بوليتيكو: ما مصير الهجوم الأوكراني المضاد على الروس في خيرسون؟
يتحدث العسكريون الأوكرانيون ومنذ أكثر من شهرين، عن هجوم عسكري واسع في جنوب أوكرانيا، لكن لم يحدث أي تحرك على الجبهة، خاصة محاولة استعادة مدينة خيرسون.
وتساءل كل من كريستوفر ميلر وبول ماكليري في مجلة “بوليتيكو” عن الضربات المدفعية الأوكرانية ضد القوات الروسية، وإن كانت هذه هي بداية عملية واسعة.
وقال الأوكرانيون إن استعادة السيطرة على خيرسون، ستكون اللحظة التي سينحرف فيها مسار الحرب ضد روسيا. لكن لا أحد يعرف الطريقة التي سيتم فيها الدفع بالحرب، فقد استخدم الأوكرانيون الصواريخ والمدافع التي قدمتها أمريكا لهم لضرب جسور ومخازن ذخيرة قريبة من المدينة، لكن لم يحدث تحرك لقوات المشاة بعد. وفي الوقت نفسه، يعزز الروس قواتهم ويتثبون في مواقعهم.
وطالما تحدث المسؤولون الأوكرانيون عن أن مصير الحرب سيقرر في الجنوب، وزعموا أن سلسلة من الهجمات الغامضة ضد منشآت الجيش الروسي بعيدا عن خطوط القتال، بما فيها الانفجار الضخم في قاعدة عسكرية في شبه جزيرة القرم يوم الثلاثاء، تُظهر أن الهجوم المضاد قد بدأ.
وحتى بوجود كميات ضخمة من السلاح الأمريكي والأوروبي بيد الأوكرانيين والذي تقدر قيمته بمليارات الدولارات، يظل السؤال قائما، هل هي كافية وما الذي يحتاجه الأوكرانيون أكثر من هذا؟
فقد سمحت بعض الأسلحة مثل نظام الصواريخ المدفعي عالي الحركة، لأوكرانيا بضرب المواقع الروسية حول مدينة خيرسون المحتلة. لكن الروس يردون على الهجمات بطريقتهم، مما يؤدي إلى نوع من الانسداد بشكل يترك الجنوب ساحة لمن يستطيع السيطرة عليه. وتبحث فيه المدافع عن مواقع للتمركز لا التحرك.
وتعتبر خيرسون الواقعة على نهر دنيبور بوابة الروس إلى ميناء أوديسا في الغرب، وتم احتلالها منذ بداية الحرب، لكن القوات الروسية لم تكن قادرة على التقدم غربا بسبب المقاومة الأوكرانية. ومنع تقدم القوات الروسية يعني بقاء الميناء بيد الأوكرانيين، فهو شريان حياة على البحر الأسود، وسمح بخروج بعض شحنات الحبوب من الميناء، بشكل يعطي الدفع الاقتصادي لكييف. لكن البرقيات المتتالية من الأوكرانيين حول الهجوم المضاد، إضافة للقرارات المحيرة، دفعت حتى المراقب الدقيق للحرب الروسية- الأوكرانية إلى التساؤل، أين ذهب الهجوم المضاد؟ فهل تريد كييف إحداث الفوضى في القوات الروسية؟ أم أن أوكرانيا لا تملك القدرات العسكرية الكافية لإخراج القوات الروسية من المناطق الرئيسية؟
وتساءل كونراد موزيكا، المحلل العسكري في معهد روتشان للاستشارات والذي يتابع الحرب قائلا: “لماذا هذه الرسائل العلنية بشأن خيرسون؟ حتى أكون صادقا معك، لا أدري، لكن هذا أمر يدفعني للجنون”. وأضاف: “بصراحة، من ناحية عسكرية فالمنطق أن تقاتل، دعنا نقل، سبع فرق عسكرية روسية تكتيكية كانت حول خيرسون قبل شهر وليس 15- 20 فرقة الآن”. مشيرا إلى أن الخسائر الروسية أضعفت من القدرات العسكرية لهذه الوحدات.
وكما كشف الهجوم الروسي في شباط/ فبراير وآذار/ مارس باتجاه كييف، فدفع آلاف من القوات باتجاه هدف بدون ضرب دفاعات العدو، هو قرار فاشل، وهو ما تعلمه الأوكرانيون. وقالت ناتاليا هومينيوك، المتحدثة باسم قيادة عمليات الجنوب، إن الغارات ضد ثلاثة جسور على نهر دنيبور جعلتها غير صالحة للاستخدام، وعرقلت قدرات الروس على تعزيز قواتهم في خيرسون. وقالت إن الضربات التي تعرض لها الروس حاليا، لا تسمح لهم باستخدام الجسور لنقل المعدات الثقيلة.
وجاءت تعليقاتها بعد ضرب جسر أنطونفسكي، آخر جسر على النهر، ويربط ما بين الجزء الجنوبي والشمال. وأظهرت لقطات فيديو على الإنترنت، الدفاعات الروسية وهي تحاول اعتراض صواريخ هيمارس الأمريكية. لكن الغارات الناجحة لم يتبعها تقدم على الأرض، ولم يحدث أي تحرك للقوات البرية الأوكرانية حول خيرسون. وفي الوقت نفسه، أشارت تقارير إلى بقاء القوات الأوكرانية في خنادقها بسبب القصف الروسي. وزعمت القيادة الجنوبية الأوكرانية أنها سيطرت على عدد من القرى الصغيرة حول خيرسون بدون مقاومة روسية، لكن السيطرة على بقية المناطق ستكون أصعب، حسبما يقول المحللون.
ويبدو الضغط واضحا على الطرفين، ففي الوقت الذي لا تستطيع فيه القوات الأوكرانية التحرك بالطريقة التي تريدها، إلا أن الضربات الموجّهة لخطوط الإمدادات اللوجيستية الروسية تقوم بعرقلة طموحات الكرملين. وفي تقييم استخباراتي بريطاني في 13 آب/ أغسطس جاء فيه: “حتى لو استطاع الروس إصلاح الجسور، فستظل نقاط ضعف”. وربما اضطر آلاف الجنود الروس للاعتماد في إمداداتهم على نقاط عبور للعبارات العائمة، ومع “تضييق الإمدادات، فإن حجم المواد التي تستطيع روسيا تخزينها على الضفة الغربية سيكون عاملا مهما في قدرة تحمل قواتها. وتظل عملية إزاحة قوات مدافعة عن مواقعها من أكثر الملامح المعقدة في الحرب الأوكرانية، فقد أثبت الروس قدرتهم على تحمل الخسائر في كل خطوة خطوها في دونباس خلال الستة أشهر الماضية. ولن يكون سهلا على الأوكرانيين عمل هذا، ومن غير المعروف إن كانت لديهم القوات والمدفعية الكافية لذلك.
وتقود بريطانيا جهود تدريب قوات المشاة الأوكرانيين في جنوبي إنكلترا، إضافة لاستعداد دول أخرى، بما فيها كندا ونيوزلندا وفنلندا والسويد والدنمارك وهولندا للمشاركة في الجهود الحربية قريبا. لكن هذا التدريب الذي يستغرق عدة أسابيع، يمنح المتدربين معرفة بالأساليب الأساسية، ولكنه ليس كافيا لمواجهة الواقع الرهيب على الأرض.
وفي 11 آب/ أغسطس، تعهدت 26 دولة غربية وأوروبية في كوبنهاغن بتقديم 1.5 مليار دولار كمساعدات عسكرية لأوكرانيا، خُصص معظمها لتقديم المدافع والذخيرة. وفي الوقت نفسه، حركت روسيا قواتها من جنوب خاركيف قرب بلدة إيزوم، ومن دونستيك لتعزيز قواتها في خيرسون جنوبا. واستطاعت القوات الروسية السيطرة على كل المناطق الزراعية حول خيرسون بدون مقاومة، وهي منطقة إستراتيجية واقعة شمال القرم.
ومنذ ذلك الوقت، عزز الروس قواتهم هناك، وأقاموا دفاعات تحسبا لهجوم أوكراني محتمل. لكنه لم يكن احتلالا مريحا، حيث واجه الروس السخط من السكان وعمليات القوات الخاصة الأوكرانية في المنطقة. ومع ذلك، تخطط روسيا لعقد استفتاء في أيلول/ سبتمبر لضم المدينة إلى أراضيها، ولو أرادت كييف وقف العملية غير الشرعية، فعليها التحرك.
ويقول ميكولا بيلسيكوف، الزميل الباحث في المعهد الوطني الأوكراني للدراسات الإستراتيجية، إن الهجوم الأوكراني لن يحدث قريبا، نظرا لعدم توفرالأسلحة الثقيلة، و”هذا خطأ فادح”. ويرى أن الجيش الاوكراني قد يحاول إبطاء تقدم القوات الروسية وقصفها وإظهار أن موقف الكرملين في الجنوب لا يمكن الحفاظ عليه. ويعتبر أن تعزيز القوات الروسية في خيرسون هو خطأ كبير؛ لأن هذا العدد بحاجة للإمدادات التي أصبحت عرضة للغارات.
ويبدو أن كييف تعمل على هذا، حيث ضربت الجسور والمعابر على نهر دنيبور، وقصفت السكك الحديدية أيضا، لقطع خطوط الإمداد الروسية. ويرى بيلسيكوف أن إجبار روسيا على إعادة النظر في تركيزها وجنودها، يظل إنجازا للأوكرانيين؛ لأن الروس ظلوا يملكون المبادرة منذ بدء الحرب.