واشنطن بوست: دستور سعيد “سيُعيد” تونس للأيام المظلمة
عربي تريند_ وصفت الأستاذة المشاركة في سياسة الشرق الأوسط بجامعة نيويورك- فرع أبو ظبي، مونيكا ماركس، الاستفتاء الذي نظّمه الرئيس التونسي قيس سعيد يوم الإثنين على الدستور الجديد، بأنه “يوم أسود للديمقراطية”.
وقالت في مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست” إن مصير أهم تجربة في الحكم الديمقراطي بالعالم العربي، على المحك بعد استفتاء سعيد. ورأت أن تمرير الدستور يعني رسالة مشؤومة لكل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث لا يزال الحكام المستبدون متمكنين.
وأشارت في سياق مقالها إلى الإنتفاضة التي اندلعت في تونس عام 2011 والتي أشعلها محمد بوعزيزي الذي أحرق نفسه، وقادت للإطاحة بالديكتاتوري زين العابدين بن علي. وحفّزت أحداثُ تونس، انتفاضاتٍ أخرى صارت تعرف بالربيع العربي. ومضت تونس في طريق متعثر وإن كان واعدا لتحقيق الديمقراطية، وظهرت آلاف من منظمات العمل المدني ومئات الأحزاب السياسية وعشرات من وسائل الإعلام الجديدة.
مصير أهم تجربة في الحكم الديمقراطي بالعالم العربي، على المحك بعد استفتاء سعيد. وتمرير الدستور يعني رسالة مشؤومة لكل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
وفي عام 2014، مرر البرلمان المنتخب، مسودة دستور شاملة تمت مناقشتها بدقة خلال عاميْن، وشملت على ضوابط لحماية حقوق الإنسان والتوازنات وغير ذلك من أعمدة الحكم التمثيلي.
ولبلد كان الديكتاتور “يفوز” بانتخابات مرتبة وبنسب تثير السخرية مثل 99%، فحقيقة عقد تونس انتخابات ديمقراطية شاركت فيها عدة أطراف، كانت أمرا فوق العادة. وتقول الباحثة: “صحيح أن حكومات تونس ما بعد الثورة لم تستطع بناء اقتصاد فاعل وإصلاح أمن الدولة الفاسد أو إنشاء محكمة دستورية. ورغم تلك الإخفاقات الواضحة، إلا أن خطوات تونس الواثقة نحو حرية التعبير والحكم الديمقراطي، دفعتها للحصول على أعلى الدرجات في مؤشرات الديمقراطية “بوليتي 4″ و”فريدم هاوس”. وكانت رمزية هذا، هو أن بناء ديمقراطية عضوية ومتجذرة في القواعد الشعبية أمر ممكن في العالم العربي، وكان ذلك بمثابة رد مضاد على الجدل من الحكومات المستبدة والمتطرفين. ومنح مثالُ تونس، أملا لكل المنطقة.
واليوم تقول الكاتبة إن سعيد، الرجل القانوني الذي لم يكن يعرفه أحد قبل فوزه في انتخابات عام 2019، باعتباره الحصان الأسود والمرشح الشعبوي، مصمم على عكس كل الإنجازات. ففي 25 تموز/ يوليو 2021، قام بتنفيذ انقلاب رئاسي أطاح بالديمقراطية الناشئة في البلد. وأطّر حركته بأنها “تصحيح المسار” ووسيلة لبداية الإصلاحات الضرورية. ووصف سعيد كل الطبقة السياسية، بمن فيها منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية، بأنها وسيط فاسد يحول بينه وبين الشعب.
وأغلق سعيد البرلمان المنتخب بالدبابات، واستولى على مفاصل الحكم الثلاث، وأخذ يحكم عبر الأوامر الرئاسية. وجرّ نقاده السياسيين إلى المحاكم العسكرية، وهاجم النواب في البرلمان الذين عقدوا اجتماعا افتراضيا واتهمهم بمحاولة تنظيم “انقلاب” وهاجم استقلالية القضاء، وسيطر على هيئة الانتخابات.
و”بالنسبة لرجل بنى سمعته على الزعم بخبراته كمحام دستوري، فإن هجومه غير الدستوري على المؤسسات كان مفارقة تراجيدية. ولم يرتدع من نقاده الذين يضمون الآن كل الأحزاب السياسية وكل منظمات المجتمع المدني تقريبا، وهو يندفع بسرعة نحو نظام رئاسي مفرط في الاستبداد، قد يكون أسوأ من سابقه” وفق الكاتبة.
لو تم تمرير دستور سعيد، فستنتهي التجربة الديمقراطية للأبد في تونس، وسننتظر ما إذا كان نفس الناس الذين انتفضوا سابقا، سيطيحون بديكتاتورية جديدة، صنعوها بأنفسهم هذه المرة
وأصدر سعيد نسخة الدستور في 30 حزيران/ يونيو، قبل أسابيع من استفتائه المغرور. وصدرت هذه النسخة أولا بعدة أخطاء نحوية، وجعلت الدولة التونسية بشكل مدهش المفسّر الوحيد والأفضل لقوانين الشريعة ولكل المسلمين. والأهم من كل هذا، فقد محا سعيد كل المتطلبات الرئيسية للحكم الديمقراطي، وهي الفصل بين السلطات، والرقابة بين الفروع. وبعد أيام من نشر المسودة، تبرأت لجنة الدستور التي اختارها سعيد بنفسه منها. وقالت إن “هذا الدستور المصاغ بطريقة متهورة والمؤلف بطريقة منفردة، إهانة لكرامة التونسيين والإنجازات الديمقراطية التي تحققت بشق الأنفس”.
وتقول الكاتبة إن التونسيين الذي شعروا بالغثيان من عدم شرعية العملية الانقلابية التي بدأها سعيد، قرروا مقاطعة الاستفتاء، ومَن صوّت لصالح الدستور الجديد، فإنهم فعلوا ذلك بسبب وعود سعيد التي لا يوثق بها، ولكنه يمثل لهم بديلا عن النظام البرلماني العاجز والمماحكات التي فشلت في توفير المنافع الاقتصادية.
وأضافت أن الطبيعة المتعجلة لهذا الاستفتاء الفاسد، وعدم التنظيم لدى لجنة انتخابات سعيد، قادت لانتشار مفهوم عام بأنه سيحاول التلاعب به لصالح “نعم” وإعاقة كل الجهود لتنظيم حملات ومراقبة والتصويت بـ”لا”.
ويبدو أن معظم التونسيين متعبون من المعاناة الاقتصادية، “نحن نمشي مثل النيام نحو الأيام السود الماضية”، كما قال زهير خليفي (39 عاما) في مقهى ببلدة الرديف القريبة من الحدود مع الجزائر. وأضاف: “أريد أن أهزّ الناس وأوقظهم، ولكنني لا أستطيع. الكثير منهم جوعى ومتعبون جدا ونسوا كم كانت ثورتنا ثمينة”.
وترى الكاتبة أن غياب الحد الأدنى من المشاركة في الاستفتاء -وهو اختلاف مثير للدهشة عن المعايير الدولية الملزمة للاستفتاءات- يعني أن دستور سعيد سيمرر حتى لو بمشاركة متدنية. ولو حصل هذا، فستنتهي التجربة الديمقراطية للأبد في تونس، وسننتظر ما إذا كان نفس الناس الذين انتفضوا سابقا، سيطيحون بديكتاتورية جديدة، صنعوها بأنفسهم هذه المرة، وفق قول مونيكا ماركس.