المحامون الجزائريون يعودون للمحاكم بعد اتفاق مع الحكومة على تعديل النظام الضريبي
عربي تريند_ استأنف المحامون في الجزائر نشاطهم أمس بعد إضراب دام ثلاثة أيام، بعد التوصل إلى اتفاق مع الحكومة على تلبية مطالبهم. ويحتج أصحاب الجبة السوداء منذ أشهر على النظام الضريبي الجديد الذي يفرض عليهم أعباء إضافية، وأدى هذا الخلاف إلى تأجيل المئات من القضايا بسبب غياب هيئة الدفاع.
عادت المحاكم للعمل بشكل طبيعي أمس الأربعاء، عقب إعلان الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين عن تعليق مقاطعة العمل القضائي في المحاكم الجنائية الابتدائية والاستئنافية وكذا محكمة الجُنح. وجاء قرار اتحاد المحامين عقب لقاء ممثليهم الأخير بوزير المالية وتأكيده على دراسة مطلب أسرة الدفاع في إطار قانون المالية التكميلي (قانون الموازنة العامة). وفي انتظار ذلك، أمر وزير المالية، حسب البيان، بتأجيل العمل بمقتضيات قانون المالية الحالي إلى غاية 20 حزيران/ يونيو المقبل. وذكر الاتحاد أنه سيبلغ السادة المحامين بكل مستجد في الموضوع لاحقاً.
ويشير موقف اتحاد المحامين بتعليق الإضراب وعدم إنهائه إلى وجود مخاوف من عدم الاستجابة للمطالب المرفوعة، فقد سبق لممثلي المحامين أن طرحوا الإشكال على الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن شخصياً في شهر يناير/كانون الثاني الماضي بعد أن تسبب الإضراب في شلل كلي للمحاكم وأدى إلى تعطيل مئات القضايا وتأجيل محاكمات قضايا الفساد التي يحاكم فيها كبار المسؤولين السابقين، ووعدهم الوزير الأول بالاستجابة وقرروا إثر ذلك وقف إضرابهم، لكنهم عادوا ودخلوا في إضراب مرة ثانية بعد بدء مصالح الضرائب في تطبيق النظام الجديد عليهم، ما دفعهم لإصدار بيان يعلنون فيه “مقاطعة التعامل مع المديرية العامة للضرائب لتراجعها عن الاتفاق الحاصل بين الطرفين بتاريخ 24 كانون الثاني/يناير 2020.
ويعود أصل الإشكال إلى ما ورد في قانون المالية لسنة 2022 الذي اعتمد نظاماً ضريبياً مختلفاً عن الذي تعود عليه المحامون في إطار أصحاب المهن الحرة الذين يحظون ببعض الامتيازات الضريبية. وبفعل النظام الجديد، سيصل الاقتطاع من المداخيل إلى نحو 35 في المئة بدل 12 في المئة الساري قبل ذلك، وهي قيمة يراها المحامون مبالغاً فيها وستؤدي إلى نفور عن ممارسة المهنة، حيث صرح إبراهيم طايري نقيب المحامين عدة مرات أن زملاءه يرفضون قطعياً هذا النظام ويطالبون بسحبه وإلا فإنهم سيقاطعون المحاكم، مشيراً إلى أن أتعاب المحامي تحدد عن طريق التنظيم وهي مسألة تتعلق بكل قضية.
وفي هذا السياق، قال المحامي المعتمد عبد الرحمن صالح في تصريح لـ”القدس العربي” إن ما يعاب على النظام الضريبي الحالي أنه يعامل المحامي الذي يمارس مهنة حرة كتاجر أو مؤسسة إنتاجية، فهو يفرض عليه ضريبة على القيمة المضافة وضريبة على النشاط المهني والصناعي في حين أن نشاطه ليس تجارياً أو صناعياً. وأوضح المتحدث أن “الضريبة على القيمة المضافة تفرض في الأصل على تحويل المادة الأولية إلى مادة مصنعة أو استهلاكية متسائلاً عن “التحويل الذي يقوم به المحامي لتفرض عليه هذه الضريبة؟”. وأضاف: “المحامون يطالبون منذ سنوات باعتماد ضريبة من المنبع، أي أن المحامي عندما يقدم أي خدمة يدفع عنها فوراً لدى الجهة القضائية التي يتعامل معها الضريبة مباشرة وتنتهي علاقته بمديرية الضرائب”.
وفي الواقع، لم يكن المحامون سوى الأعلى صوتاً في هذه القضية، فقد أثار النظام الضريبي الجديد غضب باقي أصحاب المهن الحرة مثل الموثقين والأطباء الخواص والمحاسبين والمهندسين المعماريين الذين احتجوا على رفع الضريبة في حقهم وهددوا بالإضراب أيضاً لكن لم يتفقوا على ذلك، وهم ينتظرون سحب هذا النظام في قانون الموازنة التكميلي المنتظر صدوره شهر حزيران/ يونيو المقبل. ومن الناحية القانونية، ستجد الحكومة نفسها مضطرة لتعديل النظام الضريبي على كل أصحاب المهن الحرة، لأنها لا تستطيع تمييز المحامين دون غيرهم بعد الاتفاق معهم، وهو ما قد يؤدي إلى مراجعة المداخيل الجبائية المتوقعة لسنة 2022، علماً أن عجز الموازن المتوقع لهذا العام يصل إلى 4220 مليار دينار أي ما يعادل 30 مليار دولار.
وكانت فلسفة رئيس الحكومة في تعديل النظام الضريبي، وفق ما صرح به خلال عرضه لقانون المالية خريف العام الماضي، تنطلق من وجود عدم مساواة أمام الجباية يجب تصحيحها. ووعد بأن يكون النظام الضريبي الجديد، “ثورة فيما يتعلق بالإصلاح والعدالة الضريبية وتوسيع الوعاء الضريبي”، لكنه اصطدم بمقاومة قوية من أصحاب المهن الحرة الذين يمتلكون تنظيمات قوية تدافع عن مصالحهم. ومن مظاهر عدم وجود عدالة ضريبية، وفق خبراء اقتصاديين، أن الضريبة على الدخل التي تقتطع من أجور ورواتب الموظفين والعمال، تكاد تقترب من الضريبة على أرباح المؤسسات، في وقت تعاني هذه الفئة المحسوبة على الطبقة المتوسطة من تدني قدرتها الشرائية بفعل تراجع قيمة الدينار وارتفاع الأسعار الكبير. وتتراوح الضريبة على الدخل للأجراء في الجزائر ما بين 23 و35 في المئة حسب مستوى الدخل، فيما يعفى من يتقاضون أقل من 30 ألف دينار (حوالي 200 دولار) من الضريبة بقرار من الرئيس عبد المجيد تبون.