خطاب لبيد بلا رصيد.. ومحاولة اصطياد ثلاثة عصافير من الأمم المتحدة
عربي تريند_ فور عودته للبلاد من الأمم المتحدة قال رئيس حكومة الاحتلال يائير لبيد إن الأيام الثلاثة الأخيرة كانت مكثّفة ومباركة. وبالتزامن، تتواصل ردود الفعل المحلية والدولية على خطاب “الدولتين”، ويبدو أنه استهدف اصطياد ثلاثة عصافير دفعة واحدة.
من جانبه قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، في تغريدة، إنه يرّحب بتصريح لبيد الشجاع في الجمعية العامة للأمم المتحدة. بايدن، الذي تنكر لوعوده وبرامجه المعلنة، ولم يقدم خطوة عملية واحدة من أجل إنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية، اختار، في تغريدته، لتعليل دعمه الدولتين بالإشارة لكونها مصلحة إسرائيلية، فقال إن الاتفاق مع الفلسطينيين، على أساس دولتين لشعبين، هو الشيء الصحيح لأمن إسرائيل، واقتصاد إسرائيل ومستقبل أطفالنا ومستقبل المنطقة. وقال السفير الألماني في تل أبيب ستيفان زايبرت: “إنه لأمر جميل أن نسمع كلام رئيس الوزراء لبيد، الذي يعترف بضرورة التفاوض مع الفلسطينيين وحل الدولتين”. وتابع في تغريدته: “بصفتنا أصدقاء لإسرائيل، نعتقد دائمًا أن اقامة الدولة الفلسطينية ضرورية وجيدة لكلا الجانبين”.
إسرائيلياً، وكما كان متوقعاً، واصلت أحزاب إسرائيلية من المعارضة ومن الائتلاف مهاجمتها لبيد، فقال زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو: “الليلة سمعنا خطابًا مليئًا بالضعف والهزيمة وانحناء الرأس. بعد أن أزالت الحكومة اليمينية بقيادتي الدولة الفلسطينية من الأجندة العالمية، بعد أن أحضرنا أربع اتفاقيات سلام تاريخية مع دول عربية تجاوزت حق النقض الفلسطيني، يعيد لبيد الفلسطينيين إلى واجهة المسرح العالمي، ويعيد إسرائيل الى الحفرة الفلسطينية”.
وقال رئيس حزب الصهيونية الدينية، الحزب المكمّل لحركة “كهانا” الإرهابية، عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش، ردًا على خطاب لبيد: “معنى خطاب لبيد في الأمم المتحدة هو العودة إلى أيام أوسلو اللعينة. كلمات صاخبة تلطف الأذن وتلتف حول الاستسلام المخزي للإرهاب والسعي لتقسيم الوطن والتخلي عن الأراضي وطرد آلاف اليهود من ديارهم”.
وكان حزب “ميرتس” الوحيد من بين الأحزاب الإسرائيلية، عدا حزب لبيد (هناك مستقبل)، الذي أشاد بخطاب لبيد وإعلان دعمه لتسوية الدولتين.
نتنياهو: “الليلة سمعنا خطابًا مليئًا بالضعف والهزيمة وانحناء الرأس. بعد أن أزالت الحكومة اليمينية بقيادتي الدولة الفلسطينية من الأجندة العالمية”.
تعقيب “الجبهة” و”العربيّة للتغيير”
من جانبهما، قال تحالف “الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة”، و”الحركة العربية للتغيير” إن خطاب لبيد “بدأ بالحرب والدعاية، لكنه انتهى بدعوة لحل الصراع بواسطة حلّ الدولتين. وأضاف الحزبان في بيانهما المشترك: “إذا توافدنا بكثافة على مراكز الاقتراع، سنكون في وضع يتيح لنا إجباره بالالتزام بأقواله، والعمل على إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. وتابعا: “وبالطريقة نفسها، سنتصدى أيضًا للمنظمات الإجرامية وغلاء المعيشة” داخل المجتمع العربي، وهي ذريعة سبق أن تذرعت بها “القائمة الموحدة” التي يرأسها النائب منصور عباس، والتي انضمت إلى حكومة يمينية برئاسة نفتالي بينيت”.
من جهته أوضح رئيس “الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة” النائب أيمن عودة أن خطاب لبيد أعاد القضية الفلسطينية للنقاش السياسي الانتخابي في إسرائيل، وهذا مهم بحد ذاته، لكن التصريحات الدبلوماسية، على ما يبدو، أقل أهمية من الأفعال في الواقع على الأراضي الفلسطينية. وتابع عودة: “سبق وأعلن نتنياهو أيضاً دعمه للدولتين، وقادة إسرائيل وقعوا في حب مسيرة السلام لا السلام نفسه، في إدارة الصراع لا تسويته، والحجة تقع على المحتل من خلال إنهاء الاحتلال”.
نسخة عن نتنياهو
من جهته قال حزب “التجمع الوطني الديمقراطي”، برئاسة النائب سامي أبو شحادة، رداً على مزاعم رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لبيد، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن “لبيد يزعم أمام العالم أنه يؤيد حل الدولتين لشعبين، لكن على أرض الواقع يواصل الضم الزاحف وبناء المستوطنات واعتقال وقتل الشباب الفلسطيني، لدرجة أن عدد الشهداء برصاص قوات الاحتلال في الضفة الغربية هذا العام وصل إلى 83 شهيدا، وهو الأعلى منذ 8 سنوات، ولم ينته العام بعد، إضافة إلى اقتحام المسجد الأقصى، والتضييق على البلدة القديمة، والمقدسيين، بهدف تهجيرهم. واقتحامات المستوطنين كذلك وصلت حدها الأعلى هذا العام.
وتابع “التجمع الوطني الديموقراطي”: “بعد يومين يحل عيد رأس السنة العبرية، ومنذ اليوم بدأت قوات الاحتلال في القدس بإبعاد الناشطين والمرابطين تمهيدا لاقتحامه من قبل قطعان المستوطنين، بعد أن اقتحمته أمس الأول واليوم، ومثله في عيد العرش وجميع المناسبات التوراتية، لا يمكن لأحد أن يصدق أصحاب العقلية الأمنية والاستعمارية سيتحولون بقدرة قادر إلى حمامة سلام، وفي انتهاكات حكومة التغيير أكبر مثال على ذلك، كما لا يمكن فهم أو تبرير الزحف للتوصية على مثل هؤلاء”.
وخلص “التجمع الوطني الديموقراطي” للقول إن “الحل الذي يتحدث عنه لبيد هو حل دولتين لشعبين، دولة يهودية وأخرى فلسطينية، أي أنه مبدأ المساواة مرفوض للفلسطينيين في الداخل، وعليهم العيش بدولة تكرس الفوقية اليهودية والعنصرية، وربما الفصل العنصري”.
مع التسوية.. ولكن
وكان يائير لبيد، ليلة الخميس، قد قال في خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة إنه ومعظم الإسرائيليين يؤيدون حل الدولتين، وما لبث أن اشترط دعمه ناقلاً الكرة مجدداً للملعب الفلسطيني بقوله: “شرط أن لا يكون مصدراً لتهديد إسرائيل، ونحن نسعى لتحقيق السلام مع الفلسطينيين بما يضمن أمنها”.
في الأمم المتحدة حاول لبيد اصطياد ثلاثة عصافير بخطاب واحد؛ الأول امتصاص غضب الفلسطينيين، وفي ظل تصاعد عمليات المقاومة داخل الضفة الغربية المحتلة في الفترة الأخيرة، وذلك من خلال الإشارة لوجود أفق سياسي وبّث الأمل، وإن كان أقرب للوهم والسراب، على أمل أن يستكين الفلسطينييون للطريق الدبلوماسية التي ثبت عقمها. لكن هذا الخطاب يبقى خاويا ومجرد كلام في كلام دون خطة وأجندة زمنية وخطوات حقيقية على الأرض، فما بالك أن ذلك قد جاء على خلفية انتخابات برلمانية وشيكة، ولذا فقد تحاشى مجرد اللقاء مع الرئيس الفلسطيني الذي يريد صنع السلام معه وهو موجود على بعد عشرات الأمتار منه في نيويورك.
في خطابه المعسول حاول لبيد استباق خطاب الرئيس الفلسطيني، وتقليل مفاعيله على علاقات إسرائيل الخارجية، وصورتها أمام الرأي العام الدولي.
نتنياهو في خطاب بار إيلان
كذلك سعى لبيد، من خلال التصريحات الجميلة عن السلام، وإعلانه دعم حل “الدولتين”، لاجتذاب التأييد الدولي لإسرائيل وقطع الطريق على أي انتقادات، أو ربما عقوبات عليها، من خلال هذا الخطاب السلمي الذي لا يلوح بالأفق ما يشي أنه يغني ويسمن عن جوع.
منذ توقيع اتفاق أوسلو استغلت حكومات الاحتلال ما يعرف بالمسيرة السياسية لمضاعفة التهويد والاستيطان مكتفية بتصريحات عن السلام بقيت في الهواء. في خطابه المعسول هذا حاول لبيد استباق خطاب الرئيس الفلسطيني، وتقليل مفاعيله على علاقات إسرائيل الخارجية، وصورتها أمام الرأي العام الدولي، في ظل تقارير عن جمعيات حقوقية وصفت إسرائيل بأنها نظام فصل عنصري (أبارتهايد).
وأمام الضغوط الدولية بادر حتى بنيامين نتنياهو لخطاب بار إيلان عام 2013، الذي أعلن فيه موافقته على تسوية الدولتين استباقاً لزيارة قريبة للرئيس الأسبق براك أوباما. وعلى الأرض واصل نتنياهو الاعتداء على حقوق الفلسطينيين، وفضح والده أكاذيبه بقوله للقناة العبرية، وقتها، إن نجله قد أعلن موافقته على تسوية الدولتين فقط من باب المناورة والتضليل.
ولذا سارع مقربون من لبيد للقول، في تسريبات صحافية، أنه على المدى القريب من غير الممكن الدفع باتجاه تجديد المفاوضات ومن المستحيل التوصل إلى اتفاقيات مع السلطة الفلسطينية، لما يراه من ضعفها، وفي ظل غياب الاستعداد السياسي من الجانبين، في حين يرى لبيد أنه يجب الحفاظ على “حل الدولتين” في الصورة، لتجنيب إسرائيل “كارثة الدولة الواحدة”.
مآرب انتخابية
لا شك أن خطاب لبيد يتطلع أيضاً لمخاطبة فلسطينيي الداخل بطريقة غير مباشرة، وتحفيزهم للمشاركة في عملية الاقتراع في انتخابات الكنيست الخامسة والعشرين، في مطلع تشرين ثاني، في ظل استطلاعات تظهر أن نسبة الثلثين منهم تريد العزوف عن المشاركة، ما يهدد احتمالات لبيد في البقاء في صورة المنافس على رئاسة الحكومة الإسرائيلية. من خلال مثل هذه التصريحات يسعى لبيد لفتح أفق مسدود بالنسبة لفلسطينيي الداخل، الذين يشكل صوتهم العامل الحاسم في الصراع بين معسكرين متصارعين على السلطة في إسرائيل.