مرصد عراقي ينتقد إجراءات معالجة أزمة الجفاف وشح المياه
عربي تريند_ قال المرصد «العراقي لحقوق الإنسان»، الجمعة، إن أزمة الجفاف وشح المياه، تهددان استقرار حياة سكان جنوب العراق بشكل مباشر، وتتسبب بخسائر مادية فادحة، لافتاً إلى أن، رغم ذلك، لم تُجدِ السياسات الحكومية نفعاً أو تناسب مستوى التهديد الذي ينذر بكارثة تتفاقم أضرارها كلما تأخر الحل.
وأفاد، في بيان صحافي، أن، «منذ سنوات يضطر مزارعون وأشخاص يمتهنون تربية الماشية والأسماك، إلى النزوح عن مناطقهم بسبب التصحر وندرة المياه، وينقلون عائلاتهم إلى عيش متدنٍ يعانون فيه، ما يخلق مشاكل مركبة تضاعف ما تعاني منه أصلاً المناطق التي يلجأون إليها».
وتتركز المشكلة في محافظات ميسان والبصرة وذي قار (جنوباً)، وتشمل جميع مدن العراق، بينما تكاد، الأهوار الجنوبية المدرجة على لائحة التراث العالمي، تجف تماماً وتموت معها ملايين الأسماك، وكذلك الأبقار والجواميس، «التي أصيب بعضها بالعمى نتيجة ملوحة المياه»، حسب البيان.
أوضاع مأساوية
ونقل المرصد عن ثلاثة رجال من سكان أهوار (الجبايش في محافظة ذي قار)، إنهم «يعيشون أوضاعاً مأساوية. الجفاف يضرب المناطق التي يعيشون فيها، والمواشي التي يمتلكونها صارت تسير على أرض قاحلة».
ويتحدث هؤلاء الرجال عن هجرة بعض العوائل، إلى مناطق شمالي المحافظة، أي في اتجاه المناطق التي ما زالت تصلها نسبة من المياه، بينما اضطر بعضهم للهجرة إلى محافظات أخرى.
في العاشر من تموز/ يوليو 2022، تواصل المرصد مع خمسة من سكان الأهوار في محافظة ميسان جنوبي العراق، قالوا إنهم «نزحوا في اتجاه أماكن أخرى في المحافظة، مازالت المياه تصلها، لكنهم يقولون أيضاً أن مكوثهم في المناطق الجديدة، لن يستمر طويلاً فهي مهددة بالجفاف أيضاً».
وأضافوا: «المواشي نفقت، والرزق بدأ ينقطع، والبيئة المناسبة للعيش التي اعتدنا عليها منذ عقود طويلة بدأنا نفقدها».
وفي محافظة ديالى المحاذية لإيران، تضرر بعض السكان هناك بسبب قطع الحكومة الإيرانية لبعض الأنهر، وتُقدر وفقاً لمعلومات رسمية وغير رسمية بعشرات الأنهر الصغيرة، التي تغذي مساحات واسعة من المحافظة.
قال خبراء في ملف المياه للمرصد، إن «أسباب هذه الأزمة تبدأ من سياسات دول الجوار التي تنبع منها المياه كتركيا وإيران، وضعف الحكومات العراقية المتعاقبة وإهمالها وعدم تبنيها سياسة مائية صحيحة ومجدية ومدروسة، واتخاذ الدوائر الحكومية المعنية إجراءات تضاعف من المشكلة على المدى البعيد».
ويفيد تقرير رسمي صدر في وقت سابق عن وزارة الموارد المائية العراقية، أن «موجات الجفاف الشديدة المتوقع حتى سنة 2025 ستؤدي لجفاف نهر الفرات بشكل كامل في جنوب العراق، بينما سيتحول نهر دجلة إلى مجرى مائي محدود، وهما مصدر 98 ٪ من إمدادات المياه السطحية للعراق».
وتحولت آلاف الهكتارات الزراعية في جنوب العراق إلى صحراء جرداء وزادت نسبة الملوحة فيها حتى وصلت لمستويات قياسية تفتك بكل ما يزرع في تلك الأراضي أو قربها، فضلاً عن نقص المياه الصالحة للشرب.
وتشير معلومات إلى أن التصحر طال نحو 69 ٪ من أراضي العراق الزراعية، وقد تضرر 7 ملايين عراقي من أزمة الجفاف. وشهدت السنوات القليلة الماضية، معارك مسلحة بين مزارعين في جنوب العراق بسبب شح المياه، وتطورت لتشترك عشائرهم فيها ما أسقط قتلى وجرحى، وهي حوادث مسجلة لدى وزارة الداخلية العراقية. قال المرصد، إن «سياسات إيران وتركيا المائية تجاه العراق، تنذر بكارثة مائية كبيرة. يجب ألا تستخدم طهران وأنقرة ملف المياه لأغراض سياسية. المشاريع المائية في إيران وتركيا يجب ألا تؤثر على حصص العراق المائية».
وحمّل، في بيانه «الحكومات العراقية المتعاقبة مسؤولية عدم إدارة المياه بطرق حديثة، وإهمالها للإسراف الكبير لهذه الثروة، فضلاً عن استمرار بعض المزارعين باستخدام طرق الري التقليدية، والتي تسهم في إهدار المياه، وسطوة بعض العشائر على كميات مياه بطرق غير قانونية».
وثقّ نزوحاً لمربي المواشي والأسماك من مناطق الأهوار
ويحذر مسؤولون محليون في محافظات ذي قار والبصرة وميسان والمثنى وواسط، من اشتداد حدة الأزمة الناشبة بين بعض هذه المدن جراء «حبس» إحداها المياه عن الأخرى، وهو ما يعكس سوء إدارة الموارد المائية وعدم وجود ناظم حكومي.
وتقول منظمة الأمم المتحدة إن 3.5 ٪ من الأراضي الزراعية في العراق فقط مزوّدة بأنظمة ري، في حين حذر، البنك الدولي، العام الماضي، من تكبد قطاعات اقتصادية متعددة خسائر كبيرة جراء أزمة المياه «وستؤثر على المزيد والمزيد من الفئات الأكثر احتياجاً من العراقيين» ما لم يتم اتخاذ إجراءات «ملموسة» للحيلولة دون ذلك.
سوء الإدارة
ولم تتخذ السلطات العراقية إجراءات ناجعة، وفق الخبراء، الذين نقل المرصد، آراءهم وتقييماتهم، وقال بعضهم إن «سوء الإدارة واضح في هذا الملف إضافة إلى إحجام الحكومات العراقية عن اتخاذ موقف أكثر حسماً خلال المفاوضات مع تركيا وإيران اللتين تبنيان السدود باستمرار على منابع دجلة والفرات».
وأشّار بعض الخبراء، إلى أن «الحكومات العراقية، لا تتحرك إلّا بعدما يتحدث طرف آخر، سواء محلي أو دولي عن الأزمة ولا يتعدى ما تتمخض عنه تحركاتها توقيع مذكرات تفاهم لا تلتزم بها الدول الأخرى التي لم تلتزم أصلاً باتفاقيات دولية موقعة بينها وبين بغداد في السابق». أحمد شاكر، وهو ناشط بيئي في محافظة ذي قار حيث الأهوار التي تعاني من الجفاف، قال إن «بعض سكان الأهوار، ينزحون في اتجاه المناطق التي مازالت فيها مصبات الأنهار أكثر من التي كانوا يعيشون فيها. جفاف الأهوار حالياً يذكرنا بجفافها في تسعينيات القرن الماضي عندما أمر صدام حسين بتجفيفها. هناك من يتجاوز على الحصص المائية للمزارعين، ولا بد أن تكون هناك عقوبات بحقهم».
وقال مختصون مطلعون على تفاصيل أزمة الجفاف في العراق، تحدثوا للمرصد، إن «المؤتمر الثاني للمياه الذي عقد في بغداد في 6 آذار/مارس 2022، لم يأتِ بجديد، فمذكرات التفاهم ومجرد التوصية بدعم العراق لا تكفي لحل المشكلة المتفاقمة ولا يلزم دول المنبع بإطلاق حصصه الكافية».
ويستغرب هؤلاء ما يصفونه بـ«حب المسؤولين العراقيين لمذكرات التفاهم وتقديمها للإعلام كشيء مهم جداً رغم أنها لا تعدو كونها اتفاقاً أولياً ويحتاج إلى جولات جديدة من المباحثات للتوصل إلى اتفاق حول كيفية وآلية والمدة الزمنية للتنفيذ، بينما يواجه بلدهم أزمة حقيقية منذ سنوات ولا مجال لأي تأخير يدفع ثمنه السكان وخاصة في جنوب العراق».
وبعد تحليل مجموعة من البيانات الصحافية الصادرة عن الحكومة ووزارتي الزراعة والموارد المائية في فترات مختلفة بينها أوقات ذروة الأزمة، لم يجد محلل البيانات لدى المرصد، إعلان خطة مثلاً أو اتخاذ إجراءات واسعة على الأرض باستثناء منع زراعة محاصيل زراعية تستهلك الكثير من المياه.
ويقتصر منع زراعة المحاصيل الزراعية ذات الاستهلاك المائي العالي على مدينة دون أخرى، ما أثر على الاستقرار المالي للمزارعين.
وراجع محلل البيانات في المرصد، الميزانيات المالية العامة خلال السنوات الماضية، فأشار إلى قِلة الإنفاق على تعزيز البنية التحتية المائية.
ودعا المرصد، السلطات العراقية إلى «إبداء جدية أكبر والتخطيط بفعالية واستشارة الخبراء ذوي الكفاءة العالية لإيجاد حلول واقعية لأزمة الجفاف، وعدم الاكتفاء بتوقيع مذكرات التفاهم أو الاستمرار في موقفها الضعيف سواءً على مستوى تنظيم الإرواء وضبط استهلاك المياه للزراعة والشرب أو خلال المفاوضات مع دول منبع دجلة والفرات».
خطط عاجلة
ونبّه، المسؤولين العراقيين، إلى أن «مجرد إطلاقهم التحذيرات من تفاقم الأزمة عندما يبلغ عدد السكان 50 مليوناً عام 2030، لا يعني أن مسؤوليتهم أخليت، وأنهم أدوا واجباتهم، إذ يجب عليهم البحث عن الحلول وتطبيقها»، مشيرا إلى «عدم فعالية الحملات الدعائية للسلطات من أجل حث السكان على ترشيد استهلاكهم للمياه في مدينة دون أخرى، واعتمادها وسائل قديمة بحيث يبدو الأمر وكأنه روتين وإسقاط واجب».
وأشار إلى «خطورة الهجرة المحتملة لسكان عدد من المناطق في جنوب العراق، ونفوق المواشي والأسماك وتضرر البيئة»، مطالباً الحكومة العراقية بـ«وضع خطط عاجلة لمنع أي هجرة بسبب شح المياه الذي يُمكن أيضاً أن يؤثر على السلم المجتمعي في محافظات جنوبي البلاد». وختم، بدعوة «كل من إيران وتركيا إلى عدم استخدام ملف المياه في التأثير على حياة سكان العراق سلباً. كماو دعا الحكومة العراقيةو إلى «اتباع آليات قانونية في الضغط على البلدين اللذين يقطعان بين فترة وأخرى المياه عن العراق».