فايننشال تايمز: دستور في تونس أعد في 20 يوما محل آخر مرر بعد عامين من النقاشات
قالت صحيفة “فايننشال تايمز” في تقرير أعدته مراسلتها هبة صالح من تونس إن آخر مرة تبنى فيها التونسيون دستورا كانت بعد عامين من النقاشات بحيث حدد مصير البلد بأنه المثال الوحيد الناجي من ثورات الربيع العربي عام 2011، والديمقراطية الوحيدة التي نشأت من رماده. وبعد ثمانية أعوام يطلب من التونسيين الاستفتاء على دستور تم إعداده في 20 يوما وفي ظل رئيس أرسل الدبابات لإغلاق البرلمان. فمنذ مدة والرئيس قيس سعيد يحكم من خلال المراسيم وحل المجلس الذي يضمن استقلالية القضاء وعين رجاله في هيئة الانتخابات.
وتقول المعارضة إن الدستور الذي سيطلب سعيد من التونسيين الاستفتاء عليه في 25 تموز/يوليو هو مثال آخر عن انزلاق تونس نحو الحكم الشمولي. ونشرت مسودة الدستور قبل أسبوع، وسيزيد من صلاحيات الرئاسة وأعد في جلسات مغلقة من خبراء اختارهم سعيد بنفسه، وأبعد بعضهم نفسه عن الدستور الجديد. وقال صادق بلعيد، الذي ترأس لجنة صياغة مسودة الدستور للصحافة المحلية يوم الأحد بأن المسودة لا تشبه تلك التي قدمها في 20 حزيران/يونيو. ووصفه بالخطير وربما قاد إلى “نظام ديكتاتوري مشين”.
ويمنح الدستور المقترح الرئيس السلطة المطلقة على الحكومة والقضاء. ويسمح له بحل البرلمان والبقاء في الحكم بعد نهاية الفترتين المسموح له بهما، مدة كل منهما خمسة أعوام، وذلك بذريعة تعرض البلد للخطر الشديد. وينص الدستور الجديد على مواد تقول إنه لا يمكن مساءلة الرئيس ومحاسبته على أفعاله. وعلق نجيب الشابي، الذي كان عضوا في المجلس الذي صاغ الدستور الحالي “في عام 2014 كانت عملية سليمة وشاملة وشفافة ورحب بها كل العالم”، مضيفا أن “الطريق الحالي يناقض القانون الدولي والمعايير الدستورية، ونعاني في هذا البلد من أزمة سياسية واقتصادية ولا تحل عبر استفتاء”. ويطالب الشابي وبقية كتل المعارضة بمقاطعة الاستفتاء نهاية الشهر الحالي.
وكان سعيد قد عبر في الماضي عن رفضه للأحزاب السياسية وتفضيله النظام الرئاسي. ونقل عنه قوله “أثبتت التجربة أن دستور 2014 ليس مناسبة”. وفشلت عدة ائتلافات حكومية بحل أزمات البلاد العميقة، حيث انتخب سعيد، أستاذ القانون الخارج عن الأحزاب في عام 2019 بأغلبية الأصوات، فيما نظر إليه على أنه رفض للأحزاب السياسية وتوبيخ لها. ولقي تدخله العام الماضي بتعليق البرلمان وعزل رئيس الوزراء وتعليق العمل بالدستور دعما من التونسيين، إلا أنه خسر جزءا من شعبيته، حسب قول حمزة مديب، من مركز كارنيغي، إلا أنه وغيره يلاحظون أن السخط من سعيد لم يترجم لتعبئة شعبية من أجل استعادة الديمقراطية.
وتقول الصحيفة إن الشكوى من المنافع المحددة التي جلبتها الديمقراطية عامة في الشوارع. ونقلت عن عامل النقل المتقاعد حامد بن حمودة من حي كرم في تونس، قوله “جربنا الأحزاب السياسية 10 أعوام، لكنها لم تقدم نتائج، فقط انقسامات واقتتالا. ولدي ثقة بالرئيس وأنتظره لحل المشاكل”. وقال مديب إن هناك مشاعر معادية للسياسة ناجمة عن نقد سعيد للأحزاب السياسية “يرفض الكثير من الناس السياسة باعتبارها مساوية للانتهازية والمحسوبية” و”ستكون خيبة كبيرة لو عدنا للديكتاتورية، فالديمقراطية يمكن إصلاحها”. وقال إن “سعيد عنيد وليس تعاقديا” في إشارة لرفضه الحوار مع الأحزاب والتنازل. وأشارت الصحيفة لحله في آذار/مارس المجلس الأعلى للقضاء وعزل 57 قاضيا ومدعيا عاما بتهمة الفساد ومساعدة الإرهابيين، حيث أعلن القضاة عن إضراب انتهى يوم الأحد، وعن إضرابات قادمة إن لم يتراجع سعيد عن قراره.
وتقول عائشة بن حسن، نائبة رئيس نقابة القضاة في تونس إن سعيد عزل القضاة لرفضهم محاكمة معارضي سعيد السياسيين. واشتكى عدد من المعارضين من القيود التي فرضت عليهم وسجن بعضهم لفترة ثم منعهم من السفر أو فرض الإقامة الجبرية. وقالت سيد ونيسي، الوزيرة السابقة وعضو البرلمان المحلول عن حركة النهضة إنها منعت من السفر في حزيران/يونيو. ولا تعرف أي قضية ضدها، وترى أنه قرار إداري يهدف للاستفزاز.
ومنعت النهضة في تونس قبل 2011 وواجه أفرادها الاعتقال والتعذيب، وأصبحت أكبر كتلة في البرلمان ولامها الكثير من التونسيين على شلل الحكومات. وتقول ونيسي إن الحركة بحاجة للنظر بدورها في فشل الديمقراطية لكنها تخشى من عودة القمع. و”هو أمر نشعر به في داخلنا، وليس وضع حكم القانون، إنه تعسف ويستطيعون ملاحقتك”.
ويرى محللون وساسة أن الدستور سيتم تمريره حتى بمشاركة متدنية، لكن التحدي الأكبر لسعيد هو الاقتصاد، حيث ستبدأ الحكومة مشاورات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بشرط تطبيق خطة تقشف، وبالتالي تراجع في شعبيته، قبل شروط الصندوق أم لا.