ناشونال إنترست: على الغرب عدم تكرار أخطائه مع الاتحاد السوفييتي والتحضير لتفكك روسيا مبكرا
عربي تريند_ قال البروفيسور جوليان سبنسرـ تشرتشل بمقال بمجلة “ناشونال إنترست” إن على الغرب التحضير مبكرا لتفكك روسيا، ذلك أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محق في كلامه من أن الثورات الملونة ستؤدي إلى الإطاحة بالنظام شبه الديكتاتوري في روسيا اليوم.
وقال فيه إن برنامج بوتين الاجتماعي المحافظ ربما كان عاملا في منع أو أن مقامرته الفقيرة في أوكرانيا عجلت من التحشيد ضد الانتقام منه. وتظل محاولة بوتين اليائسة من أجل تقوية الجغرافيا الروسية قبل ظهور نظام ليبرالي منطقية، فما هو مؤكد أن دستورا ليبراليا في موسكو سيقود إلى مزيد من انفصال مناطق الأقليات في روسيا.
ويرى أنه من الأفضل أن يفكر الاستراتيجيون الغربيون بالطريقة التي سيعيدون من خلالها تشكيل “أوراسيا” قبل أن تبدأ روسيا بالتفكك السريع.
وقال إن تفكك الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا عام 1961 وتوحيد فيتنام عام1975 وألمانيا في 1871 و 1990 تركت تداعيات إستراتيجية إقليمية. وكان الإتحاد السوفييتي يشكل نسبة 15% من مساحة العالم قبل أن يتفكك ويقود إلى خلق 15 دولة وتغييرات عدة على مستوى قارية. وتحولت عملية استعادة الوحدة في القوقاز إلى ساحة معركة بين المصالح الروسية والتركية والإيرانية والغربية. وتداخل مجال وسط آسيا بين التأثير الروسي والصيني وتعرض لتهديد الجماعات التكفيرية.
وبحسبه لا تزال فكرة استعادة روسيا الوحدة في مناطق البلطيق وأوكرانيا ومولودفا قضية أوروبية إلى جانب قازخستان في وسط آسيا. وبالمقارنة تحتل روسيا نسبة 11% من سطح الأرض بما في ذلك معظم أوراسيا التي ستصبح منتجة مع تغيرات المناخ العالمي وتشترك بحدود تعرضها للخطر من القوة الأوراسية الصاعدة وهي الصين الشيوعية.
وتعتبر روسيا متجانسة عرقيا ولغويا أكثر من الإتحاد السوفييتي السابق، ونسبة 75% من سكانها ينتمون إلى العرق الروسي، ولهذا فمن غير المحتمل تفككها بطريقة كارثية كما حدث مع الإتحاد السوفييتي السابق. وتمثل الشعوب التركية نسبة 9% من سكان روسيا إلى جانب 4% من البشكير وتشوفاش بنسبة 1% وتجمعات سكانية أقل. ونظرا للتنوع اللغوي والديني المتباين بينها فإن إمكانية انفصالها تظل ضعيفة.
وأكثر من هذا تتركز الشعوب التركية في منطقة جبال الأورال، في داخل روسيا الأوروبية، وليس في مناطق هامشية من السهل فصلها. وبالمقارنة، تحتوي منطقة القوقاز على تجمعات جغرافية متجانسة، 1.5 مليون من الشيشان ومليون من الأفارز وموردفينز وأربع تجمعات أخرى يبلغ حجمها نصف مليون تقريبا. ولن تقاوم هذه النزاعات الاستقلالية في ظل نظام ليبرالي بموسكو.
وبحسب الكاتب فسيؤدي عدد السكان الأذريين في داغستان إلى نزاع عرقي، ربما أفضى إلى غزوات من إيران وتركيا. وفي الشرق الأقصى، سيكون التجمع السكاني الروسي كافيا لمواجهة أي نزعة استقلالية. فمنطقة ساخا التي تشكل نسبة 2% من مساحة الأرض هي موزعة بالتساوي بين مليون روسي وشعب ياقوت، ونفس الأمر في بيريات. ولا تتعرض أي من هذه التجمعات لتحريض المجتمعات العرقية غير الروسية. إلا ان التحولات الثورية في الحكومة ستؤدي إلى آثار خطيرة إن لم ترفق بانتفاضات.
يقول الكاتب إن الانقلاب الذي قامت به المخابرات السوفييتية (كي بي جي) في آب/أغسطس 1990ضد ميخائيل غورباتشوف أدى إلى سلسلة من الانهيارات غير المرئية والمتتابعة للاتحاد السوفييتي. ولو حدثت ثورة في موسكو ولم تكن حازمة سياسيا كما حدث أثناء انهيار حلف وراسو، فإن المناطق البعيدة من روسيا لن يتم الدفاع عنها. وبالتأكيد ستعلن الشيشان عن استقلالها وتحت نفس الظروف في عام 1991. وفي مناطق روسيا بالشرق الأقصى ذات الكثافة السكانية القليلة، 6 ملايين نسمة يعيشون في شرق إركوستك، بانخفاض نسبة 25% منذ عام 2000. ولدى الصين المحفزات التاريخية والمصادر لاستعادة المناطق الواقعة شمال نهري أمور وأوسوري والتي تخلت عنها أثناء حكم سلالة مانشو عام 1860. وربما قاد ضعف روسيا في الشرق الأقصى إلى سلسلة متتابعة من التدخلات الصينية في منغوليا، وكذا مناطق بيريات وساخا. وكانت هناك سابقة أوروبية بالتدخل في سيبيريا. ففي آب/أغسطس 1918 أنزلت أمريكا وبريطانيا والهند وكندا واستراليا قواتها في فلاديفوستك، وتقدم بعضها باتجاه إركوستك على طول سكة عابر سيبيريا لمواجهة التوسع الياباني هناك.
وبحسب الباحث فسيكون التدخل في الوقت الحاضر صعبا من البحر نظرا لقربه من منطقة الحظر الجوي الصيني، ولكن هناك موانئ صغيرة يمكن الوصول إليه عبر جزيرة هوكايدو اليابانية. ولو سقطت منطقة أمور نتيجة للتوغل الصيني، فيمكن لروسيا مواصلة المقاومة في ياكوستك عبر خط قطار إركوتسك. وتستطيع القوات الغربية تأمين جزر سخالين أو أرض في ماغدان ببحر أوخستك.
ويمضي الكاتب قائلا: حدثت انهيارات الأنظمة الديكتاتورية في أوراسيا بشكل منتظم منذ انهيار جدار برلين في تشرين الثاني/نوفمبر 1989. وكل هذا بسبب الأثر التراكمي للانتفاضات المعادية للديكتاتورية في عدد من الدول بفترة الثمانينات من القرن الماضي. وكانت العناصر الضرورية فيها هي التغيرات الجيلية والوعي الواسع بأن الحكومات الفاسدة هي سبب الركود الاقتصادي. ومن هنا فخوف بوتين من الجيل ما بين 19-30 عاما هو ما منعه من تجنيده في الحرب بأوكرانيا، لأنهم سيمثلون الجزء الأكبر من الجنود الذين سيشكلون القوة المضادة له. وتؤمن بيجين مثل موسكو أن الثورات الملونة هي أداة هيمنة أمريكية.
ويرى أنه لو كان الغرب واع للانهيار المحتوم للاتحاد السوفييتي السابق لعمل على تفككه بطريقة يمكن التحكم بها. فقد تخلى الغرب عن قمع السوفييت لحركات استقلال دول البلطيق عام 1990، مقابل دعمه في الحرب ضد صدام. لكنه دعم الحركات الاستقلالية بعد انهيار الإتحاد السوفييتي. وكان من الممكن عقد استفتاءات في شبه جزيرة القرم وأجزاء من أوكرانيا لمنع النزاع الروسي- الأوكراني الحالي. وكان من الأفضل الحفاظ على أرمينيا ضمن فدرالية روسية، نظرا للتحديات الأمنية الخطيرة، كما هو الحال في حكم عدد من دول وسط آسيا.
ويختم الكاتب بالقول إنه رغم ما يمثله التوسع الصيني على النظام الدولي الذي تحكمه القوانين، فمن مصلحة الغرب أن يعمل على وقف التفكك الروسي. ويمكن تشجيع دول القوقاز، بناء على مبدأ حق تقرير المصير والتضامن الديني التعاون على تشكيل كونفدرالية على شاكلة يوغسلافيا القديمة، بدلا من الدخول في نزعات عرقية، ومن مصلحة الدول الديمقراطية التأكد من عدم وقوع الشرق الأقصى الروسي تحت سيطرة الصين، إلا في حالة أصبحت الصين نفسها ليبرالية.