ما مدى تأثير غزو القوات الروسية لأوكرانيا على وجودها وتوزعها في سوريا؟
عربي تريند_ تنشغل وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث، في التأكد من حقيقة أخبار عن إخلاء القوات الروسية مواقعها العسكرية في سوريا، ونقاطها المخصصة للرصد، ولاسيما في محافظة اللاذقية شمال غربي سوريا، بينما حذر العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، من نتائج الانسحاب الروسي من المناطق الجنوبية المحاذية لبلاده، وترك مكانها شاغراً أمام القوات الإيرانية ووكلائها في المنطقة.
وتحدثت مصادر إعلامية دولية وأخرى محلية عن تقليص موسكو عدد قواتها في سوريا، خلال المرحلة الراهنة حيث برر موقع «The Moscow Times»، تخفيض العدد بمتابعة عملياتها العسكرية في أوكرانيا، وتسليم روسيا مراكز وجودها لإيران وحزب الله اللبناني.
«موسكو قد تسرّب أخباراً عن انسحابها من مناطق معينة بقصد التخويف من الحضور الإيراني»
وأمام هذه الفرضية، كثرت التكهنات حول حقيقة انسحاب القوات الروسية من مواقعها العسكرية، وهل يمكن أن تترك موسكو تلك القواعد بدون الحماية اللازمة؟
وما مدى تأثير الغزو الروسي لأوكرانيا على تواجد القوات الروسية وتوزعها في سوريا؟
وهل ويمكن أن تسلم موسكو مواقعها لإيران أو تتركها شاغرا أمامها؟
وعلى ضوء ما تقدم، استبعد الباحث لدى المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام رشيد الحوراني في تصريح لـ «القدس العربي» أن يكون الانسحاب الروسي حقيقة على أرض الواقع. وفي رأيه فإنه لا يمكن القول بانسحاب روسيا من سوريا، لعدة أسباب أهمها أن القوات الروسية الحالية ليست في حالة حرب، وهي قوات مراقبة أكثر منها قتالية. ولأن روسيا عملت على الاستفادة من الخبرات القيادية خاصة في مجال الطيران ممن شاركوا في سوريا ودليل ذلك مقتل بعض الطيارين في أوكرانيا ممن شاركوا أيضاً على الأرض السورية.
وأضاف «تعتبر قاعدة حميميم وهي المقر أو المعسكر الفعلي الوحيد للروس في سوريا، وذلك بدليل تدريب عناصر اللواء الثامن فيها، وكذلك تلقي تدريبات الفرقة 25 فيها، وما تبقى من قوات للروس تدخل ضمن نطاق الخبرات العسكرية الاستشارية والفنية، إضافة الى الوجود الميداني بما يتعلق بالطلعات الجوية التي ينفذها الطيران الروسي «حيث يتواجد الروس في مطار حماة ومطار الشعيرات في حمص ومطار القامشلي».
وقد يكون الانسحاب الروسي – وهذا الأمر فرضية نضعها استناداً إلى اعتماد روسيا بشكل كبير على الدعاية – رسالة وفق المتحدث «تريد من ورائها موسكو إيهام العالم وأمريكا خاصة، بأن إيران هي من تحل محلها، ما يدفع أمريكا للنزول عند مطالب موسكو. أضف إلى ذلك وهو الأمر الأهم من وجهة نظري أن قرار الحرب من عدمه تسيطر عليه روسيا، وليس للنظام أو إيران علاقة به، وإن حاولا شن معركة ما، فإن روسيا تتركهم تحت رحمة الثوار من دون غطاء جوي، أو تحت نيران داعش في البادية كعمليات تأديبية لهم».
«لا تأثير لأوكرانيا»
وحول تأثر الجيش الروسي بالغزو على أوكرانيا قال «لا يؤثر ذلك، لأن روسيا القوة العسكرية الثانية عالمياً، وتواجدها العسكري في مكان (سوريا) لا يؤثر على عملياتها الميدانية في مكان اخر (أوكرانيا)».
وحيال ترك موسكو مواقعها العسكرية شاغراً أمام إيران وأدواتها المحلية، رغم العلاقة التنافسية أحياناً والمضطربة أحياناً أخرى بين الطرفين قال المتحدث «لا يمكن أن تسلم روسيا مواقعها العسكرية لإيران، ليس بسبب علاقاتهما التنافسية في سوريا، بل بسبب علاقاتهما المتوترة حتى قبل تعاونهما في سوريا، والعلاقة بينهما محكومة بتحالف الضرورة ليس إلا».
وكانت الهيئة السياسية لدى الائتلاف الوطني حذرت من خطر التمدد الإيراني على سوريا ودول الجوار وقال رئيس الائتلاف سالم المسلط، في اجتماع الخميس، حضره رئيس هيئة التفاوض السورية أنس العبدة والرئيس المشترك للجنة الدستورية هادي البحرة، لبحث الواقع الميداني والإنساني في المناطق المحررة ومستجدات العملية السياسية، وبحث ملف التغلغل الإيراني في البلاد، إنه من الضروري «بلورة موقف عربي موحد في مواجهة التمدد الإيراني وأخطاره في سوريا ودول الجوار وعموم دول المنطقة»، وأوضح المسلط أن «نواة تشكل هذا الموقف الموحد هو دعم الشعب السوري في مطالبه المحقة وعلى رأسها الانتقال السياسي والخلاص من نظام الأسد العميل لنظام الملالي، مشدداً على أهمية التيقن من أن العلاقة بين النظامين علاقة عضوية وأن أي رهان على فصمها خاسر».
«إعادة انتشار وليس انسحاباً»
العقيد الركن عبد الباسط طويل تحدث عن الأخبار المتداولة حول انسحاب القوات الروسية من بعض المراكز التي كانت تشغلها واستبعد الخبير العسكري أن يكون قد جرى انسحاب بمعنى الانسحاب، وقال «ما جرى لا يعدو عن كونه إعادة انتشار ليس أكثر، وهذا لا ينفي أن يكون الروس قد قاموا بنقل قسم من طياريهم إلى جبهة القتال في أوكرانيا». وأضاف في حديث مع «القدس العربي»: مع انخفاض وتيرة الأعمال القتالية التي كانت تتم على الأراضي السورية نتيجة اتفاقيات خفض التصعيد التي تم الاتفاق عليها بين القوى الإقليمية والدولية، أصبح من المسلم به وفق العقلية القتالية الشرقية أن يقوم القادة بإعادة تنظيم انتشار القوات التي تعمل تحت قيادته.
واعتبر الطويل أن «من جملة الأهداف التي تستدعي الإجراء الذي يقوم به الروس اليوم هو تأمين قدر حماية أكبر للقوات الروسية المنتشرة على مساحة أوسع، وبالنسبة لإجراءات الحماية للقواعد الروسية وخصوصًا قاعدة حميميم لا يمكن للروس أبداً العبث بإجراءات الحماية المتبعة داخل وخارج القاعدة وحتى في محيطها القريب منه والبعيد ايضاً وإجراءات الأمن والحماية والحراسات بما فيها الإنذارية ستبقى سارية المفعول وإجراءات يتم اتباعها وتنفيذها بمواجهة الجميع بما في ذلك القوى التي تعتبر رديفة للنظام نفسه ومعظم القوى الأخرى».
وقال: «إذا استثنينا المهام التي كانت تسند للقوى الجوية الروسية وقاعدة حميميم بشكل عام، الروس لم يكن لديهم قوات تنفذ مهام قتالية منسقة في الداخل السوري واقتصرت معظم المهام التي كانوا ينفذونها بقيادة القوات والتنسيق ما بين القوى التي كانت تدعم النظام هذا بالإضافة إلى وضع الخطط العسكرية لتلك القوى، وكذلك القيام بمهام التوجيه للطيران المقاتل الروسي لتنفيذ ضرباته الجوية.
تأثير الحرب في أوكرانيا؟
وبالنسبة لتأثير الحرب في أوكرانيا على الوجود الروسي في سوريا، قال الخبير العسكري «روسيا دولة عظمى عسكرياً إذ لديها ثاني أقوى وأكبر جيش في العالم والإمكانيات العسكرية الروسية قادرة فعلاً على تغطية أكثر من جبهة في آن واحد هذا إذا اعتبرنا أن سوريا تشكل جبهة قتالية بالنسبة لهم. طبعاً هذا تعبير كبير جداً قياساً للأعمال التي كانوا ينفذونها في سوريا».
وبرأي الخبير فإن تسليم الروس للمراكز التي كانوا يتواجدون فيها لإيران «أمر يتم بشكل غير منسق، فالإيرانيون بشكل عام يشغلون تلك المراكز التي يتم إفراغها بدون حتى أن يكون هناك تنسيق مع الروس، لكن هنا يجب أن نعرف أن الإيرانيين مهتمون أكثر بالمراكز التي تكون داخل النسيج السكاني في المدن والأرياف، وهم غير معنيين بالمراكز التي تكون بمواجهة الخصم بالنسبة لهم أو ما يطلق عليه مواجهة قوات الثورة السورية». وكان العاهل الأردني، عبد الله الثاني، قد حذر من أن تملأ إيران ووكلاؤها الفراغ الذي ستتركه روسيا في الجنوب السوري، وما قد ينتج عنه من تصعيد لمشكلات محتملة على حدود بلاده، وذلك في مقابلة تلفزيونية ضمن برنامج «معهد هوفر» التابع لجامعة ستانفورد الأمريكية، ناقشت العلاقات الأردنية- الأمريكية، وفرص التعاون الأردني مع دول المنطقة لتعزيز الأمن والاستقرار.