بلحاج، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن “انتخابات اليوم تُمثل الحلقة الأخيرة في خريطة طريق الانقلاب بعد 25 يوليو 2021، وإغلاق البرلمان بدبابة، ثم الاستشارة والاستفتاء”. ويلفت إلى أننا “نشهد اليوم الحلقة الأخيرة من هذا المشروع في محاولة من سعيّد لتركيز الأمر الواقع بشكل نهائي كما يظن، ولكن الحقائق تؤكد أن المسار الانقلابي فاشل في مختلف حلقاته”.
ويوضح بلحاج أن “البرلمان (الذي حله سعيّد) لا يزال متمسكاً بشرعيته والمشاركة الشعبية المحدودة في مختلف المحطات المذكورة لا تسمح بخلق أمر واقع، وهذه المحطة (الانتخابات) ستفشل بمشاركة ضعيفة ومقاطعة واسعة وستجعل الانقلاب أكثر فأكثر في مأزق، وبعده سيكون الحل النهائي بنهاية قوس الانقلاب”.
كما يشدد على أن “سعيّد فشل في فرض سياسة الأمر الواقع لأن البلد يشهد انقساماً حاداً، فأغلبية واسعة تعتقد أن البلاد في مأزق وشعبية سعيّد في انهيار”. ولفت إلى أن “سعيّد لم يخلق أمراً واقعاً، بل خلق وعياً شعبياً بأن وهم الانقلاب زاد البلاد أزمة وعمّق الأزمة الاقتصادية وخلق عزلة دولية وداخلية”.
وحول المواقف الدولية المتتابعة التي يُفهم منها أنها إشارات إيجابية لسعيّد، من الموقف الفرنسي في القمة الفرنكوفونية في تونس ثم القمة العربية الصينية في السعودية والقمة الأميركية الأفريقية في واشنطن، يؤكد بلحاج أن “المواقف الدولية لم تتغير، فلا موقف الاتحاد الأوروبي تغير ولا الولايات المتحدة الأميركية، وواضح لديهم أن البلاد في أزمة ولا يمكن تجاوزها إلا بعودة الشرعية وحوار جامع وشامل من دون إقصاء”. ويشير بلحاج إلى أنه “يبقى الموقف الفرنسي المعلن فيه مساندة (لسعيّد)، ولكن في حقيقة الأمر فإن الموقف الرسمي الفرنسي يشعر بأزمة تونس ولم يقدم دعماً فعلياً للانقلاب”.
كما يشدد بلحاج على أن “زيارة سعيّد إلى السعودية ثم إلى أميركا هي مشاركة شكلية في إطار قمم متعددة الأطراف وليست زيارة رسمية ثنائية”، مبيناً أن “سعيّد لم ينجح في إقناع الداخل ولا الخارج، ودستوره بقي حبراً على ورق، ورغم جهد هيئة الانتخابات لتحفيز الناس على المشاركة نلاحظ لا مبالاة كبرى وعدم اكتراث بهذه المحطة”. ويؤكد أن “موقف الاتحاد العام التونسي للشغل تغيّر كذلك، وأصبح يدعو لحوار وطني ولحل جامع”.
وفي ما يتعلّق بانقسام المعارضة واستغلال سعيّد لذلك، يقول بلحاج إن “المعارضة منقسمة إلى نصفين، فهناك معارضة موقفها واضح منذ اليوم الأوّل على غرار جبهة الخلاص وشخصيات وطنية كانوا قلّة واليوم أصبحوا كثرة، وهناك أحزاب ساندت الانقلاب في البداية، ثم أصبحت في شلل بسبب الموقف الذي وقعت فيه”.
ويُبيّن بلحاج أن “موقف كلا الطرفين اليوم موحد، وهما يعتبران أن ما حصل انقلاب وخروج عن الشرعية واستفراد بالحكم”. ويلفت إلى أن هذا الموقف “أمر إيجابي، ولكن التحرك لم يصل في الميدان إلى درجة التنسيق بينهما، ورغم التطور الذي تشهده علاقتهما، ولكن لم يبلغ بعد إلى ما نسعى إليه”.
مقاطعة الانتخابات التشريعية تصل للمنظمات المدنية
ولا تقتصر المقاطعة على الأحزاب، وإنما توسعت للمنظمات المدنية التي أقصاها سعيّد تماماً من أي مشاركة ممكنة في أي مرحلة من مراحل الانتخابات أو وضع القوانين. فقد أعلنت منظمة “البوصلة”، في بيان الأربعاء الماضي، أنها ستُقاطع البرلمان المقبل لأنها ترفض أن تكون شاهد زُور على مسار انفرادي ومجلس كرتوني.
ويلفت البيان إلى أن سعيّد “منذ إعلانه عن تفعيل الفصل 80 من دستور 2014 (الخاص بالإجراءات الاستثنائية)، وإعلان حالة الاستثناء ليلة 25 يوليو 2021، توجّه لتعزيز انتهاجه لمسار أحادي يستثني فيه جلّ القوى الوطنية، السياسيّة منها والمدنيّة، وانطلق في تنفيذه لبرنامجه الفردي”.
ويوضح البيان أنه “بعد تجميد مجلس نوّاب الشعب وحلّ الحكومة، أصدر سعيّد الأمر 117، الذي اعتبرته المنظّمة تنظيماً مؤقّتاً للسلطات”. ويلفت البيان إلى أن “هذا الأمر جمّع بموجبه رئيس الجمهوريّة جميع السلطات بيده. لتصبح الحكومة مُعيّنة من قبله ومسؤولة أمامه، ويُصبح هو في نفس الوقت المُشرّع من دون إمكانية الطعن في القرارات الصادرة عنه”.
ويؤكد البيان أن “كل هذا المسار اتّسم بميزتين أساسيتين، وهما عدم التشريك والانفراد بالرأي من ناحية، وشكليّة المحطات المُعلنة لكونها في المُجمل محطّات لم تتجاوز كونها آليات لفرض مشروع الرئيس الذي لم يتغيّر، لا بناءً على الحوار ولا بناءً حتى على نتائج الاستشارة التي لم تقرّ بتغيّير الدستور”. ويذكّر البيان إلى أن الاستشارة الإلكترونية “حظيت فقط باختيار 36.5 في المائة من المشاركين، أي حوالي 200 ألف شخص”.
ويشدد البيان على أن “صدور القانون المُنظّم لانتخابات أعضاء مجلس نواب الشعب مثّل ترجمة حقيقية لنوايا رئيس الجمهورية التي أعلن البعض منها في نصوص دستوره الجديد”، مضيفاً أن “هذا القانون أسّس لانتخاب مفرّغ من محتواه لمجلس نيابي يغيب فيه التناصف ويتصدّره ذوي الوجاهة القبلية والمالية”.
بن زيد: منظمة البوصلة قررت مقاطعة الانتخابات وأعمال البرلمان المقبل
ويوضح البيان أنه “اعتباراً للدور المهم الذي لعبته المنظمة في مُراقبتها لأعمال السلطة التشريعيّة مُنذ مرحلة التأسيس لدستور 2014 وعملها في المجلسين التشريعيين السابقين تعلن مُقاطعتها لمؤسسة مجلس نواب الشعب المقبل، والنأي بنفسها عن إكساء المشروعيّة على هيكل صُوري وُضع فقط لمُعاضدة توجهات الرئيس وإكساء جلّ ركائز بنائه السياسي الجديد”.
ويؤكد عضو منظمة “البوصلة” هيثم بن زيد، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن “المنظمة قررت مقاطعة الانتخابات وأعمال البرلمان المقبل، وهي التي تكونت عندما تأسس المجلس التأسيسي السابق حتى لا يكون غرفة مظلمة أمام المواطنين ولكي يكونوا على إطلاع بأعماله ويمكنهم محاسبة المسؤولين”. ويلفت إلى أن “السياق الحالي، منذ العام الماضي ومنذ إعلان رئيس الجمهورية عن خريطة طريق، لا يسمح اليوم بذلك”. كما يُشير إلى أنه “منذ إعلان سعيّد عن مختلف محطاته لاحظنا أنه لا يستشير أياً كان، بل يختار مساراً أحادياً لا يشرك فيه أي طرف، لا خبراء ولا مختصون ولا إعلام، ما أفرز أن جل القوانين والمراسيم لا تخلو من إشكالات، وهو ما يؤسس لتوجهات غير ديمقراطية ولمسار تسلطي”.
ويوضح بن زيد أن “الدستور الجديد والسياق ككل من استشارة وطنية وغيرها لا تمثل التونسيين، لأن 36 بالمائة فقط من المشاركين في الاستشارة، أي نحو 200 ألف شخص طالبوا بدستور جديد، يعني أن جل من شاركوا في هذه المحطة لم تأخذ مشاركتهم بعين الاعتبار”. كما يلفت إلى أنه “في كتابة الدستور تم اختيار لجنة خبراء، ولكن رأيهم وضع جانباً، وكتب الرئيس الدستور لوحده، وتضمنت النسخة الأولى عدة أخطاء، وهو ما أسس لنظام رئاسي، أي أن رئيس جمهورية له كافة الصلاحيات من دون أن يكون هناك بالمقابل أي آلية لمحاسبته”.
ويشدد بن زيد على أنهم “انتظروا بعد ذلك القانون الانتخابي على أمل أن يكون توافقياً وتشارك فيه كل الهيئات والمجتمع المدني، ولكن تم وضع قانون انتخابي قبل شهرين من الانتخابات، وهذا غير مقبول ويتعارض مع كل المبادئ الدولية المعروفة”. ويوضح “أن هذا القانون يمنع النساء تقريباً من الترشح، ويمنع كذلك من ليس لديهم دعم قبلي أو جهوي (مناطقي) بسبب شرط حصول الراغبين في الترشح على 400 تزكية من الناخبين المسجّلين في تلك الدائرة”. ويُشير بن زيد إلى أن “هذا الرقم اعتباطي، لا أساس علمياً أو منطقياً له، وكذلك تقسيم الدوائر الانتخابية لم يتم بطريقة علمية، وبالتالي كل هذه الشوائب تدفعنا للقول إن المجلس المقبل لن يكون قادراً على التشريع ولم تتوفر له الظروف الملائمة للقيام بمهمته الأساسية”.
ويُفيد بن زيد أن “القانون الانتخابي أعرج على مستوى تركيبته وهناك دوائر من دون مرشحين، وحتى لو أعدنا الانتخابات الجزئية بها فلن يترشح أي شخص”. كما يؤكد أن “التونسيين بالخارج تقريباً غير موجودين بالانتخابات، أي نحو 12 بالمائة من التونسيين تم اقصاؤهم، وهذه الأسباب تجعلنا غير قادرين على متابعة أعمال هذا المجلس لأنه غير قادر على التشريع، وسيكون بمثابة غرفة تصلها المبادرات من رئاسة الجمهورية”.
ويلفت بن زيد إلى أن “دور المعارضة غير موجود واللجان التحقيقية ستكون غائبة والمشرع هو فقط رئيس الجمهورية، ولذلك عملنا داخل المجلس لا معنى له، واخترنا متابعة القوانين خارج البرلمان وخاصة تلك التي ستناقش الحقوق الفردية والاجتماعية والاقتصادية ودق ناقوس الخطر كلما استوجب ذلك”.