فضيحة بيع جوازات سفر تطاول كبار المسؤولين اللبنانيين.. ونفي رسمي
عربي تريند_ نشرت صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية تقريراً يضيء على فساد الحكام في لبنان من بوابة الذكرى الثانية لانفجار مرفأ بيروت، تحدثت فيه عن فضيحة بيع جوازات سفر لبنانية يتقاسم أرباحها أربعة من كبار المسؤولين اللبنانيين.
وسارعت دوائر رئاستَيْ الجمهورية والحكومة إلى نفي الخبر “الكاذب والمختلق”، بالإضافة إلى وزارة الداخلية، علماً أن تاريخ لبنان حافل بمراسيم التجنيس التي يعمد الرؤساء إلى إصدارها خلال عهدهم، ولا سيما قبل انتهاء ولايتهم، بحيث يخولهم القانون منح الجنسية لمستحقيها من خلاله، بيد أنه دائماً ما كانت الشخصيات المدرجة فيه، وغالبها من رجال الأعمال، خصوصاً السوريين، في دائرة “شبهة الصفقات المالية والانتخابية” نظراً للاستنسابية التي تُعتمد في عملية الاختيار.
وقالت الصحيفة الفرنسية، الخميس، إن “مجموعة مؤلفة من 4 آلاف جواز سفر لبناني معروضة للبيع بسعر 100 ألف و50 ألف يورو لكلّ جواز سفر، اعتماداً على ما إذا كان لفرد أو لأسرة، من الأثرياء الأجانب”.
ونقلاً عن مصادر قريبة من المستفيدين والوسطاء في العملية التي دفعت لأجلها الودائع، تقول الصحيفة الفرنسية إنه يجرى إصدار مرسوم بتجنيس 4 آلاف غير لبناني، مشيرة إلى أن هذه الوثيقة يجب أن تحمل تواقيع رئيسي الجمهورية والوزراء، ووزيري الداخلية والمالية.
ولفتت إلى أن المسؤولين الأربعة الكبار سيتقاسمون عائدات البيع التي ستدرّ بين 300 و400 مليون يورو، مشيرة إلى أن مشتري الجنسية على وجه الخصوص هم من أقارب النظام السوري، الذين يسعون للسفر حول العالم من خلال الحصول على تأشيرات بسهولة أكثر من جواز سفرهم الأصلي.
واستندت الصحيفة إلى هذه الواقعة، لتقول إنها مجرد مثال آخر على فساد حكام لبنان، البلد الذي يكافح فيه ملايين المواطنين لتأمين قوتهم اليومي.
نفي رسمي
ونفى مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية اللبنانية، صباح اليوم الجمعة، ما أوردته الصحيفة الفرنسية من “معلومات كاذبة عن بيع جوازات سفر لبنانية لعدد من الأشخاص غير اللبنانيين لقاء بدل مالي”، وقال إن “الخبر مختلق ولا أساس له من الصحة إطلاقاً”.
من جهته، أكد المكتب الإعلامي لرئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي أن الموضوع ليس مجال بحث لديه على الإطلاق.
دوره، أعلن مكتب وزير الداخلية بسام مولوي، أن وزير الداخلية وجّه كتاباً إلى الصحيفة الفرنسية، عبّر فيه عن احتجاجه على مضمون المقال في ما يخصّ وزارة الداخلية والبلديات، طالباً الاعتذار وتصحيح الخبر، محتفظاً بحقّه في الادعاء على الصحيفة.
كذلك، وجّه مولوي كتاباً إلى السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو لأخذ العلم بذلك.
ويقول الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين، لـ”العربي الجديد”، إن عشرات مراسيم التجنيس صدرت في لبنان، وقد صدر مرسوم تجنيس واحد في عهد الرئيس ميشال عون، ولكن الأهم كان المرسوم رقم 5247 في عام 1994 الذي جنّس حوالي 180 ألف شخص، غالبيتهم من السوريين.
وتبقى عملية اختيار المستفيدين من مراسيم التجنيس التي تمنحهم الجنسية اللبنانية غامضة من حيث انتقاء هؤلاء والمعايير المعتمدة، إذ إن من حق رئيس الجمهورية وفق الدستور أن يمنح الجنسية لمن يستحقها، بيد أن مستحقيها دائماً ما كانت تدور حولهم علامات استفهام، خصوصاً أن غالبيتهم من المتمولين السوريين القريبين من النظام السوري.
قانون يعود لأيام الانتداب الفرنسي
من جهته، يقول منسق اللجنة القانونية في “المرصد الشعبي” (مجموعة حقوقية سياسية تتعاطى الشأن العام) المحامي جاد طعمة، لـ”العربي الجديد”، إن “قانون الجنسية اللبنانية من القوانين التي تمثل الفضائح والتقصير التشريعي، إذ إننا نعود إلى قرار صادر عن المفوض السامي الفرنسي الجنرال موريس ساراي عام 1925، الذي عُدِّل مرات عدّة، لكنه لا يزال هو الأساس الذي يعتمد في تحديد كيفية منح الجنسية اللبنانية”.
ويوضح أنه انطلاقاً من القانون، فإن رئيس الجمهورية يستطيع أن “يصدر مرسوماً بمنح الجنسية اللبنانية إلى كلّ أجنبي يقدّم خدمات ذات شأن إلى لبنان”، ويكفي لأجل ذلك أن يحمل توقيعه إلى جانب توقيع رئيس الحكومة ووزير الداخلية، وبالتالي، يكفي أن يجتمع هؤلاء ويتحاصصوا.
ويلفت طعمة: “رأينا ويلات على مرّ عهود رؤساء الجمهورية السابقين، بدءاً بالمرسوم الشهير الصادر عن الرئيس إلياس الهراوي عام 1994، وكذلك عن الرئيس السابق ميشال سليمان، وغيرهما من الرؤساء، ووصولاً إلى بداية عهد الرئيس ميشال عون عام 2018.
ويشير طعمة إلى أن أسباب اللجوء إلى المرسوم تختلف في كلّ مرة، فعلى سبيل المثال، كان الهدف عام 1994 من التجنيس، الذي بغالبيته منح الجنسية للسوريين، اللعب على وتر ديموغرافية المناطق حتى يفوز في الانتخابات النيابية حلفاء النظام السوري، واليوم يمكن ربط التجنيس بملف العقوبات الأميركية، بحيث من شأن منح الجنسية اللبنانية أن يؤدي إلى تهرب “مستحقيها” من العقوبات الدولية، من هنا نرى أن غالبية الشخصيات المستفيدة منه هي من السوريين، وكذلك العراقيين.
ويقول: “اليوم في نهاية عهد الرئيس عون، يمكن أن نكون أمام تكرار لمأساة منح الجنسية لكبار المتمولين العرب، ولا سيما السوريين والعراقيين، الذين لديهم مصلحة بدفع مبالغ طائلة للاستحصال على الجنسية اللبنانية”، لافتاً إلى أنه في بداية عهد الرئيس عون أقرّ مرسوم التجنيس، وأثار بلبلة كبيرة باعتبار أن أكثرية المستفيدين منه كانوا من كبار المسؤولين السوريين.
ويتوقف طعمة عند الانحياز لأصحاب المال والنفوذ عند منح الجنسية، مذكّراً بقول وزير الخارجية السابق النائب جبران باسيل (صهر عون) إننا نقبل طلبات التجنيس أونلاين، ومنحها لأربع فئات أبرزها رجال الأعمال، علماً أن هناك أشخاصاً يستحقون الجنسية لدواعٍ إنسانية ولا يمتلكون المال، أبرزهم مكتومو القيد، والأم اللبنانية المتزوجة من أجنبي وهي غير قادرة على منح الجنسية اللبنانية لأولادها.
كذلك يوضح طعمة أنه يمكن اللجوء إلى المرسوم في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة في البلاد، وتطبيق الهدف الأساسي منه، أي “أن يقدم الشخص الأجنبي الخدمات”، لكن على أن تذهب الأموال إلى الخزينة العامة لا جيوب السياسيين، ومع اعتماد الشفافية، وهذا غائب كلياً.