نصب تذكاري لتخليد شهدائها.. عيلوط قرية فلسطينية بقيت في الجليل رغم ثلاث مذابح بحق أهلها
عربي تريند_ بعد 74 عاماً على النكبة، أحيت قرية فلسطينية في الجليل ذكرى شهدائها ممن قتلتهم الصهيونية في ثلاث مجازر متتالية لم تنجح بقتل بلدتهم، بفضل مساعدة رهبان دير مجاور وتصميم قسم من أهلها على البقاء.
واحتفى أهالي قرية عيلوط، في قضاء الناصرة داخل أراضي 48، بإزاحة الستار عن النصب التذكاري الشاهد على شهداء البلدة الذين استشهدوا خلال نكبة 1948، وهم 39 رجلاً وسيدة واحدة، يضاف لهم خمسة شهداء في الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936.
وشارك في الاحتفالية الشعبية الكبيرة، برعاية المجلس البلدي المحلي، المئات من أهالي عيلوط، وعشرات المدعوين من القيادات السياسية والأهلية من فلسطينيي الداخل. وبعد إزاحة الستار عن النصب التذكاري، المصنوع من الرخام، والمنقوشة عليه أسماء شهداء البلدة، قال رئيس المجلس المحلي إبراهيم أبو راس إن المجلس المحلي خططّ وشرع في بناء هذا النصب التذكاري منذ سنوات، لكن عدة حسابات حالت دون إخراجه لحيّز التنفيذ.
واستذكر أبو راس التجربة الموجعة التي تعرضت لها قريته، ونتج عنها قتل ثلث رجالها، وتهجير ثلثهم الثاني، وبقاء ثلثهم الثالث بعدما أوقع فيها الجيش الإسرائيلي ثلاث مذابح، ما أدى لتهجير الأغلبية الساحقة من أهاليها، ومغادرتهم إلى الناصرة المجاورة، أو إلى خارج البلاد، إلى سوريا ولبنان والأردن. واستذكر الدور الكبير لدير السيلزيان (دير أبو اليتامى) في استقبال المئات من أهالي عيلوط، ومنحهم ملجأ لأكثر من سنة ونصف السنة. وأشاد على وجه الخصوص براهب تشيكي الأصل يدعى الخوري يوسف، الذي تفانى في الدفاع عن أهالي عيلوط المقتلعين من ديارهم، وتأمين احتياجاتهم الأساسية، والسعي معهم للعودة لبيوتهم، بل مرافقتهم مشياً على الأقدام في يوم العودة عام 1951.
وأضاف أبو راس أن “عيلوط، في ذلك الحين، كانت تمتد على مساحات شاسعة، وقد امتلك أهالي القرية مساحات من الأراضي تمتد إلى 25 ألف دونم، وفي سنة 1954 صادر الاحتلال أراضي القرية، ولم يتبق منها سوى 3500 دونم، هي مساحة القرية اليوم. وقد أقيمت على أراضي القرية المستوطنات المجاورة جفعات إيلا، شمشيت وسوليليم، وغيرها.
بركة وصلاح يدعوان لتعزيز الوحدة
في كلمته، قال رئيس لجنة المتابعة العليا محمد بركة إن “هذا المشهد جدير بالاعتزاز، فبعد 74 عاماً تعيد الأجيال إلى الذاكرة أحداثاً لم تكن تعرفها عن النكبة، طوبى لعيلوط، والتقدير والمحبة على هذا التكريم للشهداء”. ووجّه نداءً للفلسطينيين في الشتات: “نحن في انتظار عودتكم معززين مكرّمين. وتابع: “جدير بنا الترحّم على الخوري يوسف، الذي أعاد سكان القرية إلى وطنهم”. وتابع بقوله إن “الشهداء لهم مكانتهم عند بارئهم، لكن من يحتاج إلى التكريم هو نحن الأحياء لأجل أن نصل الجذور بالجذور والفروع بالفروع، فدم الشهداء يجمعنا، وأنا من هنا أدعو أهالي عيلوط إلى تثبيت السلم الأهلي، فالشهداء هم من أبناء كل العائلات”.
كذلك دعا بركة الفلسطينيين إلى تجاوز الانقسامات، ودعا الجماهير في الداخل إلى تجاوز المنغصات التي تنغص سير الحياة من عنف وجرائم من أجل الوحدة، مشيراً إلى أن الأيام المقبلة ستكون أخطر.
وطالب القيادات العربية بوضع برنامج نضالي، كفاحي، من أجل تبديد الأخطار المحيطة بالعرب من كل جانب، وفي كل المناطق، من الجليل إلى النقب.
وتبعه الشيخ رائد صلاح، رئيس الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيلياً، فدعا هو الآخر فلسطينيي الداخل للحوار والوحدة، مسلمين ومسيحيين ودروزاً، من أجل مواجهة التهديد الخطير المستبطن في حكومة اليمين المتشدد التي ستنطلق خلال أيام. وعن عيلوط أضاف الشيخ رائد صلاح متسائلاً: “الشهادة هي نعمة، عندما نتحدث عن شهداء عيلوط، فإنهم كانوا لنا أوفياء، ورسالتهم واضحة، لكن السؤال هو كيف نكون نحن أوفياء لهم؟.. نحن الآن في مرحلة خطر مصيري مصدره الأول من الداخل، وهو نفوسنا وأنانيتنا، قبل الخطر الخارجي. نحن مطالبون بأن نكون على قدر الموقف”.
كما قدّم عدد من المتحدثين كلمات مقتضبة، منهم المربي صالح عبود، عن أهالي الشهداء، والنائبة إيمان ياسين– خطيب، والنائب السابق يوسف جبارين، والأب سيمون خوري، ورئيس اللجنة القطرية مضر يونس، الذي اقتصرت كلمته على مباركة المشروع، وأبدعت الطفلة شمس أبو راس، ابنة الصف الثاني في قراءات شعرية، وكانت فقرة للحكواتي محمد الحاج أحمد، روى فيها أحداث قرية عيلوط في نكبة فلسطين.
نجاة عيلوط
وعيلوط في قضاء الناصرة، كما في حالة عيلبون وكفر قرع، هي من القرى الفلسطينية النادرة التي عاد أهلها لها بعد شهور من التهجير، وبعد قتل عشرات من شبابها في مجزرتين، وبعد نهب كل ممتلكاتها من قبل الجنود الإسرائيليين.
احتلت عيلوط في 16 يوليو/ تموز 1948، ورغم الاحتلال وارتكاب مذبحة لم يبرح أهالي عيلوط قريتهم في ذاك اليوم، وبلغ تعداد شهدائها في النكبة الفلسطينية 40 شخصاً، معظمهم من الرجال، 35 منهم قتلوا بالإعدام خلال المجزرتين، فيما استشهد الخمسة الآخرون في معارك فلسطين.
وحسب دراسة مستفيضة حول القرية للباحث محمد أمين بشير بعنوان “عيلوط عبر التاريخ”، احتلت قوات من لواء “غولاني” عيلوط في صباح السادس عشر من تموز/ يوليو 1948، بعدما دخلتها من محورين، وبعد ذلك جمعوا الرجال داخل حوش دار محمد اليونس، قرب الجامع في مركز القرية، فيما تم تجميع النساء في حوش دار عبد الكريم الواكد، بعدها اقتربت عربة مصفحة كان في داخلها شخص مقنّع عُرف بـ “رجل الكيس”، وحسب تعليمات هذا الرجل العميل تم تقسيم الرجال لفريقين؛ الأول نقل في مركبات عسكرية لمعسكرات اعتقال، والفريق الثاني اقتيد مترّجلاً أمام المجنزرات.
وهناك وثائق تاريخية وشهادات شفوية حول ذاك اليوم الأسود، عندما هبّت النساء في عيلوط يوم احتلالها (16.07.1948) لحماية الشباب من القتل فور اقتيادهم، وهن يصرخن ويبكين ويتوسلن للقائد كي يخلي سبيلهم، فردّ عليهن بالقول: “ليس هناك شيء، بل إن بعض الصخور تعيق طريق العربات العسكرية ويجب إزالتها”، ثم قال مهددّا: “يجب على السكان ترك القرية والرحيل إلى كفر مندا، ومن يخالف الأمر تطلق عليه النار”.
ولاحقاً قتل الجنود في ذات اليوم 16 شاباً داخل كرم زيتون يبعد عن بيوت القرية نحو 200 متر، ونجا من المجزرة بعد إصابتهما محمد مصطفى المامور وخضر علي يوسف أبو راس. وفي نفس اليوم ارتكب المحتلون مجزرة أخرى حيث استأنفت الوحدة العسكرية الإسرائيلية طريقها إلى أن وصلت العين البيضا، فاشتبهت بحركة وحاصرت المكان المدعو “جبل العين”، وأثناء التفتيش عثروا على تسعة رجال تم حصدهم، وهذا وفق محمد أمين بشير.
من جهته يوضح ابن البلدة الكاتب خالد سليمان أبو راس في دراسته “عيلوط تاريخ وتراث” أنه في نطاق تلك الجرائم قتلت أيضاً زوجة الشهيد طه خليل أبو عياش السيدة ذيبة الحمد، في منطقة البياضة وهي هاربة من عيلوط نحو الناصرة، إذ وجدت مقتولة وهي تحتضن ابنتها الصغيرة حيث وجدوها ترضع ثدي أمها المقتولة، كما أصيبت فرسها أيضاً.
وفي الطوق الثاني، يوم 21.07.1948، أعدمت القوات الإسرائيلية، خلال تهجير عيلوط، 16 رجلاً منها في أطراف كرم زيتون، غربي عيلوط وكان الجيش قد أمر الأهالي صراحة بالرحيل نحو الشرق والشمال في ذاك اليوم، ولم يبق في القرية سوى عشرات المسنين العجزة.
وفي الطوق الثالث الذي تعرضّت له عيلوط والمنطقة المحيطة بها، بعد ثلاثة شهور، قتلت القوات الإسرائيلية ثلاثة من شباب عيلوط في أراضي صفورية المجاورة، مثلما قتلت رجلاً آخر في مكان آخر.
بعدما أتمّت القوات الإسرائيلية عملياتها على حدود القرية شاركت النساء في الخروج إلى أمكنة المجازر، وجمع الجثث داخل أكياس، ونقلها على البهائم إلى ساحة الجامع في القرية، ثم دفنت في المقبرة. وبعد أسبوعين عاد الجيش ونهب القرية؛ ممتلكات المدرسة، صناديق النحل، والمواشي، فيما هرب السكان إلى الأديرة وغيرها في الناصرة، وبقي ثمانية مسنين فقط.
مع قدوم فصل الشتاء أدخل الجيش الإسرائيلي للقرية عشائر البدو التي سكنت الخيام في محيط عيلوط، وهم من عرب الهيب، الجواميس، الغريفات، العيادات، المزاريب، وعيّن الجيش محمد الهيب (فلاح) مختاراً عليهم، ثم استوعبت بيوت عيلوط مهّجرين من صفورية ممن بقوا وحازوا على بطاقات هوية.
وروى لـ”القدس العربي” ما حصل لاحقاً من جرائم أخرى، وبالتفصيل، شاهدُ العيان والسماع الشيخ خالد الصالح أبو الوليد: “في صبيحة يوم 21/7/1948 أفاق الناس على رجل ينادي بأعلى صوته بأنه على جميع السكان ترك منازلهم والتجمع في ساحة القرية، وكانت شوارعها تعجّ بسيارات الجيش فتبث الرعب في النفوس. بدأ الرجال بالنزول إلى ساحة القرية، وقد قام الجيش بتقسيمهم إلى قسمين؛ الأول قرب الجامع، والقسم الثاني على بيادر القرية. وحشروا النساء والأولاد داخل ساحة بيت في وسط القرية. كان الفزع سيد المشهد حيث اختلط عويل النساء ببكاء وصراخ الأطفال. وكان من وقت لآخر يدخل أحد الجنود على النساء ويطلب منهن خلع أساورهن عن أيديهن والحلق عن آذانهن، فقامت النسوة بالصياح، وعندها دخل أحد الضباط وأخرج الجنود، وقد غنموا بعض الخواتم والأساور والحلي من بعض النساء. تسّللتُ عبر أحد الأزقة لأتفقد والدي، الذي رفض النزول وفضل البقاء داخل البيت قائلاً: “إذا أرادوا قتلي فليقتلوني هنا”.. وفي الطريق اقتربت من المجموعة الواقفة على ساحة البيادر، وإذا الرصاص يحصد رجلين (صالح سعيد أبو راس وطه أبو عياش) فسقطا جريحين على الأرض، وهما بدون ملابس تقريباً. رغم مرور عقود لم يبرح ذاك المنظر الرهيب ذاكرتي حتى اليوم. بعدها ساقوا المجموعة إلى ساحة الجامع، وأجبروا الرجال على الاصطفاف في ساحة واحدة. وقف كافة الرجال صفاً واحداً أمام الجنود، وكان أحد هؤلاء الجنود يمسك بيده ورقة، وفيها لائحة المطلوبين، حيث أخذ ينادي كل واحد باسمه، ويلزمه بالصعود لعربة عسكرية، أما من كان غائباً في تلك اللحظة فقد استبدل بشخص آخر. في أعقاب ذلك أمروا من تبقى من الرجال بترك القرية خلال ساعة، سوية مع النساء والاطفال”. فور مغادرتنا القرية، وقبل أن تغيب عن أنظارنا نسفت ثلاثة بيوت، وشعرنا بأن السماء تكاد أن تطبق علينا من قوة الانفجار”.
الكارثة الأولى
ويمضي أبو وليد في سرد مأساة عيلوط بدقة لافتة: “في مكان يبعد نصف كيلومتر عن ساحة الجامع غرباً توقفت عربات الأسرى، واختار الجنود أربعة وعشرين رجلاً أنزلوهم من السيارات وأمروهم بالجلوس على الأرض. وفي أقل من دقيقة وبإشارة من أحد الضباط كان رشاش يحصدهم فسقطوا قتلى. وشاء القدر أن يقوم اثنان من بينهم لم تكن إصابتهما قاتلة، وهما خضر علي أبو راس ومحمد مصطفى المامور، اللذان تظاهرا بالموت، ثم قاما ووليا هاربين، أما بقية الرجال ممن اقتادهم الجيش في ذاك اليوم فقد أخذوا أسرى. ولم ينج بعض “الأسرى” من القتل، فقد داست إحدى سيارات الجيش عمداً المرحوم مفلح حسن محمود وصرعته. انتشر الخبر بين الأهالي بسرعة البرق، وارتفع العويل والنحيب في كل بيت وشارع، فلم يسلم أي بيت من الكارثة. بعد ان ابتعد الجنود قامت النسوة بجمع جثث القتلى، ووضعها في الجامع، وفي اليوم التالي جرى دفنها.
الكارثة الثانية
لم تنته مأساة عيلوط عند ذاك الحد، حيث فجع أهلها ثانية، وعن ذاك حدثنا الحاج صبري علي أبو راس، مقدماً هو الآخر تفاصيل الجريمة كما شاهدها وسمعها: “بعد أسبوعين من الكارثة الأولى، عثر أحد الرعاة، داخل حرش بين صفورية وعيلوط، على 13 جثة هامدة وهياكل عظمية بشرية. فهرع الأهالي وتعرفوا على موتاهم الذين أسروا يوم 16/7/1948، فحمل كل واحد أخاه أو ابنه ليدفنه، ويا له من منظر رهيب، فقد شاهدت كل هذا بنفسي خاصة مشهد حسن عبود وهو يحمل نجليه اليافعين في عباءته وهما هيكلان عظميان. هكذا قتلوهم بدم بارد وتركوهم طعاما للطيور والوحوش. حتى النساء لم يسلمن من شرهم، فقد أطلق أحد الجنود الرصاص على السيدة ذيبة محمد الحمد، التي كانت في طريقها من عيلوط إلى الناصرة فأرداها قتيلة. وبهذا تكون قد لحقت بزوجها طه خليل أبو عياش، الذي قتل في ساحة القرية يوم 21.07.1948.
وحسب دراسة المؤرخ دكتور شكري عراف، فقد استقر المئات من أهالي عيلوط، كثيرون منهم أطفال، كما يستدل من صور توثيقية، في دير أبو اليتامى ( دير السلزيان) في الناصرة، حيث استقبلهم رئيس الدير أوجين لوكوك والخوري يوسف، وهو راهب من أصل تشيكي تولى تدبير أمورهم وتأمين حاجاتهم من طعام وشراب ولباس وتعليم للأبناء مدعوماً بتبرعات أهلية كانت تصل من جماعة “الكويكرز” و”جمعية فلسطين” في بروكسل، وغيرها، وذلك طيلة 17 شهراً وشاء القدر أن يلقى هذا الراهب الطيب مصرعه عندما اصطدم بدراجته النارية بشاحنة وهو عائد من حيفا للناصرة في 09.10.1952 وهو في التاسعة والثلاثين من عمره.
دير أبو اليتامى في الناصرة
وفي 17.02.1949 افتتحت داخل الدير مدرسة للاجئي عيلوط، ممن استقروا في خانات وبيوت الناصرة أيضاً، فتعلمت البنات في الصباح، وكانت المسؤولة عنهن الآنسة فهيمة نجيب نصار، أما بعد الظهر فتعلم الأبناء، وكان المسؤول عنهم الأستاذ سليمان، وفي المساء تعّلم الأبناء والبنات معاً، وكان الأستاذ سليم سلامة، من طرعان، والآنسة فهيمة، مسؤولين عنهم.
وفي 28.02.1949 افتتحت دورة خياطة في الدير برعاية الراهبات، وبلغ تعداد أهالي عيلوط في الدير، في 04.01.1950، نحو 429 شخصاً، وقد عاد بعضهم من سوريا للدير، الذي شهد زفاف عروس من عيلوط. وفي بيوت عيلوط ذاتها استوطن مئات من لاجئي صفورية ومن بدو المزاريب، الهيب، الجواميس، الغريفات، السعايدة، العيادات، والغزالين، وذلك بتعليمات من الجيش الإسرائيلي، وخرج هؤلاء منها في 1952، وربما بفضل هذه” الضارة النافعة” نجت البيوت من الهدم.
وعندما ضاق الدير باللاجئين من عيلوط، ومن قرى أخرى، قرر الأب يوسف، يرافقه أربعة من مسنّي عيلوط، التوجه إلى الحاكم العسكري في الناصرة أليشع سولتس، وهناك دعوه لزيارة الدير للاطلاع على حالته المأزومة، وفعلاً اقتنع الحاكم العسكري بضرورة إرجاع السكان إلى القرية وإخراج البدو من بيوتها، وعادوا في 04.01.1950، ولم يسلموا من اعتداءات وجرائم قتل جديدة ارتكبها جنود إسرائيليون، فيما استمر الكاهن يوسف بزيارتهم ودعمهم وفتح مدرسة لأطفالهم.
ويشير الأستاذ يوسف غريب، الذي أعدّ دراسة حول إقامة أهالي عيلوط في الدير، تستند بالأساس على أرشيف الدير، تضمنها كتاب “عيلوط الصمود والاستمرار”، إلى مساعدة بعض الوجهاء وتوسطهم لدى الحاكم العسكري كي يقبل بعودتهم لقريتهم، منهم الدكتور سامي جرايسي، مدير دائرة الشؤون الاجتماعية في الناصرة، وعمل مسؤولاً في منظمات إنسانية دولية، والنائب في الكنيست سيف الدين الزعبي، بالاشتراك مع لجنة تمثل سكان القرية، من بينهم الشيخ طه خطيب. ويوضح أنه عندما تلكأ الحاكم العسكري في تنفيذ وعده بمنح أهالي عيلوط تصاريح بالعودة في 19.12.1949 عندها توجهت اللجنة المسؤولة عن العودة للسفير الفرنسي لدى إسرائيل من أجل حل هذه المشكلة الإنسانية، وبالفعل تم تحضير التصاريح في 03.01.1950، وفي اليوم التالي تمت العودة.
وطبقا لأرشيفات الدير، كانت له مساهمة في منع طرد مختار عيلوط الراحل حسن محمد أبو راس، بعدما عاد من لبنان، حيث كان هارباً مع عائلته خوفاً من الملاحقة، فقام الخوري يوسف بتغيير ملامح وملابس المختار حسن أبو راس، حيث أعطاه أحد الخوارنة في الدير ملابس جديدة وكان ينكر وجوده في الدير عندما كانت السلطات الإسرائيلية تصل إلى أبواب المكان المقدس بحثاً عنه، وذلك حسب معلومات كانت تصل لها. وقد استطاع الخوري يوسف أن يخفي هذا المختار في الدير عدة شهور، حتى تمكن من مساعدته بعد الوساطة التي قام بها المرحوم سيف الدين زعبي وبعض أصدقاء المختار من الجيران اليهود، الذين كانوا يعرفونه من أيام الانتداب البريطاني، وبذلك حصل على الهوية الإسرائيلية مع الموافقة على رجوعه لقريته ومزاولة عمله السابق كمختار لقرية عيلوط.
وبعدما بقي أهالي عيلوط يسكنون في الناصرة طيلة 17 شهراً عادوا إلى قريتهم ليبنوها من جديد، وهي اليوم تعد نحو 14 ألف نسمة، أما المشّردون منهم فتسكن أغلبيتهم الساحقة في سوريا والأردن.
وفي عيلوط حدثت نزاعات بين العائدين وبين البدو وبعض مهجّري صفورية ممن وطّنتهم السلطات الإسرائيلية في منازلهم طمعاً بالسيطرة على مراعيهم وأراضيهم، وقد استمر النزاع بين المجموعتين عدة شهور، حتى عادت المنازل كافتها لأصحابها، وظّلوا يتلقون المساعدات الأهلية الأوروبية ووكالة الغوث حتى 1952.