المغرب: الساحة السياسية تبرز الحاجة إلى معارضة صلبة في مواجهة «استقواء» الحكومة
عربي تريند_ تبدو فرقة المعارضة البرلمانية في المغرب مثل الثور الهائج الذي تعرض لطعنات متتالية في حلبة المصارعة، تجعله لا يقوى على النهوض مرة ثانية. والواقع أن هذه الطعنات بعضها راجع إلى عوامل ذاتية متصلة بحجم القوة الحزبية لكل هيئة من الهيئات السياسية، وبعضها الآخر إلى “استقواء” الأحزاب الحكومية في ما بينها، بحكم توفرها على أغلبية “مريحة” في البرلمان بغرفتيه (النواب والمستشارين) وفي مختلف المجالس المحلية المنتخبة على مستوى الأقاليم.
يضاف إلى ذلك أن حكومة أخنوش -وخلافاً لسابقاتها – تتوفر حالياً على مساندة من طرف اتحاد رجال الأعمال وكذا من طرف النقابات العمالية الرئيسية، في تحالف غريب (حتى لا نقول هجيناً) أدهش المراقبين، وجعلهم يتساءلون عما إذا كان هذا الاستقواء بمثابة منح “بطاقة خضراء” للجهاز التنفيذي من أجل تمرير قرارات “لا شعبية”.
اليوم، تحاول فرق المعارضة أن تسترجع أنفاسها من أجل مواجهة هذا التحالف الحكومي المسنود بالنقابات والمقاولات، كما تسعى إلى تجاوز الخلافات التي نشبت بينها، قبل الانتخابات الأخيرة وبعدها، ما يجعل أي محاولة لرأب الصدع عملية صعبة جداً، لا سيما بين قيادتي حزب “العدالة والتنمية” و”الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية”، عقب معارك كلامية طاحنة.
مع استحضار هذه المعطيات، انطلق التنسيق إذن، بشكل محتشم بين فرق ومجموعة المعارضة في مجلس النواب، وتقول إنها تعتزم “الرفع من وتيرة التنسيق المحكم والفعّال، والانتقال إلى مرحلة أقوى من العمل المشترك على صعيد مجلس النواب، وذلك من أجل المصلحة الوطنية، ودفاعاً عن قضايا المواطنات والمواطنين، ولأجل حماية الاختيار الديمقراطي وصون التعددية السياسية، والارتقاء بالعمل البرلماني، وتحصين الحقوق الدستورية للمعارضة، والدفاع عن التوازن والتكامل المؤسساتي الضروري”، وفق ما جاء في بيان صدر أخيراً.
ونبهت المعارضة إلى “خطورة النزوع المفرط للحكومة نحو الهيمنة والاستقواء بالمنطق العددي الضيق على حساب الاستناد إلى المنطق الديمقراطي والتوافقي المكرّس لثابت الخيار الديمقراطي”، داعية إياها إلى “التعاون والتكامل مع المؤسسة التشريعية عموماً، والتعامل إيجاباً مع مبادرات المعارضة على وجه الخصوص، تحصيناً للتعددية السياسية وحمايةً للتوازن المؤسساتي، وذلك استحضاراً لما يُجسده البرلمان وممثلو الأمة في البناء الديمقراطي الوطني مِنْ تعبيرٍ عن الإرادة الشعبية”.
كما دعت فرق ومجموعة المعارضة في بيانها، الحكومة، إلى “الإنصات الجيد لنبض المجتمع”، مسجلة “أهمية مأسسة الحوار الاجتماعي” ومؤكدة على “ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة والملموسة والمتناسقة، لتفعيل الأولويات الاجتماعية للمرحلة الراهنة وحماية القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين، ودعم المقاولة الوطنية التي تواجه مخاطر الإفلاس”، مشددة على “ضرورة استعمال صلاحياتها في التدخل لضبط الأسعار، وخاصة أسعار المحروقات، وتخفيف تأثير تقلبات السوق الدولية”.
وأكدت فرق ومجموعة المعارضة “حرصها الشديد على مواصلة ممارسة معارضةٍ وطنية ومواطِنة، قوية ومسؤولة وبناءة، على أساس المكانة والحقوق التي خَوَّلَهَا الدستور للمعارضة، وعلى أساس خدمة الصالح العام، عبر السعي نحو التأثير في السياسات العمومية، تقييماً واقتراحاً، وجعل هذه الأخيرة ذات وقعٍ إيجابي على المواطنات والمواطنين، لا سيما من حيث الإنصاف المجالي والعدالة الاجتماعية”.
وسجلت صحيفة “الأخبار” المغربية أن من سيئات التجارب السياسية لما بعد دستور 2011 أنها لم تستطع أن تنتج معارضة حقيقية تشبه المغاربة وتدافع بشراسة عن مطالبهم، معارضة تراقب أداء السلطة التنفيذية والأغلبية الحكومية حال ما تخطئ، أو تتراجع عن وعودها التي طرحتها؛ معارضة تستجوب وتحاسب وتضغط بعيداً عن الصراع السياسوي لكي لا تتغول الحكومة وتصبح اللاعب الوحيد في ملعب السياسة تفعل ما تشاء كما تشاء وقتما تشاء.
ولاحظت الصحيفة نفسها في افتتاحيتها أن “البروفايلات” التي تقدمها أحزاب المعارضة للحد من السلطة التنفيذية، سواء على مستوى القيادات الحزبية أو البرلمانية، لا تبعث على الاطمئنان ولا تشجع على توقع الكثير من الإنجاز، فهي ستبقى معارضة هشة شاردة معرضة للحرب الداخلية”، وفق تعبيرها.
واستطردت قائلة إن الأمناء العامين الحاليين لأحزاب “العدالة والتنمية” و”الاتحاد الاشتراكي” و”التقدم والاشتراكية” قد حرقوا بالأمس كل السفن بينهم، ومن المستحيل أن يجتمعوا على طاولة واحدة، وإذا حدث ذلك سيكون بمثابة مسرحية هزلية سوف تسيء للمعارضة أكثر مما ستخدم صورتها لدى الرأي العام، لأن تلك الأطراف نسيت في غمرة حماستها الانتخابية أن الكلمة السياسية هي مسؤولية تربط ألسنة الساسة كما تربط الأبقار من قرونها، فلا يمكن اليوم بعد ترسيخ عبد الإله بن كيران لعقيدة العداء ضد “الاتحاد الاشتراكي” أن نجده جنباً إلى جنب مع إدريس لشكر بدون شك ستكون الصورة مأساوية وباعثة على السخرية السوداء”.
وخلصت الافتتاحية إلى القول: “مما لا شك فيه أننا في حاجة للمعارضة، فالسياق السياسي لا يسمح بتفرد الحكومة والأغلبية، لكن نحن في حاجة كذلك إلى رجالات المعارضة الذين يشعرون بالمسؤولية الوطنية والدستورية الملقاة على عاتقهم وليس لأشخاص يصرفون كل يومهم لحكي الخرافات”.