العالم تريند

الغارديان: وفاة الملكة إليزابيث الثانية أعادت الجدل حول إرث الإمبراطورية القاسي

عربي تريند_ أحيت وفاة ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية الانتقاد للماضي الاستعماري لبلادها. وفي تقرير أعده إدوين رويز لصحيفة “الغارديان” قال إن وفاة الملكة إليزابيث أحيت النقد لمعاملة بريطانيا للأفارقة في الفترة الاستعمارية، وشارك في النقد صحافيون ومعلقون وأكاديميون ودبلوماسيون أمريكيون.

ورغم تعامل الملايين مع وفاة الملكة بحزن إلا أن آخرين رأوا في رحيلها تذكيرا بالطريقة التي استغلت فيها الإمبراطورية الكثير من الدول عبر التاريخ، مما أدى إلى معاناة وموت ودمار اجتماعي واقتصادي، وسط الدعوات للتعويضات. وشجب البرفسور في جامعة كورنيل ماكومو وا نغوغي “المسرح” المحيط بوفاة الملكة و”لو اعتذرت الملكة عن العبودية والاستعمار والاستعمار الجديد وحثت العرش على عرض تعويضات عن ملايين الأرواح التي فقدت باسمها لفعلت شيئا إنسانيا وشعرت بالحزن، وككيني فلا أشعر بشيء، هذا مسرح عبث”.

وقالت بريامفادا غوبال أستاذة دراسات ما بعد الحقبة الاستعمارية في جامعة كامبريدج إن “الملكية البريطانية أصبحت تمثل عدم مساواة عميقا وخطيرا”. وقارنت غوبال بين الملكية البريطانية وتركيز السلطة في أماكن أخرى مثل الولايات المتحدة “التي كانت قبل استقلالها تحكمها الملكية البريطانية وأصبحت الآن تستعمر بورتوريكو ودولا جزرية أخرى”، مشيرة إلى أن “السلطة والامتيازات والثروة في أيدي قلة قليلة، وهو ما يدعو بقيتنا بعد ذلك إلى تبجيله والتفكير فيه على أنه أمر طبيعي تماما”.

الملكية البريطانية أصبحت تمثل عدم مساواة عميقا وخطيرا

وأشار التقرير إلى انتقاد ريتشارد ستينغل، الذي شغل منصب وكيل وزارة الخارجية للدبلوماسية العامة والشؤون العامة في عهد الرئيس باراك أوباما، التغطية الإعلامية لوفاة الملكة، قائلاً إنه “على الرغم من أنه يجب الإشادة بخدمة الملكة إليزابيث التي لا مثيل لها، إلا أنها ظلت تحتفظ بنفوذ على أكثر من 30 دولة كرئيسة، وإن إرث عائلتها من الاستعمار “كان له تأثير رهيب على الكثير من دول العالم”.

 وفي نفس السياق نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا لكارين عطية قالت فيه إن علينا الحديث عن الحقائق القبيحة حول الملكة إليزابيث والإمبراطورية البريطانية. وأضافت أن وفاة الملكة إليزابيث الثانية، أطول ملكة تحكم في العصور الحديثة، أدت لمعركة حول سؤال مركزي: كيف يمكننا الحديث بصدق عن خدام الإمبراطورية القوية والقاسية؟ و”جوابي؟ عليك الحديث عن الحقيقة بصوت عال وبقوة وبدون تردد. واستخدم الميكرفون لو أردت التحدث بصوت عال لمن يقفون في آخر الصف”. ففي أعقاب وفاتها تم وضع الدعاية والجهل والفنتازيا أمام السجل التاريخي البريطاني والتجربة التي عاشها الأفارقة والآسيويون والشرق أوسطيون والأيرلنديون وغيرهم.

ففي عالم الشمال تعتبر الملكة رمزا للواجب والاستقرار في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لكن في الأماكن التي احتلتها وغزتها واستعمرتها على مدى قرون، فالجدة التي توفيت عن 96 عاما وبقية أفراد العائلة المالكة يعيدون إلى الأذهان مشاعر معقدة. وهناك مشاعر حب واحترام للعائلة المالكة وبريطانيا بين الشتات الأسود، وهناك الكثير من النساء السوداوات ممن أحببن الأميرة ديانا. و”لا أنسى عدم ارتياح والدي عند زيارة زميلة مدرسة له في العاصمة الغانية، أكرا بعد مشاهدته صورا لزيارتها إلى قصر باكنغهام معلقة على الجدار. وقالت “لقد حكمونا” و”لهذا فنحن بريطانيون”. وتعرضت أوجو أنيا، أستاذة علم اللغات في جامعة كارنيغي ميلون والنيجيرية الأصل لانتقادات شديدة عندما كتبت تغريدة يوم الخميس، تحدثت فيها عن “وفاة ملكة إمبراطورية السرقة والإبادة والاغتصاب”، وقالت عطية إن ما ورد في كلمات الباحثة كانا مليئا بالكراهية، وليس مثيرا للاستغراب، وليس لشخص مثل أنايا التي عانت عائلتها من التشريد والذبح على يد البريطانيين.

طبعا لدى المدافعين على الملكة الجواب على هذا، واقترحوا أنها كانت “محررة” لأن التخلص من آثار الاستعمار حدث خلال عهدها وأن على الناس المحررين الشعور بالامتنان. والسجلات التاريخية تقدم صورة مختلفة، فعندما اعتلت إليزابيث الثانية العرش عام 1952 ورثت إمبراطورية ضعيفة، فالتمردات كانت تتجمع في المستعمرات. وأجبرت بريطانيا على الخروج من الهند وأفريقيا مع تزايد حركات الاستقلال والمصاعب الاقتصادية التي واجهت بريطانيا بسبب النزاعات. ورغم كل هذا لم تترك الملكة المستعمرات لحالها، ففي الفترة ما بين 1952- 1963 سحقت القوات البريطانية تمرد الماو ماو في كينيا ودفعت ما بين 160.000 – 320.000 إلى معسكرات الاعتقال. وقدمت قبائل كينية ضد الحكومة البريطانية دعوى قضائية بتهمة سرقة الأرض والتعذيب.

ويتفق المدافعون عن الملكية أن إليزابيث كملكة دستورية لا تتحمل كل آثام الإمبراطورية لكن كونها إمبراطورة بالاسم فهي مهمة. فقد كانت الملكة مستعدة لتمثيل ثروة وقوة بريطانيا وسمحت بأن يزين تاجها بالمجوهرات المسروقة، وصورتها على عملات عدد من المستعمرات القديمة وقيادتها للكومنولث، واستعدادها لأن تكون بمثابة الأم البيضاء للشعوب الداكنة اللون، ومنع المهاجرين الملونين من العمل في الوظائف المكتبية حتى الستينات من القرن الماضي.

وهناك من يقول إن علينا عدم الحديث بطريقة سيئة عن بريطانيا الآن، وعلينا تناسي الماضي. وحاولت بريطانيا إخفاء الماضي الاستعماري، ودمرت في عام 1961 آلافا من الوثائق المرتبطة بالماضي الاستعماري و”حتى لا تحرج حكومة جلالتها”. وتقول الكاتبة إنها نفسها دليل حي على أن الماضي حي، فقد ولدت والدتها قبل استقلال نيجيريا وتذكرت أنه كان عليها الاحتفال بيوم الإمبراطورية والسير في الملعب الرياضي وهي تهتف “حفظ الله الملكة”.

وبعد سنوات من استقلال نيجيريا عام 1960 دعمت بريطانيا القوات النيجيرية لسحق الانفصاليين في بيافارا وقتل حوالي مليون من قبائل الإيبو وماتوا جوعا. وأجبرت جدتها التي كانت مسؤولة مالية في بيافارا على الهرب مع أمها وأخواتها. ويجب ألا تموت الملكة حتى نتحدث عن التاريخ الاستعماري، فهو موجود، والصورة التي نتجت عن حملات العلاقات العامة وتصوير الملكة العجوز المستمرة في أداء واجبها وتكريسها لرعاياها والصورة اللامعة عنها مثل هوليوود كانت كافية لإبعاد شبح الإمبراطورية. وعندما تحين الفرصة، فعلينا انتهازها. كل هذا الحديث هو عن المستقبل، فعندما يقوم كتاب سيرة الملكة إليزابيث والإمبراطورية الباهتة بإخفاء الحقيقة، فهذا ليس عن بريطانيا ولكن عن النظام العالمي الحالي الذي قام على ذلك التاريخ. ونتحدث الحقيقة عن ذلك التاريخ في وقت نتوقف فيه برهة ونعرب عن أملنا لروحها وعائلتها في مرحلة الانتقال هذه، وعلينا بعد ذلك العودة إلى العمل وتفكيك بقايا الإمبراطورية الاستعمارية التي مثلتها بإخلاص.

حاولت بريطانيا إخفاء الماضي الاستعماري، ودمرت في عام 1961 آلافا من الوثائق المرتبطة بالماضي الاستعماري

وجاء في مقال مايا جاسانوف في صحيفة “نيويورك تايمز” أن عبارة “نهاية حقبة” ستصبح لازمة عندما يقيِّم المعلقون العهد القياسي للملكة إليزابيث الثانية، فمثل كل الملوك، كانت فردا ومؤسسة، مضيفة أن الملكة جسدت التزاما عميقا وصادقا بواجباتها، كل هذا لا يعني أنه يجب إضفاء الطابع الرومانسي على عصرها.

 بالنسبة للملكة فقد كانت أيضا صورة: وجه أمة شهدت خلال فترة حكمها تفكك الإمبراطورية البريطانية بأكملها تقريبا إلى حوالي 50 دولة مستقلة وتقلص التأثير العالمي بشكل كبير. وبحسب التصميم بقدر ما كان بسبب حادث حياتها الطويلة، فإن وجودها كرأس للدولة ورأس للكومنولث، وضع غطاء تقليديا جامدا على عقود من الاضطرابات العنيفة. على هذا النحو، ساعدت الملكة في إخفاء التاريخ الدموي لإنهاء الاستعمار الذي لم يتم الاعتراف بنسبه وموروثاته بشكل كاف.

فقد نشأت إليزابيث الثانية في عائلة ملكية تضخمت أهميتها في الإمبراطورية البريطانية حتى مع تقلص سلطتها السياسية في الداخل. حكم النظام الملكي قائمة مطولة باستمرار من مستعمرات التاج، بما في ذلك هونغ كونغ (1842) والهند (1858) وجامايكا (1866). ترأست الملكة فيكتوريا، التي أعلنت إمبراطورة الهند في عام 1876، الاحتفالات المبهرجة بالوطنية الإمبراطورية. تم تكريم عيد ميلادها من عام 1902 باعتباره يوم الإمبراطورية. قام أفراد العائلة المالكة بجولات احتفالية فخمة في المستعمرات، وخلعوا على الحكام الآسيويين والأفارقة الأصليين مزيجا من الألقاب.

 في عام 1947، احتفلت الأميرة إليزابيث آنذاك بعيد ميلادها الحادي والعشرين في جولة ملكية في جنوب إفريقيا. ورغم ما رافق صعودها من أخبار ذات مغزى إمبريالي، فإن الملكة إليزابيث الثانية لن تكون إمبراطورة بالاسم أبدا – استقلال الهند وباكستان في عام 1947 جردها من هذا اللقب – لكنها ورثت الإمبراطورية واستمرت من خلال توليها رئاسة الكومنولث. أصرت في رسالتها يوم عيد الميلاد عام 1953 على أن “الكومنولث لا يشبه إمبراطوريات الماضي”.

في البداية، تم تصور الكومنولث على أنه اتحاد من مستعمرات المستوطنين “البيض” (التي دافع عنها رئيس الوزراء الجنوب إفريقي يان سموتس)، كانت أصول الكومنولث في مفهوم عنصري وأبوي للحكم البريطاني كشكل من أشكال الوصاية، وتثقيف المستعمرات في المسؤوليات الناضجة لـ”الحكم الذاتي”. ثم تحولت بريطانيا إلى رابطة كومنولث في وسطها صورة الملكة بين حكام ملونين، وما لن تعرفه أبدا من الصور – وهذا جزئيا الهدف منها – هو العنف الذي يكمن وراءها.

 في عام 1948، أعلن الحاكم الاستعماري لمالايا حالة الطوارئ لمحاربة المقاتلين الشيوعيين، واستخدمت القوات البريطانية تكتيكات مكافحة التمرد التي كان الأمريكيون سيقلدونها في فيتنام. في عام 1952، فرض حاكم كينيا حالة الطوارئ لقمع الحركة المناهضة للاستعمار المعروفة باسم ماو ماو، والتي قام البريطانيون بموجبها باعتقال عشرات الآلاف من الكينيين في معسكرات الاعتقال وتعريضهم للتعذيب الوحشي والمنهجي. في قبرص عام 1955 وعدن باليمن عام 1963، أعلن الحكام البريطانيون مرة أخرى حالة الطوارئ لمواجهة الهجمات المعادية للاستعمار. مرة أخرى قاموا بتعذيب المدنيين. وفي الوقت نفسه، في أيرلندا، جلبت الاضطرابات ديناميكيات قوانين الطوارئ إلى المملكة المتحدة. قد لا نتعلم أبدا ما الذي عرفته الملكة أو لم تعرفه عن الجرائم المرتكبة باسمها. (ما يحدث في الاجتماعات الأسبوعية للملكة مع رئيس الوزراء يظل صندوقا أسود في قلب الدولة البريطانية). لم يحصل رعاياها بالضرورة على القصة الكاملة أيضا.

وخلال العقود الأخيرة من حكمها، راقبت الملكة بريطانيا – والعائلة المالكة – وهي تكافح من أجل التصالح مع وضعها في فترة ما بعد الإمبراطورية. دافع توني بلير عن التعددية الثقافية وجلب نقل السلطة إلى ويلز واسكتلندا وأيرلندا الشمالية، لكنه أحيا أيضا الخطاب الإمبراطوري الفيكتوري في الانضمام إلى الحروب التي قادتها الولايات المتحدة لأفغانستان والعراق. اتسعت التفاوتات الاجتماعية والإقليمية وأصبحت لندن ملاذا للأثرياء القلة. على الرغم من أن شعبية الملكة الشخصية انتعشت من أدنى مستوياتها بعد وفاة الأميرة ديانا، إلا أن العائلة المالكة انقسمت بشأن اتهامات هاري وميغان للعائلة بالعنصرية.

وفي السنوات الأخيرة، كان الضغط الشعبي يتزايد على الدولة والمؤسسات البريطانية للاعتراف بإرث الإمبراطورية والعبودية والعنف الاستعماري وتعديله. في عام 2013، ردا على دعوى رفعها ضحايا التعذيب في كينيا المستعمرة، وافقت الحكومة البريطانية على دفع ما يقرب من 20 مليون جنيه إسترليني كتعويض للناجين؛ تم دفع تعويضات أخرى في عام 2019 للناجين في قبرص. الجهود جارية لإصلاح المناهج المدرسية، ولإزالة الآثار العامة التي تمجد الإمبراطورية وتغيير عرض المواقع التاريخية المرتبطة بالإمبريالية. ومع ذلك، فإن كراهية الأجانب والعنصرية آخذة في الارتفاع، تغذيها السياسات السامة لبريكست.

وجعل طول عمر الملكة من السهل استمرار تخيلات عفا عليها الزمن من العصر الإليزابيثي الثاني. لقد مثلت رابطا حيا للحرب العالمية الثانية وأسطورة وطنية مفادها أن بريطانيا وحدها أنقذت العالم من الفاشية. كانت لديها علاقة شخصية مع ونستون تشرشل، أول رئيس وزراء لها من بين 15 رئيسا، والذي دافع عنه جونسون بشراسة ضد الانتقاد المبرر لإمبرياليته الرجعية. وكانت، بالطبع، ذات وجه أبيض على جميع العملات المعدنية والمذكرات والطوابع المتداولة في دولة سريعة التنوع: ربما من شخص واحد ملون في كل 200 بريطاني عند توليها، إلى واحد من كل سبعة بحسب إحصاء عام 2011.

الآن بعد أن ذهبت، يجب أن تنتهي الملكية الإمبراطورية أيضا. لقد حان الوقت، على سبيل المثال، للتصرف بناء على دعوات لإعادة تسمية وسام الإمبراطورية البريطانية، وهو وسام تمنحه الملكة لمئات من البريطانيين كل عام لخدمة المجتمع والمساهمات في الحياة العامة. عملت الملكة كرأس للدولة في أكثر من 12 دولة من دول الكومنولث، وقد يحذو المزيد منها الآن حذو باربادوس، التي قررت “ترك ماضينا الاستعماري وراءنا بالكامل” وأصبحت جمهورية في عام 2021.

اظهر المزيد

تعليق واحد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى