استياء في الجزائر من حديث مصري عن تأجيل القمة العربية
عربي تريند_ عاد في الأسبوع الأخير، الحديث في منابر عربية دولية، عن تأجيل القمة العربية المقررة بداية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، بمبررات التشكيك في قدرة الجزائر على لم الشمل العربي. وتقابل هذه الحملة المفاجئة، باستياء في الجزائر، التي لا يُتوقع أن ترضخ لأي ضغوط تتعلق بالتأجيل، بعد اكتمال كل الترتيبات المتعلقة بتنظيم هذا الحدث وبالتنسيق مع الأمين العام للجامعة العربية شخصيا.
تكررت التصريحات الصادرة من العاصمة المصرية القاهرة، على لسان دبلوماسيين يتحفظون على ذكر أسمائهم حول تأجيل القمة العربية. وتناقلت عدة صحف ووسائل إعلام عربية، حديث الدبلوماسيين عن وجود صعوبات كبيرة تواجه تنظيم القمة قبل شهرين من انعقادها، وذهب البعض إلى إمكانية تأجيلها بسبب عدم التفاهم على أجندة الأشغال وعدم الرغبة في اللقاء بالجزائر بسبب مواقفها التي لا تعجب عددا من الدول العربية.
والتحفظ المثار هذه المرة، يرتبط بمسائل بعضها قديم وآخر مستحدث. فمن بين ما يعاب على الجزائر، علاقاتها الجيدة مع إيران وعدم انحيازها للدول الخليجية المتصارعة مع هذه الدولة، ورغبتها في استعادة سوريا إلى حضن الجامعة العربية، وكذلك علاقاتها المقطوعة مع المغرب منذ أكثر من سنة. أما المبرر الجديد، فهو علاقات الجزائر القوية مع إثيوبيا، واتجاهها لتوقيع اتفاقات مع أديس أبابا في مجالات تعاون كثيرة، وهو ما تعتقد مصر أنه يضر بمصالحها فيما يخص النزاع المائي مع إثيوبيا.
وما يمكن ملاحظته في هذا السياق، أن عودة التشكيك في انعقاد القمة العربية، أعقب مباشرة زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى الجزائر نهاية شهر آب/ أغسطس المنصرم، والتي تناولت ملفات التنسيق الإفريقي، وتم الاتفاق فيها، حسب بيان الرئاسة الجزائرية، على توسيع التعاون الاقتصادي بين البلدين وذلك من خلال زيادة حجم تبادل المنتوجات الوطنية لا سيّما في مجال الصناعات الغذائية، الصناعة الصيدلانية، التكوين والتعليم العالي، والبحث العلمي.
ويتردد منذ فترة وجود برود في العلاقات الجزائرية المصرية بسبب اختلاف وجهات النظر في عدة مسائل بينها الموقف من إثيوبيا. وما يتم تسويقه في هذا الشأن، دعم مفترض من الجزائر لإثيوبيا في قضية سد النهضة، استنادا إلى لقاء جمع وزير الموارد المائية الجزائري مع السفير الإثيوبي في الجزائر في أيار/ مايو الماضي، على الرغم من أن لقاء من هذا النوع، هو بروتوكولي أكثر منه رسمي، ولا يمكن أن يترتب عنه في العرف الجزائري أي اتفاق.
ومن الجانب الرسمي، تتمسك الجزائر بموقفها الذي تم التأكيد عليه خلال زيارة الرئيس عبد المجيد تبون للقاهرة في كانون الثاني/ يناير الماضي، حيث ورد في الإعلان المشترك للزيارة، أن البلدين “توافقا على ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم ينظم عملية ملء وتشغيل سد النهضة وبما يحقق مصالح الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا بشكل عادل ومنصف”. وسعت الجزائر قبل ذلك، للوساطة في الملف سنة 2021 من خلال تحركات وزير الخارجية رمطان لعمامرة الذي زار الدول الثلاث خلال أزمة الملء الثانية، لكن هذه الوساطة تعطلت بفعل تعقيدات الملف وإصرار كل طرف على موقفه.
حملة ابتزاز
ويذهب ناصر حمدادوش، مسؤول الإعلام في حركة مجتمع السلم، إلى توصيف ما يثار عن تأجيل القمة العربية بأنه “حملة ابتزاز ضد الجزائر”. ويقول النائب السابق في حديثه لـ”القدس العربي”: “لا تزال هناك حملة لابتزاز الجزائر عن مواقفها المبدئية اتجاه بعض الملفات الخلافية مع بعض الدول العربية، ومنها قضية التطبيع والموقف من المقاومة، والخلاف مع المغرب حول الصحراء الغربية، وطفا على السطح الخلاف مع مصر في حدود العلاقة بين الجزائر وإثيوبيا، وكذا سعي الجزائر إلى لمّ الشمل العربي، ومن ذلك محاولاتها لإعادة سوريا إلى الحضن العربي وعودتها إلى مقعدها الطبيعي ضمن الجامعة العربية، وعدم تقبل بعض الدول العربية لحدود علاقة الجزائر بإيران، بالإضافة للخلاف مع بعض الدول لمقاربة حلّ الأزمة الليبية”.
ويعتقد حمدادوش أن هناك عدة دول تدفع لمنع الجزائر من استضافة القمة العربية. ويقول في هذا الشأن: “من خلال النظر في الملفات الخلافية، تبدو مصر متزعمة لهذا الضغط بحكم أنها دولة المقر أيضا، ولطالما كانت منزعجة من الجزائر في أي دور تقوم به، وخاصة في ملف القضية الفلسطينية الذي تريد مصر احتكاره والمساومة به، ثم تأتي الدول الأخرى التي تتقاطع معها في ملفات مثل بعض دول الخليج كالموقف من إيران وسوريا والتطبيع، كالإمارات والسعودية، وطبعا تكون المغرب من أكبر الدول استفادة من تعطيل أي عودة للجزائر في القضايا الإقليمية، وخاصة في هذا السياق التاريخي وتصاعد الخلاف والصدام معها”.
وينتهي المتحدث الذي يمثل أكبر حزب معارض في البرلمان، إلى أن القمة العربية رغم كل ما يثار حولها، تبقى في الواقع حسبه شكلية أكثر منها ذات جدوى فعلية، “فلم نر منها أو نسمع عنها سيادةً في مواقفها من القضايا العادلة”، وهي “هيكل بلا روح غير مأسوف عليها، وانعقادها من عدمه لا يساوي شيئا أمام ثبات الجزائر على عقيدتها الدبلوماسية، وانحيازها لقضايا الأمة العادلة، وشرف الوقوف في وجه هذا الخنوع العربي” بحسب حمدادوش.
أسباب الانزعاج من الجزائر
وفي تفسيره لما يحدث، يرى رابح لونيسي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة وهران، أن هناك عدة أسباب تفسر عدم حماس بعض الدول العربية لتنظيم القمة في الجزائر. ويقول في حديثه لـ”القدس العربي”: “من أبرز الدول التي تعرقل ذلك، مصر التي تعتقد بأن الجزائر لا تعمل من أجل حل عادل للقضية بأنها فقط تريد أن تلعب وساطة كي تعيد دورها الدبلوماسي، بل ترى القاهرة أن الجزائر تساعد إثيوبيا كأداة ضغط على مصر، خاصة بعد المعاملة الخاصة التي حظي به الوفد الإثيوبي أثناء الاحتفالات بذكرى استرجاع الاستقلال، كما لا ننسى الخلاف الجزائري المصري حول ليبيا”.
ويضيف لونيسي لذلك، انزعاج بعض دول الخليج من الموقف الجزائري من إيران. فمعروف عن الجزائر، بحسبه، أنها لا تدخل القضايا الدينية والطائفية وحتى العرقية في علاقاتها، ولهذا مثلا، وقفت على الحياد الإيجابي في الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات، كما أن بعض دول الخليج أقامت تحالفا مع الكيان الصهيوني تمهيدا لضرب إيران من جهة، وهو ما تعرقله الجزائر، بإمكانها أن تساهم في القمة في إقناع بعض الدول العربية لمواجهة هذا المخطط ضد إيران، خاصة سوريا التي ترفض الدول الخليجية عودتها إلى الجامعة العربية.
ويبقى أهم سبب في كل ذلك حسب أستاذ العلوم السياسية، هو “تأثير التحالف المغربي- الصهيوني على بعض الدول، خاصة الخليجية منها؛ بهدف إفشال هذه القمة العربية كي لا تعود الجزائر إلى الساحة الدولية والإقليمية، وكي لا تساهم في رأب الصدع العربي الذي هو ليس في مصلحة الكيان الصهيوني، خاصة أن الجزائر تريد أن تجعل من هذه القمة أيضا قمة مصالحة بين مختلف الفصائل الفلسطينية، وهو ما لا يخدم الكيان الصهيوني”، وفق أقواله.
الجزائر جاهزة للاستضافة
في السياق ذاته،أكد وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، أن بلاده جاهزة لعقد القمة العربية. وقال على هامش جلسة افتتاح الدورة العادية للبرلمان الجزائري، ردا على صحافيين، إن الجزائر جاهزة لتنظيم القمة العربية في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
من جانب آخر، ذكر لعمامرة أن المهمة التي قادته إلى مالي كانت ناجحة تماما، متوقعا “آفاقا واعدة لاتفاق السلام والعلاقات الثنائية” بين الجزائر وباماكو.
وكان وزير الخارجية الجزائري قد ترأس الاجتماع السادس رفيع المستوى للجنة متابعة تنفيذ اتفاق السلم والمصالحة في مالي، المنبثق عن مسار الجزائر، يوم السبت الماضي بالعاصمة المالية باماكو.
وعقد الاجتماع بحضور ممثلي حكومة مالي والحركات الموقعة على الاتفاق وكذا عدة وزراء وإطارات سامية ممثلين لبلدان المنطقة والشركاء الثنائيين ومتعددي الأطراف لجمهورية مالي.
كما ترأس لعمامرة في باماكو رفقة نظيره المالي، عبد اللاي ديوب، أشغال الدورة الـ18 للجنة الثنائية الاستراتيجية الجزائرية- المالية، حسب الخارجية الجزائرية.