نيويورك تايمز: “طاهي بوتين” يكشف عن أسراره بعد أن أصبح حلم موسكو الأخير لتغيير مسار الحرب الكارثية في أوكرانيا
عربي تريند_ هل بات حلم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتحقيق انتصار في أوكرانيا مرهونا بطاهيه، يفغيني بريغوجين؟ تجيب صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير أعده أندرو هيجينز وماثيو مبوك بيغ أنه بعد أسابيع من النكسات غير المتوقعة في ساحة المعركة لروسيا، قدمت الحرب في أوكرانيا يوم الأحد مفاجأة أخرى: ظهر شخص روسي أدين سابقا وكان يبيع النقانق في السابق كأفضل أمل للكرملين في تحقيق نصر عسكري صغير يحفظ ماء الوجه.
فمع تعرض القوات الروسية للخطر في مدينة خيرسون الاستراتيجية الجنوبية، قامت القوات العسكرية الخاصة التي يسيطر عليها يفغيني بريغوجين، وهو مدان سابق بالسرقة وصديق قديم للرئيس بوتين، بالزحف على مدينة باخموت التي تسيطر عليها أوكرانيا في شرق البلاد.
ومع أن المدينة، التي تعرضت للضربات الروسية من قبل ولأشهر ليس لها قيمة استراتيجية تذكر، لكن انتصار موسكو هناك من شأنه أن يكسر سلسلة الهزائم المهينة، ويعطي دفعة للحظوظ السياسية لبريغوجين، رجل الأعمال الغامض الذي قضى تسع سنوات في سجن سوفييتي بتهمة السطو. اعتاد بريغوجين السخرية من كونه “طباخ بوتين” بسبب اهتماماته التجارية في الأغذية، لكنه الآن قوة متنامية في متاهة سياسات القوة في روسيا.
اعتاد بريغوجين السخرية من كونه “طباخ بوتين” بسبب اهتماماته التجارية في الأغذية، لكنه الآن قوة متنامية في متاهة سياسات القوة في روسيا
وهو موال وبشكل ثابت لبوتين في تصريحاته العامة، إلا أن بريغوجين صنع شخصية حازمة ومستقلة بشكل متزايد، حيث شجب القادة العسكريين المعينين من قبل الكرملين، وفي زيارة أخيرة إلى منطقة كورسك الروسية، اجتمع مع رجال الأعمال المحليين لبحث تنظيم مليشيا شعبية غير واضحة المعالم خارج القيادة العسكرية النظامية.
وكان من بين القادة الذين انتقدهم هو اللواء ألكسندر لابين، قائد المنطقة العسكرية المركزية في روسيا، الذي ترك منصبه منذ ذلك الحين، وفقا لوسائل الإعلام الروسية الحكومية، وحل محله، مؤقتا على الأقل، اللواء ألكسندر لينكوف. فقد تم استبدال كبار قادة المناطق العسكرية الشرقية والجنوبية والغربية منذ غزو روسيا لأوكرانيا في 24 شباط/ فبراير. وقامت وزارة الدفاع الروسية، التي تعرضت لانتقادات لاذعة بسبب الأخطاء العسكرية في أوكرانيا من كل من بريغوجين ورمضان قديروف، زعيم الشيشان بجنوب روسيا، بتعيين الجنرال سيرغي سوروفيكين قائدا عاما جديدا لقواتها في أوكرانيا الشهر الماضي.
وأشارت الصحيفة إلى تكهنات عن وكالة المخابرات العسكرية البريطانية وفي آخر تحديث يومي لها بشأن الحرب في أوكرانيا، يوم الأحد، حول أن “الإقالات تمثل نمطا من اللوم ضد كبار القادة العسكريين الروس لفشلهم في تحقيق الأهداف الروسية في ساحة المعركة”.
وأضاف البريطانيون أن التغيير المتكرر للقادة “هو على الأرجح محاولة جزئية لعزل وإبعاد اللوم عن القيادة الروسية العليا”.
ورغم أن الجيش النظامي غالبا ما يتعثر في أوكرانيا إلا أن القوة الخاصة ببريغوجين، مجموعة فاغنر، قد قاتلت في بعض الأحيان ببسالة أكثر، لا سيما حول باخموت في منطقة دونيتسك الشرقية الأوكرانية.
وأشار مراسل وكالة “ريا نوفوستي” الروسية للأنباء يوم الأحد إلى أن قوات فاغنر استولت على قرية إيفانغراد القريبة من الطريق المؤدي إلى جنوب باخموت، وكانت تخوض معارك ضارية في ضاحية أخرى.
وقال الناطق باسم القوات الأوكرانية في الشرق سيرجي تشيرفاتي، إن باخموت كانت “من أكثر النقاط سخونة” في المنطقة وحيث “العدو هو الأكثر عدوانية، مع تركيز قوة قصوى”. وقال لقناة تلفزيونية أوكرانية إنه تم نشر 30 ألف جندي روسي للهجوم.
وتعلق الصحيفة أن الاستيلاء على باخموت لن يعوض هزيمة روسيا في أيلول/ سبتمبر في منطقة خاركيف الشمالية الشرقية، التي عادت الآن إلى حد كبير للسيطرة الأوكرانية، أو تقارير عن هزيمة أخيرة بالقرب من بلدة في لوغانسك، وهي منطقة شرقية أخرى.
وذكرت إحدى وسائل الإعلام الروسية “فيرستكا” يوم السبت أن مئات الجنود الروس، معظمهم من المجندين الذين تم جرهم إلى الجيش كجزء من “التعبئة الجزئية” الأخيرة لبوتين، قتلوا بالقرب من بلدة ماكيفكا في لوغانسك. ونقل التقرير عن أليكسي أجافونوف الذي تم تجنيده مؤخرا والذي نجا قوله إن وحدته تلقت أوامر بحفر خنادق دفاعية بالقرب من المواقع الأوكرانية لكنها أعطيت ثلاثة مجارف فقط دون مؤن. وقال إنه عندما بدأت أوكرانيا القصف، “هرب الضباط على الفور” تاركين رجالهم غير المدربين في العراء لمواجهة نيران المدفعية الأوكرانية وقذائف الهاون والمروحيات.
ومع إحراز القوات الروسية بعض التقدم في باخموت، تلوح في الأفق معركة أكثر أهمية وربما حاسمة بالنسبة لمدينة خيرسون الساحلية الجنوبية. وسيطرت روسيا على المدينة الواقعة على الضفة الغربية لنهر دنيبرو في بداية الحرب وأعلنت الشهر الماضي أنها جزء من الاتحاد الروسي. لكنها حثت وبسبب هجوم أوكراني وشيك المدنيين منذ ذلك الحين على الإجلاء إلى الضفة الشرقية للنهر.
من غير المرجح أن تغير نتيجة معركة باخموت الديناميكية العامة للحرب، لكن المدينة ستكون جائزة مهمة لبريغوجين، مما يعزز مكانته داخل الكرملين
وقال كيريل ستريموسوف، نائب رئيس منطقة خيرسون المحتلة، الذي عينته موسكو، يوم الأحد إن أوكرانيا تنقل عددا كبيرا من الدبابات والعربات المدرعة إلى المنطقة. وقال إن إجلاء المدنيين مستمر. كما اتهمت روسيا أوكرانيا بإلحاق أضرار بسد كاخوفكا الكهرمائي في أعالي النهر من مدينة خيرسون بصواريخ هيمارس أمريكية الصنع. واتهم الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الشهر الماضي موسكو بالتخطيط لمهاجمة السد في عملية “علم زائف”.
وتقول الصحيفة إن شعور روسيا بالإحباط في ساحة المعركة أمام القوات الأوكرانية المدججة بالأسلحة المتقدمة وبفضل الدعم الغربي، أدى لحرف نظرها وبشكل متزايد إلى المدنيين، سعيا إلى تقويض الروح المعنوية لأوكرانيا من خلال ضرب محطات الطاقة والبنية التحتية الأساسية الأخرى بهجمات المسيرات والصواريخ.
وحذر فيتالي كليتشكو، عمدة العاصمة كييف، السكان يوم السبت للاستعداد للأسوأ. وقال لوسائل إعلامية أوكرانية: “لنكن صريحين، أعداؤنا يبذلون قصارى جهدهم من أجل أن تكون المدينة بدون تدفئة، بدون كهرباء، بدون إمدادات مياه بشكل عام، كي نموت جميعا. مستقبل البلد ومستقبل كل واحد منا يعتمد على مدى استعدادنا”.
ويبدو أن الكرملين، الذي ينزعج في الداخل من أسئلة حول ما يسميه “عمليته العسكرية الخاصة” في أوكرانيا، يأمل أن تتمكن مجموعة فاغنر التابعة لبريغوجين من تقديم بعض الأخبار الجيدة على الأقل في باخموت.
وركزت القوات الروسية جهودها لسحق المدينة الشرقية الأوكرانية منذ شهور، ولم تحرز سوى تقدم ضئيل حتى الآن فيما وصفه مايكل كوفمان، مدير برنامج الدراسات الروسية في مركز الأمن الأمريكي الجديد، بأنه “هجوم لا طائل من ورائه”.
من غير المرجح أن تغير نتيجة معركة باخموت الديناميكية العامة للحرب، لكن كوفمان قال في بودكاست “وور أون ذا روكس” إن المدينة ستكون جائزة مهمة لبريغوجين، مما يعزز مكانته داخل الكرملين.
قال معهد دراسة الحرب، وهو مجموعة بحثية مقرها واشنطن، إن بريغوجين كان يعمل على توسيع نفوذه بينما يحمي طموحاته وراء إعلانات الولاء لبوتين والمطالبات بالوحدة الوطنية. وأضاف أن هذه النداءات تهدف إلى “جذب القوميين الروس والمدنيين وتحويل النقد إلى جهوده العلنية إلى حد ما لبناء قاعدة سلطة مستقلة”.
بريغوجين – الذي واجه عقوبات أمريكية بسبب التدخل في الانتخابات الرئاسية لعام 2016 من قبل مراكز الذباب الإلكتروني عبر الإنترنت كان يديرها في سانت بطرسبرغ – أصر لسنوات على أنه مجرد رجل أعمال يدير شركة تموين. ولكن، بناء على الاتصالات العسكرية الوثيقة التي أجراها من خلال عمله في توفير الطعام للجنود، اكتسب سمعة باعتباره مساعدا شديد السرية للكرملين من خلال تجنيد المرتزقة لخدمة المصالح الروسية في الشرق الأوسط وأفريقيا.
وشارك مجندو مجموعة فاغنر في سوريا وليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى، حيث تورطت القوة في فضيحة عامة بعد مقتل ثلاثة صحافيين روس في 2018 كانوا يحققون في أنشطة بريغوجين في المستعمرة الفرنسية السابقة.
وبتخليه عن الكثير من أسراره السابقة، أصبح بريغوجين شخصية علنية وصريحة بشكل متزايد، ويطالب بإرسال القادة العسكريين، بما في ذلك الجنرال لابين، “للجري حافي القدمين إلى الجبهة بالبنادق” لمعاقبتهم على عدم كفاءتهم.
وبعد سنوات من إنكار أي صلة بمجموعة فاغنر، كسر بريغوجين الغطاء منذ بداية الحرب في أوكرانيا، معترفا رسميا بدوره كمؤسس لها في أواخر أيلول/ سبتمبر.
وفي تطور آخر، أعيدت تسمية برج زجاجي في سانت بطرسبرغ، ثاني أكبر مدينة في روسيا، يوم الجمعة ليصبح “مركز فاغنر”، والذي قال بريغوجين في بيان إنه سيكون بمثابة “مركز تكنولوجي عسكري” للمخترعين والمهندسين وتكنولوجيا المعلومات يهدف المتخصصون فيه إلى “تحسين القدرات الدفاعية لروسيا، بما في ذلك في مجال المعلومات”.