بلومبيرغ: ذوبان الجليد في العلاقات التركية- المصرية تدفعه الضرورات الجيوسياسية وليس الاقتصادية
عربي تريند_ نشر موقع “بلومبيرغ” مقال رأي لبوبي غوش، تساءل فيه عن سبب مصافحة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الرئيسَ المصري عبد الفتاح السيسي.
وقال الكاتب إن أردوغان تعوّد في السنوات الماضية على ابتلاع كبريائه والتعامل مع الدول التي نظر إليها بنوع من العداء والدونية مثل السعودية والإمارات التي يحتاج إليها في حزمة مساعدات لإنقاذ اقتصاد بلاده، لكن عناقه ومصافحته للرئيس المصري تعكس الواقع الجيوسياسي في المنطقة أكثر من كونها حاجة اقتصادية.
فعلى خلاف دول النفط، لا يمكن لمصر أن تقدم له استثمارات جوهرية أو قروضا لتركيا. فالقاهرة نفسُها بحاجة إلى مساعدات اقتصادية من دول الخليج، على الأقل لتغطية 16 مليار دولار من التمويل الخارجي. وربما ساعد السيسي القريب من السعودية والإمارات- في الحفاظ على علاقات أردوغان مع هاتي الدولتين. وأيضا ربما يساهم الجنرال في لعب دور الوسيط مع الولايات المتحدة التي تصادم أردوغان معها أكثر من مرة.
ولعل الخدمة الفورية التي يمكن للسيسي تقديمها، هي التوسط بين تركيا واليونان. فقد تدهورت العلاقات بين أنقرة وأثينا بشكل بات فيه أردوغان يهدد بمواجهة عسكرية. ويظل خطابه الداعي للحرب استعراضيا لإثارة مشاعر قاعدته العسكرية قبل الانتخابات العامة في الصيف المقبل. ولكنه بحاجة إلى طرف ثالث حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة. وبعدما أغضب الحلفاء في الناتو بسبب موقفه من انضمام كل من السويد وفنلندا إلى التحالف العسكري، فربما استخدم أردوغان علاقة السيسي مع اليونان لمنع الخطاب الحماسي وتحوله إلى فعل. وكما قال الزعيم التركي: “توقعاتنا ببناء سلام ضد من يعادوننا في شرق المتوسط”.
وبالنسبة للسيسي، ففرصة للتوسط بين تركيا واليونان، ستؤكد أهمية بلاده في شرق المتوسط وموقعه كزعيم إقليمي. وما يحصل عليه من نقاط، ستكون أوراق مقايضة في خلافات بين مصر وتركيا، خاصة في ليبيا.
ويقول الكاتب إن الرجلين تصافحا في مواجهة مدبّرة الشهر الماضي أثناء افتتاح مونديال قطر، وظهر أميرها راضيا. ومنذ ذلك الوقت، أشار أردوغان إلى إمكانية عقد لقاء رسمي مع السيسي بعد “المشاورات على مستوى الوزراء”، ولم يتم تحديد أي موعد بعد، إلا أن الزعيم الذي يريد انتصارا في السياسة الخارجية، يتطلع إلى قمة كبيرة في الربيع المقبل، قبل انتخابات حزيران/ يونيو 2023.
وجاءت المصافحة والابتسامات كتتويج لذوبان الجليد الذي بدأ هذا العام، عندما قال المتحدث باسم أردوغان لـ”بلومبيرغ” إن أنقرة ترغب بعودة علاقاتها مع الدول العربية بعد سنوات من الحذر المتبادل، وتحديدا بشأن دعم تركيا للإخوان المسلمين. وسمح أردوغان لبعض قادة الأخوان بالعمل من تركيا. وتوترت العلاقات بين القاهرة وأنقرة بعدما قام السيسي بانقلاب ضد حكومة الإخوان المسلمين عام 2013، وطردت حكومة السيسي السفيرَ التركي، وردت أنقرة بأن السفير المصري شخصية غير مرغوب بها.
واعتبر الزعيم التركي السيسي زعيما غير شرعي، وأقسم أنه لن يتحدث معه أبدا. وزادت الأمور سوءا بعد تدخل تركيا في الحرب الأهلية الليبية، حيث تعتبر مصر أن ليبيا منطقة نفوذ لها. وردا على ذلك، ساعد السيسي بإنشاء منتدى غاز شرق المتوسط، وهو تحالف لدعم التعاون في استخراج الغاز الطبيعي من المياه التي تعتبرها أنقرة مهمة لها. ولم توجه الدعوة لتركيا كي تنضم إلى المجموعة. وخلال كل التوتر، تجنب الزعيمان، تأثير عدواتهما على التجارة بين البلدين. وكانت تركيا سادس شريك تجاري لمصر عام 2021، وتطورت تجارة باتجاهين وصلت إلى 5.3 مليار دولار بزيادة عن 4.7 مليار دولار قبل عام.
وهي علاقة مشابهة لتعامل تركيا مع إسرائيل، فقد ظلت العلاقات التجارية قوية خلال فترة الجمود الدبلوماسي التي انتهت في الصيف.
ويرى الكاتب أن ذوبان الجليد في العلاقات التركية- المصرية، لن يؤدي على الأرجح لمنافع اقتصادية للطرفين، وسيظل البلدان في مواجهة بشأن قضايا رئيسية. ورغم الهدنة الهشة بين الأطراف المتحاربة في ليبيا، هناك الكثير من احتمالات التوتر بين أنقرة والقاهرة. ولا يزال أردوغان مصمما على استخراج الغاز من المياه الليبية وسيكون كمن فقأ عين السيسي. وسيظلان على الجانب الآخر من النزاع بشأن حقوق التنقيب في المياه القريبة من قبرص.
ثم هناك موضوع الإخوان المسلمين. ورغم طلب السلطات التركية من المؤسسات الإعلامية التابعة للجماعة بتخفيف نبرتها أو التوقف عن انتقاد النظام المصري، إلا أن أردوغان لم يرفضهم، لأن هذا سيكون مرفوضا من إسلاميي تركيا. وفي الوقت الحالي، يريد الزعيم التركي مصافحات أخرى مع الزعيم المصري.