صاندي تايمز: مباريات كأس العالم ما بين منافع السياسة وانتقادات الصحافة.. قطر نظمت المناسبة لأنها قادرة
عربي تريند_ نشرت صحيفة “صاندي تايمز” تقريرا لجوش غلانسي، استعرض فيه المنافع الدبلوماسية التي تجنيها دولة قطر من تنظيم مباريات كأس العالم 2022.
وبعيدا عن الاستعارات والتلميحات التي لا تخلو منها أي تغطية غربية للحدث العالمي، ركز الكاتب على تدفق الوفود الدبلوماسية والرؤوساء، الملوك والأمراء، بل وإيفانكا ترامب وزوجها وأولادها الذين حضروا مباراة البرازيل أمام صربيا، ومباراة الولايات المتحدة أمام إنكلترا. وقال الكاتب إنه وبعيدا عن عالم المشجعين ومساكنهم، كانت هناك لقاءات سياسية لا علاقة لها بكأس العالم وجرت في المطاعم الراقية والمؤتمرات الصحافية، حيث التقى السياسيون الأمريكيون والقطريون في مطعم “لامار” الراقي على البحر، ونظروا إلى سماء الدوحة المتلألئة وتبادلوا الكلمات الودية.
وضم الوفد الأمريكي الذي طار إلى قطر أعضاء في الكونغرس في رحلة استكشافية، وتزامنت مع لقاء الولايات المتحدة أمام ويلز، لكن الرياضة لم تكن مهمة للوفد. فهناك مباراتا كأس العالم تجريان في وقت واحد بالدوحة هذا الشهر: مباريات المشجعين، ومباريات القوة السياسية والاستقبالات الفاخرة. وهناك الجائزة الحقيقية لقطر من تنظيم هذه المباريات، وهي تأكيد دورها بالدبلوماسية الدولية وتحولها لمركز جذب للثروة العالمية ونقطة التقاء لمصالح الشرق الأوسط.
وعادة ما يسمع في بريطانيا أن مباريات كأس العالم “ارتدّت سلبا” وسط سيل من الانتقادات للدولة المنظمة. وبالتأكيد فالكرة لا يمارسها كثيرا السكان المحليون الذين يغادرون الملعب عندما يكون الفريق الوطني متأخرا في المباراة. وربما تساءل البعض أن تنظيم المباريات كان مضيعة للمال والوقت؟ أو أن 200 مليار دولار كانت استعراضا سياسيا؟ ربما، لكن كأس العالم جلب الكثير من المنافع المهمة للبلد. فقد جاء إلى قطر الزوار المهمون، فوزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي حضر افتتاح المباريات، والتقى أمير قطر مع ملك إسبانيا، فيليب السادس. وفي مباراة البرازيل أمام صربيا، كان هناك صهر الرئيس الأمريكي السابق جاريد كوشنر وزوجته إيفانكا ترامب وأولادهما، وتابعا المباراة إلى جانب رئيس الوزراء القطري، وشاهدا أيضا مباراة الولايات المتحدة أمام إنكلترا. ومن بين السياسيين المهمين، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهو حدث لم يكن ممكنا قبل عام، حيث جلس مع أمير قطر في الحفل الافتتاحي يوم الأحد مع رئيس الفيفا جيانو إنفانتينو.
وعلى خلاف دول في الخليج، لم توقّع قطر اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل، إلا أنها سمحت للمشجعين الإسرائيليين والفلسطينيين بالحضور ومتابعة المونديال. وحضر الصحافيون الإسرائيليون إلى قطر.
وبنفس الطريقة التي ظهر فيها محمد بن سلمان، زار أنطوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، قطر مع زملائه أعضاء الكونغرس. واستمتع بلينكن وهو مشجع كرة قدم عريق بمباراة بلاده أمام ويلز. والأهم من هذا عقد مؤتمرا صحافيا مع وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني. وردد بلينكن الكلام المعهود حول حقوق المثلييين ومعاملة العمالة الوافدة. ومدح القطريين بالقول: “نلتقي في ذروة العلاقات الدبلوماسية المستمرة منذ خمسة عقود بين بلدينا”. والرسالة كانت هي “شكرا لكم” أيها القطريون، خاصة أن قطر أصبحت في العام الماضي أهم حليف لأمريكا في الشرق الأوسط.
وتبدو العلاقة الأمريكية مع الحليفين التقليديين، السعودية وإسرائيل متجمدة. في المقابل، عبّرت قطر عن موقف مؤيد للغرب في الحرب الأوكرانية- الروسية، وسدّت جزءا من الفجوة التي تركتها حرب فلاديمير بوتين على أوكرانيا، من خلال الغاز الطبيعي المسال المطلوب في كل مكان.
وكانت الجوائز على هذه المواقف كبيرة من ناحية زيادة الموارد من النفط والغاز اللذين زاد نموهما 60% في النصف الأول من 2022، ودفع بوتين وبشكل غير مباشر، جزءا من تكلفة كأس العالم. ولعبت قطر من خلال علاقاتها مع طالبان دورا مركزيا، وساعدت إدارة بايدن على تنظيف الفوضى التي أحدثها قرارالانسحاب المتعجل، وفتحت معبرا آمنا للأمريكيين، وحمت الولايات المتحدة من الإهانة.
وفي قلب العلاقة القوية، هناك قاعدة العيديد التي تعتبر أكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط، ويعمل بها أكثر من 10.000 جندي أمريكي. وعليه، فمهما كانت هناك مخاوف أخلاقية، ستبتلعها الولايات المتحدة، كما فعلت لعقود مع السعودية.
وقال الكاتب، إن الصحافة البريطانية قادت حملة ضد قطر، وركزت على سجل حقوق الإنسان، لكنّ عين الحكومة البريطانية مفتوحة على الواقعية السياسية، فطائرات سلاح الجو الملكي البريطاني موجودة في قاعدة العيديد، حيث تستخدم في الغارات ضد تنظيم الدولة. وعلى الكورنيش، دعم المجلس البريطاني حديقة ريفية شاعرية لترويج المنتجات البريطانية: “بريطانيا ليست فقط عن السمك والبطاطا المقلية”، فـ”جبنة التشيدر غرب البلاد، ولحم الضأن الويلزي الأحسن في العالم”.
ورغم الكلفة العالية للمونديال، إلا أن المنافع واضحة، فمهما تلاعبت الفيفا في أعداد الحاضرين، إلا أن الملاعب مزدحمة. ومع ذلك، فهذه من أكثر مباريات كأس العالم كلفة. صحيح أن كرة القدم تحولت ملعبا للغنى، إلا أن قطر نقلتها في الأسبوع الماضي لمستويات جديدة. وتتوقع الفيفا أن تزيد مواردها من مباريات قطر إلى 7.5 مليار دولار، أي بزيادة مليار دولار عن مونديال روسيا، عام 2018.
وقدّر ناصر الخاطر، المدير التنفيذي لقطر 2022، أن تسهم المباريات بـ17 مليار دولار لاقتصاد البلد. كما أن حجم المراهنات حول المباريات أدهش حتى أصحاب محلات الرهن، مليار دولار لكل لعبة. وذلك أن تخفيف قوانين الرهن/ المقامرة الأمريكية جلبت مالا جديدا للسوق. وحطمت “ماتش” التي تدير كل عروض الضيافة الراقية لكأس العالم أرقامها عن المباريات السابقة، وراكمت حوالي 800 مليون دولار.
وقال جيمي بايرون، المدير التنفيذي لماتش: “واصل عملاؤنا صعود هرمنا الطامح”. وحصل الصحافي على زيارة لصالة “بيرل لاونج” في ملعب لوسيل لحضور مباراة الأرجنتين والسعودية يوم الثلاثاء، وتصل كلفة تذكرة الضيافة للصالة 5.000 دولار فيما تصل كلفة عرض الضيافة للمباريات نصف النهائية والنهائية إلى 35.000 دولار، وتم استئجار الغرف التابعة له طوال المباريات بحوالي 2.1 مليون دولار.
وبدا المشهد من لوسيل وكأنه سباق سيارات في موناكو وليس كرة قدم. وبعيدا الأهداف والبهرجة، فمباريات كأس العالم للمضيفين هي تمرين في القوة، ومهما كانت منطقية الاعتراضات والمعوقات عالية والمطالب غريبة، فقد مضت قدما في التنظيم لأنها تستطيع عمل هذا.