زيارة ماكرون المرتقبة للجزائر.. هل تصلح “خطيئته”؟
عربي تريند_ أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن زيارة قريبة إلى الجزائر تلبية لدعوة نظيره عبد المجيد تبون، ستكون هي الثانية له خلال 5 سنوات، مرّت فيها علاقات البلدين بهزات عديدة، فهل ستكون محطة لتطبيعها؟
وقال ماكرون في رسالة إلى نظيره تبون بمناسبة الذكرى الـ60 لاستقلال الجزائر في 5 يوليو/ تموز 1962: “أتطلع تلبية لدعوتكم إلى زيارة الجزائر قريبا لنطلق معا الأجندة الثنائية الجديدة على أساس الثقة والاحترام المتبادل لسيادة بلدينا”.
وأضاف في الرسالة التي نشرتها الرئاسة الجزائرية: “كما أتمنى أن ننطلق في هذا العمل من الآن من أجل دعم هذا المسعى على أسس متينة وإدراجه في أجندة مشتركة”.
وفي 25 أبريل/ نيسان الماضي، وجّه تبون تهنئة لماكرون بمناسبة إعادة انتخابه لولاية ثانية ودعاه لزيارة الجزائر، قائلا: “لنطلق سويا ديناميكية تدفع إلى التقدم في معالجة ملفات كبرى”.
فتيل الأزمة
نشرت الرئاسة الفرنسية بمناسبة ذكر استقلال الجزائر، بيانا جاء فيه أنها “تشكل فرصة لرئيس الجمهورية لكي يبدي أمله بمواصلة تعزيز العلاقات القوية أصلاً بين فرنسا والجزائر”.
وأكد ماكرون وفق البيان “التزامه مواصلة عملية الاعتراف بالحقيقة والمصالحة لذاكرتي الشعبين الجزائري والفرنسي”.
وتعد هذه التطورات بمثابة منعرج في العلاقات بعد أزمة حادة تفجرت بين البلدين في سبتمبر/ أيلول الماضي، إثر تقليص باريس حصة تأشيرات السفر الممنوحة للجزائريين، بذريعة عدم تعاون الجزائر في إعادة مهاجريها غير النظاميين.
وفي خطوة تصعيدية ثانية، شكك ماكرون، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي (1830-1962)، كما اتهم النظام الجزائري باستغلال ملف الذاكرة لأغراض سياسية.
وردت الجزائر باستدعاء سفيرها لدى باريس محمد عنتر داود للتشاور (عاد لمنصبه في يناير/ كانون الثاني الماضي)، كما توالت قرارات إنهاء التعامل باللغة الفرنسية في عدة قطاعات حكومية.
وبمناسبة ذكرى الاستقلال نشر الرئيس الجزائري مقالا في مجلة “الجيش” جدد فيه تمسك بلاده بمواقفها إزاء مسؤولية فرنسا عن جرائم الحقبة الاستعمارية.
وكتب أن هذه المسألة التي هي “من صميم انشغالات الدولة، تبقى أبعد ما تكون عن العمل المرتجل أو التي تمليها ظروف معينة”، معتبرا أنها “واجب وطني مقدس”.
اليمين المتطرف
منذ سنوات، تتفاوض الجزائر وفرنسا بشأن 4 ملفات تاريخية عالقة، أولها الأرشيف الجزائري الذي ترفض السلطات الفرنسية تسليمه، فيما يتعلق الملف الثاني باسترجاع جماجم قادة الثورات الشعبية (موجودة بمتحف الإنسان بالعاصمة باريس).
أما الملف الثالث، فهو تعويض ضحايا التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية بين عامي 1960 و1966، والرابع يخص استجلاء مصير المفقودين خلال ثورة التحرير (1954-1962) وعددهم 2200 مفقود، حسب السلطات الجزائرية.
ولم تتجاوب فرنسا مع أي من المطالب الجزائرية، ما عدا تسليم أول دفعة من جماجم ورفات رموز المقاومة الشعبية ضد الاستعمار، عام 2020.
وزار ماكرون الجزائر مرة واحدة في بداية ولايته الرئاسية الأولى في ديسمبر/ كانون الأول 2017، وذلك بعد أشهر من زيارة لها كمرشح للرئاسة أطلق خلالها تصريحات وصفت بالقوية، قال فيها إن “الاستعمار ارتكب جرائم ضد الإنسانية”.
وفي 14 يوليو الجاري، صرح صالح قوجيل، رئيس مجلس الأمة الجزائري (الرجل الثاني في الدولة بعد الرئيس)، أنه يجب “دائما التفريق بين الاستعمار الفرنسي والشعب الفرنسي”.
وأوضح في كلمة بمناسبة اختتام الدورة البرلمانية السنوية، أن “الفكر الاستعماري الذي غادر الجزائر بعد الاستقلال عام 1962، هو من كان دائما يؤثر على العلاقات بين البلدين”.
وأردف: “الآن أصبح هذا الفكر الاستعماري أقوى بعد الانتخابات الأخيرة” في إشارة إلى الانتخابات الرئاسية والنيابية الأخيرة بفرنسا والتي سجل فيها اليمين المتطرف تقدما كبيرا.
عهد جديد
بالتزامن مع هذه التطورات والحركية الرسمية بين البلدين، عيّنت الجزائر مؤخرا سفيرا جديدا لها في فرنسا هو سعيد موسي، وفق مصادر إعلامية جزائرية.
وذكرت تلك المصادر أن الرئيس تبون قرر تعيين موسي وهو سفير الجزائر في إسبانيا (استدعي للتشاور في مارس/ آذار الماضي بسبب أزمة بين البلدين) سفيرا في فرنسا خلفا لعنتر داود.
ولم يعلن رسميا عن القرار، الذي يكون عادة بعد موافقة الدولة المضيفة على التعيين الجديد، مع العلم أن منصب سفير الجزائر في فرنسا يعد أهم منصب دبلوماسي بالنسبة للعاملين في الخارجية الجزائرية.
وموسي هو دبلوماسي يعرف أروقة السياسة في فرنسا كونه شغل من قبل منصب مسؤول العلاقات الاقتصادية في سفارة الجزائر هناك لسنوات، قبل أن يعين قنصلا عاما للجزائر بباريس بين 2019 و2021.
تطبيع العلاقات
يقول محمد بوقشور، أستاذ التاريخ بجامعة “الشلف” غربي الجزائر، إن “العلاقات الجزائرية الفرنسية معقدة جدا نظرا لعوامل متعددة تاريخية اجتماعية ثقافية وحتى نفسية”.
وبحسبه، فالاستعمار الفرنسي “بخروجه المذل من الجزائر سنة 1962، بقيت مرارة هذه الهزيمة تلاحقه.. والصراع لم ينته وهو متواصل بأساليب وطرق مختلفة إلى غاية يومنا”.
ويرى بوقشور: “يجب التنويه إلى نقطة مهمة وهو التباين الكبير في مواقف الفرنسيين تجاه الجزائر حيث نجد تيارات متعددة لكل واحد منها موقفه الخاص”.
وأوضح قائلا: “نجد بين الفرنسيين من ساند الجزائر في معركتها التحررية تجاه النظام الاستعماري، وبقي هذا التيار يقف مع الجزائر في القضايا العادلة إلى يومنا هذا”.
واستطرد: “في المقابل، هناك تيار قوي من اليمين المتطرف يعادي الجزائر وشعبها ومعظم هؤلاء من المستوطنين القدامى أثناء فترة الاحتلال”.
ولفت إلى أن “الموقف الرسمي الفرنسي غالبا ما يضع في حساباته إضافة إلى المصالح الاقتصادية للدولة الفرنسية في الجزائر، رد فعل مختلفا عن هذه التيارات الأيديولوجية”.
وتابع: “الرئيس الفرنسي، الذي أبدى رغبته في زيارة الجزائر مجددا لأنه يعرف أهمية البلد، أخطأ في تصريحاته الأخيرة تجاه الجزائر، لكنه تراجع بعدما أدرك حجم الخطيئة وتبعاتها السياسية خاصة ردود الفعل الرسمية في الجزائر”.
وزاد: “أرى أن طبيعة المصالح المشتركة وتشابك الروابط الاجتماعية بين الدولتين، يستدعيان العودة لعلاقات طبيعية وعلى الطرف الفرنسي أن يغير موقفه من الجزائر ويتعامل معها دون خلفية استعمارية”.
وذكر أن هذه الروابط إنسانية أيضا وهي وجود “8 ملايين فرنسي تربطهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة مع الجزائر، إضافة إلى جالية جزائرية (في فرنسا) هي الأقدم في تواجدها، حيث تعود إلى سنة 1871، والأكبر من حيث العدد حيث تقدر بعض الإحصائيات عدد الجزائريين أو الفرنسيين من أصول جزائية بـ4 ملايين نسمة”.
قضايا إقليمية
من جهته، قال الإعلامي الجزائري محمد مسلم، إن “هناك نية للمصالحة من الطرفين، لكن السؤال المطروح هو ما هي حدود التنازلات لا سيما من الجانب الفرنسي في ما يتعلق بالذاكرة؟”.
وذكر المتحدث أن “هناك قوى ضغط نافذة في فرنسا سبق لها وأن فرضت منطقها على ماكرون عندما جرّم الاستعمار من الجزائر كمرشح عام 2017، ثم لم يلبث أن تراجع عن موقفه بعد عودته إلى باريس تحت ضغط هذه اللوبيات (جماعات الضغط)”.
وأكمل: “الأمور اليوم أكثر تشعبا وتجاوزت ملف الذاكرة إلى قضايا إقليمية هناك خلاف في المواقف بين البلدين بشأنها”.
واستدرك: “الجزائر لن تقبل بالموقف الفرنسي الداعم للطرح المغربي بشأن الصحراء الغربية (متنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو)، وهي تطالب بموقف صريح من هذه القضية”.
وتابع: “هناك الوضع في الساحل الإفريقي أيضا، ففرنسا تخسر مواقع لصالح الجزائر وروسيا، وهنا يمكن أن تكون مقايضة بخصوص قضية الصحراء إذا أبدت باريس نية لدعم الموقف الجزائري بشأن هذا النزاع”.
(الأناضول)