واشنطن بوست: تجارب لمتطوعين أجانب في أوكرانيا تكشف عن حرب صعبة ومخيفة
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا من إعداد أليكس هورتون ورزان نخلاوي وسعاد مخنيت، قالوا فيه إن المتطوعين في حرب أوكرانيا يعودون إلى بلادهم ولديهم فكرة مختلفة عن الحرب التي يصفونها بالصعبة.
وقال كتاب التقرير، إن الأمريكيين وغيرهم من الأجانب الذين حملوا السلاح ضد روسيا، وصفوا تباينا صارخا بين ما توقعوه وما شاهدوه وجربوه. وبدأ التقرير بنقل ما وصفه داكوتا، الذي عاد إلى موطنه في ولاية أوهايو بعد 7 أسابيع في أوكرانيا، وقال إن ما بثّ الخوف فيه لم يكن القصف المدفعي الروسي لوحده من الدبابات، حيث اضطر للاختباء خلف جدار اهتز واخترقته القذائف الروسية بحيث أصبحت عبارته الدائمة “طبيعي” نكتة. لكن ما أخافه هو هجوم مروحيات روسية على موقع لوحدته من الدبابات، وتركه فريقه: “بصراحة هذا أكبر شيء هزني طوال الوقت”.
ومثل البقية الذين وافقوا على التحدث مع الصحيفة بشرط عدم نشر أسمائهم بالكامل، فإن ما توقع هو وغيره من المقاتلين الأجانب رؤيته في أوكرانيا وما جربه على طرف النقيض. وتذكر كيف كان يخرج إلى المعركة بدون أسلحة كافية، والإثارة التي شعر بها لتدمير عربات روسية وشعوره بالتمزق بين العودة إلى أوكرانيا ثانية، حيث يرغب البعض بالعودة، أما آخرون ممن شاهدوا رفاقهم يموتون فقد قرروا أنهم شاهدوا ما يكفي.
وبالنسبة للكثيرين، فقد جاءت اللحظة الحرجة عندما قُتل جندي المارينز السابق ويلي جوزيف كانسل (22 عاما) بنهاية نيسان/ أبريل في منطقة مايكوليف، شمال- غرب أوكرانيا، وهي المنطقة التي شهدت عنفا وهجمات شرسة، حيث حاول القادة العسكريون الروس توسيع هجماتهم. ولا تزال ظروف مقتل كانسل غير معروفة، ولم يعثر على جثته بعد، ولم تنجح محاولات الصحيفة في التواصل مع عائلته.
وتضيف أنه لا يوجد جنود أمريكيون على الأرض في أوكرانيا، حيث دعا الرئيس جو بايدن الأمريكيين لعدم القتال بطريقة مستقلة في أوكرانيا، مع أن القانون لا يعاقب من قرر الذهاب إلى هناك. ويقول المسؤولون الأمريكيون إن ساحة المعركة في أوكرانيا معقدة وخطيرة، وأن الأمريكيين الذين يريدون مساعدة الأوكرانيين عليهم البحث عن طرق أخرى غير القتال.
ولا يُعرف عدد الأمريكيين الذين تطوعوا للقتال هناك، إلا أن حوالي 4.000 أمريكي عبّروا عن رغبة بالقتال عند اندلاع الحرب ودعوة الرئيس الأوكراني فولدومير زيلينسكي المتطوعين الأجانب للانضمام إلى الفيلق الأجنبي. ومع ذلك فقد قرر عدد من المحاربين السابقين في الجيش الأمريكي المساهمة بالحرب رغم التحذيرات الرسمية والمخاطر. وتشجع عدد منهم بخبرتهم العسكرية ورغبتهم باستخدامها في الحرب التي يرونها معركة بين الخير والشر.
كما أن الحرب جذبت عددا من العسكريين الغربيين السابقين الذين لم يشاركوا أبدا في معارك أو خاضوا قتالا ضد متمردين، ولم يتم نشرهم في قتال كهذا تستخدم فيه الطائرات العسكرية ويعتمد على القصف المستمر وأسراب من الطائرات المسيرة والتكنولوجيا الحرارية.
وسافر دين ميلر، المحارب السابق في الجيش الأمريكي إلى بولندا للقيام بمهمة هادئة ولكنها مهمة، وهي المساعدة اللوجيستية في نقل مراكز اللاجئين وإرسال الإمدادات الضرورية عبر الحدود إلى أوكرانيا. وساعد في مراجعة ملفات المتطوعين الأجانب وإن كانت لديهم الشجاعة للمشاركة في عمليات عسكرية كبيرة.
ومع توفر هذا لدى الكثيرين، إلا أن التفاخر يقف عائقا أمام الخبرة الحقيقية. ونصح ميلر عددا من الجنود السابقين بعدم السفر إلى أوكرانيا. وقال: “هناك فكرة البطولة التي تم تمجيدها. أنظر إلى استمارتك 214 (تسريحك من الجيش بعد نهاية الخدمة) وأقول لك هل أنت جاهز لهذا؟”. وأثناء خدمته في المارينز، قضى ميلر سنوات في سلاح الدبابات، حسب أوراق خدمته العسكرية. ولم يشارك أبدا في معارك، مع أنه عمل لفترة كمتعهد أمني في أفغانستان. وقرر تأجيل الفصل الأول في الجامعة حتى يشارك في قتال الروس، قائلا إن “سخط الرجل الصالح” دفعه للقيام بهذا.
ووصل ميلر إلى أوكرانيا بعد أيام على بدء الغزو الروسي. وكان القادة العسكريون الأوكرانيون راغبين بالاستفادة من خبرته في صواريخ جافلين الأمريكية الصنع والتي تم نقل آلاف منها إلى الجيش الأوكراني. ونُقل داكوتا وعدد من المتطوعين في حافلة صفراء إلى كييف، حيث أُرسلوا من هناك إلى بلدة محاصرة في شمال- غرب البلاد. ومُنح كل منهم سلاحا مضادا للدبابات بدون بطاريات، فلا يمكن للسلاح العمل.
وكانت البيوت تحترق، ويتذكر داكوتا أنه تجمع مع وحدته في غابة للحراسة، وأشار إليهم قائد: “كل شيء هناك روسي” وانتشرت الدبابات في كل مكان، حيث توزع داكوتا والمتطوعون، وذهب بعضهم لخطوط الخنادق وآخرون إلى البيوت.
في بيت مهجور، كانت فيه شجرة عيد ميلاد. وانسحب الجنود الروس وتركوا جنديا جريحا ظل يصرخ طوال الليل. وبنهاية الليلة الثانية، ترك 20 متطوعا من وحدة داكوتا أماكنهم، منهم جندي سابق في المارينز كسر سلاحه بحجر على أمل أن يقدمه كسلاح مكسور، فيما تظاهر آخرون بالإصابة. وقاتل داكوتا في منطقة كييف قبل أن يُرسل لاحقا إلى الجنوب لتدريب الجنود على استخدام صواريخ جافلين. وفي مهمة واحدة لم يكن قادرا على ملاحقة دبابة روسية بقنبلة حرارية باردة، ثم صعد أربعة رجال على جسدها للتدخين ودمر صاروخه الدبابة في هجوم مسجل على فيديو.
ودكّت الدبابات الروسية مواقعهم تلك بعد ساعة ونصف، حيث انسحبت وحدة داكوتا تحت جنح الظلام. وبعد أسبوع شعر داكوتا بالدوار وغثيان السيارة حيث شُخصت حالته بالإصابة في الدماغ نظرا لقربه من مواقع القصف، وغادر إلى بيته في أمريكا بنهاية نيسان/ أبريل حيث كان يتعافى.
وعبّر آخرون مثل باسكال عن إحباطات أخرى، فقد كان في نفس الوحدة التي قُتل فيها كانسل نهاية نيسان/ أبريل، وظهرت المشاكل في أول مهمة كما قال. فقد شك الفريق بأن اللاسلكي الذي يتلقى من جهتين يراقبه الروس ولم يكن لديهم بطاريات خارجية، بشكل أجبرهم على استخدام هواتفهم النقالة غير المؤمنة وواتساب للتواصل.
وبعد تبادلهم الخطط، ضربت المدفعية الروسية كما قال. وشعر المتطوعون أنهم لم يحصلوا على المعلومات الكافية خلال الكثير من المهام، حيث لم يعرفوا وجهة المهمة، والأهم، أين يتمركز الروس، حسبما قال باسكال. وفي اليوم الذي قُتل فيه كانسل، جاءت النيران من موقع اعتقدوا أنه للأوكرانيين، لكن لم يكن لديهم اللاسلكي للتأكد منه. وحاول اثنان التأكد، لكنهما تعرضا للنار ولم يعودا أبدا.
وتعرض الفريق بعد ذلك لإطلاق نار كثيف بما في ذلك القصف المدفعي. وقتل واحد منهم، إلا أن باسكال ومتطوعا آخر اهتموا بكانسل الذي أصيب بشظية ووضعوا عصابة على الجرح على أمل وقف النزيف بدون نتيجة. وتُركت جثته وبقية القتلى، حيث انسحب باسكال والناجون من الفرقة. وكانت تلك آخر مهمة لباسكال، قبل أن يجتاز الحدود إلى بولندا والتقى مع ميلر في حانة، وبدا واضحا أن المهمة هزّته، وحاول ميلر تهدئته مستخدما ترجمة غوغل للعثور على الكلمة المناسبة بالألمانية لتعزيته.
وقال باسكال: “مننذ البداية لم تكن هناك فرصة، وسألت نفسي كثيرا لماذا نجوت ولم يفعل الآخرون؟”. وهناك أوكراني آخر حصل على الجنسية الأمريكية وانضم بعد يومين من الحرب، حيث طلب تعريفه بـ”تكساس”. وعاد إلى مدينته هيوستن، ولم يقاتل في الميدان بل عمل في مكتب، ولكنه تعلم من زملائه الأمريكيين ونقل ما تعلم إلى الأوكرانيين مثل تشكيل الكمائن. وبعد عودته يشعر أن الحياة بدون إثارة، حيث كان وسط عملية طلاق قبل سفره، وهو يواصل معرفة ما يجري في أوكرانيا من زملائه هناك.