الحكومة الجزائرية تقرر تأجيل زيارة المقرر الأممي للحريات العامة للمرة الثامنة
عربي تريند_ أثار قرار الحكومة الجزائرية إرجاء زيارة المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية تكوين الجمعيات والتجمع والتظاهر، ردودَ فعل في الأوساط السياسية والحقوقية، خاصة أن هذا التأجيل يتكرر للمرة الثامنة منذ سنة 2011.
بعد أن كان منتظرا أن يصل المقرر الخاص للأمم المتحدة، غدا الإثنين، تأكد تأجيل الزيارة. وأوضح مصدر حقوقي جزائري تحدث لـ”القدس العربي”، أن جمعيات جزائرية معنية بالزيارة أُخطرت عبر رسالة من سكرتارية المقرر الخاص، يوم الأربعاء الماضي، تم فيها التأكيد على أن التأجيل تم بطلب من الحكومة الجزائرية، على أن يحدد موعد آخر سنة 2023.
وأضاف المصدر أن زيارة المقرر الأممي الخاص، كانت ستدوم 10 أيام، يتنقل فيها بين عدة ولايات إلى جانب العاصمة الجزائرية، ويلتقي بالسلطات الرسمية من رئاسة الجمهورية إلى الوزارة الأولى والوزارات المعنية بالملف مثل العدل الداخلية والمجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي هو هيئة استشارية تابعة لرئاسة الجمهورية، كما يلتقي فيها منظمات المجتمع المدني المستقل وأحزابا سياسية من الموالاة والمعارضة.
واعتبر معارضون في الجزائر تأجيل الزيارة دليلا على رغبة السلطات تفادي ملاحظات مزعجة في الوقت الحالي. وقال عثمان معزوز، رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية في هذا الشأن، إن تأجيل زيارة مقرر الأمم المتحدة، يشير بوضوح حسبه إلى أن الحكومة تريد شراء صمت القوى العظمى بخصوص الواقع الحقوقي في الجزائر، على حد تعبيره.
وأضاف في نشاط لحزبه المعارض، أن هذا التأجيل يأتي في وقت يوجد أكثر من 300 من سجناء الرأي في السجن، بينما يخيّم “سيف داموقليس” على كل النشطاء السياسيين الذين يرفضون الاستسلام للانتهاكات اليومية لأبسط حقوق الإنسان.
وشدد معزوز على أنه “من الملحّ مضاعفة المبادرات المتعلقة بمسألة الحريات وسجناء الرأي ووقف انزلاق غالبية السكان إلى الأسوأ، مشيرا إلى أن “إعادة تجميع القوى الديمقراطية والنقابات العمالية حول مسائل الحريات والقوة الشرائية وضد التوجهات الاقتصادية الحالية، أمر ضروري”. وأبرز أن “هناك العديد من النضالات التي يجب خوضها، وفي ظل وجود مناضلين متّحدين وحازمين، يمكننا أن نكون بديلا لأن لدينا المشروع والإيمان والعزيمة”.
وعكس ما تم تداوله، فإن المقرر الأممي الذي كان سيزور الجزائر ليس معنيا بقضايا سجناء الرأي، وهو مختص فقط بقضايا حرية إنشاء الأحزاب السياسية والجمعيات وتنظيم المسيرات والاجتماعات العمومية، وهي المسائل التي تدخل في إطار عهدته. ويوجد على مستوى مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، مقررون آخرون لديهم اختصاصات متنوعة تتعلق بسجناء الرأي وقضايا التعذيب والاتجار بالبشر وغيرها.
وأوضح سعيد صالحي، نائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن تأجيل الزيارة يتم للمرة الثامنة على التوالي منذ سنة 2011. وكتب الحقوقي في تدوينة له على فيسبوك، أن ما يفسر تأجيل الزيارة، هو رغبة الحكومة الجزائرية في التنصل من التزاماتها تجاه آليات الأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان، فهي تخشى من هذه الزيارة التي ستكشف حقيقة القمع الذي لا هوادة فيه، على حد تعبيره.
وأضاف أن الوضع يتميز بانتهاكات متعدد للحريات، خاصة من حيث المسيرات والتجمعات السلمية المحظورة منذ آذار/ مارس 2021. وذكر في السياق، قرارات حل الجمعيات على غرار ما تعرضت له “راج” وتجميد نشاط الأحزاب السياسية مثل ما حصل مع حزب العمال الاشتراكي، كما تتعرض أحزاب أخرى، بحسبه، لإجراءات قانونية متعددة مثل الاتحاد من أجل الرقي والتغيير، والحركة الديمقراطية الاجتماعية.
وتساءل صالحي عن الوسيلة التي كانت ستبرر بها الحكومة كل هذه الانتهاكات أمام المقرر الأممي، خاصة أنه كان يخطط بالإضافة إلى لقاءاته مع المسؤولين، لمقابلة الجهات الفاعلة في المعارضة والمجتمع المدني المستقل.
وخلال السنتين الماضيتين، واجهت عدة أحزاب في الجزائر دعاوى قضائية بالحل وتجميد النشاط، رفعتها وزارة الداخلية أمام القضاء الإداري الذي يفصل في هذا النوع من النزاعات، بحجة مخالفة هذه التنظيمات لقوانين الجمهورية. وسبق لمنظمات حقوقية جزائرية ودولية على غرار “أمنستي إنترناشيونال” أن نددت بهذه الشكاوى واعتبرتها وسيلة للتضييق على العمل السياسي المعارض، كما وجّه تقرير الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان في العالم لسنة 2021، ملاحظات للجزائر في هذا الشأن. لكن وزارة الداخلية، تؤكد في المقابل أن الأمر مرتبط بمخالفة هذه التنظيمات لقانون الأحزاب والجمعيات، ويؤكد الرئيس عبد المجيد تبون في حواراته مع وسائل الإعلام، أن حرية الأحزاب مضمونة فقط من خلال التصريح وفق ما ينص عليه الدستور الجديد.
وفي الفترة الأخيرة، تلقى حزبا الحركة الديمقراطية الاجتماعية الذي يمثل التيار الشيوعي، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، إنذارات من قبل وزارة الداخلية، حول استعمال مقار الحزبين لأغراض خارجة عن الأهداف المسطّرة في قانونهما الأساسي، وفتح أبوابهما لتنظيمات غير معتمدة، وذلك على خلفية استضافة الحزبين نشاطات لجمعيات حقوقية ومدافعة عن سجناء الحراك. ولاقى تصرف الداخلية استياء من سياسيين اعتبروا أن منع أحزاب من تنظيم نشاطات سياسية في مقراتها سيلغي مبررات وجودها ويحولها لمجرد كيانات إدارية.