عيد الأم في لبنان.. ضيق العيش يسرق فرحة ست الحبايب
عربي تريند_ حتى عيد الأم، لم يسلم من تداعيات الأزمات التي يمر بها لبنان لا سيما الاقتصادية، إذ تحل المناسبة هذا العام، موقظًة الحزن في قلوب الكثير من الأمّهات، جرّاء بُعد أبنائهنّ عنهنّ، إما بسبب الهجرة غير النظامية أو حوادث لها علاقة بالأزمة.
ويصادف الاحتفال بعيد الأم (يطلق عليه البعض عيد ست الحبايب) في العالم العربي، في 21 مارس/ آذار من كلّ عام، بينما تختلف تواريخ الاحتفال به في دول أخرى.
لكن عيد الأم في لبنان لا يشبه غيره، فالأزمات الّتي تضرب البلاد، تضع الأمّهات في خانة فقدان أبنائهنّ، جرّاء الموت لحوادث متعلقة بالأزمات، أو الهجرة بحثًا عن حياة كريمة.
مات حريقًا
نجمة القنطار، من بلدة الدوسة، شمالي لبنان، فقدت نجلها علي جمال (28 عامًا)، وهو عنصر في الجيش اللّبناني، في انفجار خزّان للبنزين في بلدة التليل بقضاء عكار (شمال)، عندما ذهب إلى هناك لتأمين بنزين سيارته، في ظل أزمة طاحنة بالوقود كانت تعانيها البلاد.
وفي 15 أغسطس/ آب الماضي، انفجر خزّان وقود داخل قطعة أرض، كان قد صادره الجيش اللّبناني لتوزيع ما بداخله على المواطنين، ممّا أدّى إلى سقوط عدد من الضّحايا والمصابين بين مدنيّين وعسكريّين، وفق بيان سابق للجيش اللّبناني.
وتشير نجمة القنطار، لـ”الأناضول”، إلى أنّ ابنها علي كان يسهر معها في تلك اللّيلة، وعند الواحدة بعد منتصف اللّيل، ودّعها قائلًا إنّه سيذهب إلى منزله لينام، فعلي متزوج وهو أب لطفلة عمرها سنة واحدة.
وتضيف والدة الضحيّة: “بعد وقوع الانفجار، علِمت أنّ اثنين من أبنائي موجودان في الموقع”، متابعةً أنّ ابنها الأوّل أُصيب بحروق، والثّاني أي علي كانت حالته حرجة نتيجة الحروق، ونُقل إلى أحد مستشفيات طرابلس (شمال) ثمّ إلى بيروت وبعدها إلى تركيا، إلّا أنّه ما لبث أن فارق الحياة متأثّرًا بالحروق البليغة الّتي أُصيب بها.
وتكمل القنطار بحسرة: “ابني ذهب لكي يحصل على البنزين، لأنّه كان غير متوافر في الأسواق، وكان يريد تأمينه لكي يذهب إلى خدمته العسكريّة”.
والصّيف الماضي، فُقدت المحروقات من الأسواق اللّبنانيّة بسبب عدم توافر النّقد الأجنبي، الّذي كان يؤمّنه المصرف المركزي من أجل دعم استيراد تلك المواد.
ووقتها، شهدت مناطق لبنانيّة عدّة مداهمات أمنيّة لمحطّات وخزّانات وقود، يقوم أصحابها بإخفاء المحروقات (بنزين ومازوت) بغية احتكارها وبيعها بأسعار مرتفعة.
وتتابع أنّ “راتب علي الشّهري لا يكفيه، كما أنّ عليه ديونًا لم يتمّ إيفاءها حتى اليوم”.
وهذا هو العام الأوّل الّذي يمرّ عيد الأمّ، حيث يكون فيه علي بعيدًا عن والدته، الّتي جزمت باكيةً بأنّ “لا شيء يعوّضني عن خسارة ابني”.
وتستطرد: “كنت أتمنّى أن أخسر كلّ ما أملك ولا أخسر ابني، تعبتُ جدًّا لتربيته وشقيقه التّوأم”.
الهجرة بأقسى حللها
ليس الموت وحده ما يخطف الأبناء من أمهاتهم في لبنان، فالهجرة بمختلف أشكالها، نظامية وغير نظامية، هربًا من الصّعوبات المعيشيّة في هذا البلد، تشطر الأحبّاء عن بعضهم البعض.
هذا هو واقع الأم فاطمة المحمد، من شمال لبنان، الّتي هاجر ابنها أحمد صالح بطريقة غير نظامية إلى ألمانيا، باحثًا عن العيش الكريم.
وتتحدّث فاطمة عن السّبب خلف قرار أحمد بمغادرة لبنان، موضحةً أنّه “لا عمل لديه، ولا مستقبل في البلاد، فقرّر الهجرة”، مشدّدةً على أنّ الوضع في لبنان صعب.
وتُكمل أنّ “أحمد سافر من لبنان إلى صربيا، ومن هناك سار في الغابات الأوروبيّة لمدّة أسبوع كامل، حتّى وصل إلى ألمانيا”.
ولفتت إلى أنّه “تعذّب كثيرًا، فهو نام على الأرض وعانى من البرد والشّتاء والثّلج، إذ وصلت درجة الحرارة إلى 4 تحت الصّفر، كما أُلقي القبض عليه من قِبل الشّرطة النّمساويّة، حتّى استطاع منذ أيّام الوصول إلى ألمانيا”.
وتذكر أنّه يتواصل معها من وقت إلى آخر، مطمئنًا إيّاها بأنّه في حال أفضل.
وعن آخر اتصال حدث بينهما، قالت: “أخبرنا أحمد أنه وصل لألمانيا وسيسلم نفسه إلى السلطات الألمانية، طالباً اللجوء”.
ومع حلول عيد الأم، في ظل ابتعاد أحمد عن والدته، تقول الأخيرة والدّموع تملأ عينيها: “البيت فارغ من دونه، كنت أتمنّى أن يكون بقربي، لكنّني أيضًا أتمنّى له التّوفيق وأن أراه في أفضل حال”.
وبسبب الأزمة الاقتصاديّة في لبنان، زادت آمال المواطنين بالهجرة، وسط غياب أبسط حقوق الإنسان في البلد، من مأكل وطبابة وأمن وفرص عمل.
فخلال العام 2021، سجّل لبنان ارتفاعًا في عدد المهاجرين والمسافرين بنسبة 346 بالمئة، وفق دراسة بحثيّة أجرتها شركة “الدّوليّة للمعلومات” اللّبنانيّة (خاصّة).
وعزت الدّراسة أسباب ذلك إلى “الأزمة الاقتصاديّة والماليّة المتفاقمة، تدنّي مستوى الخدمات، ارتفاع الأسعار، وتآكل القدرة الشرائيّة؛ الّتي تدفع آلاف اللّبنانيّين للهجرة والسّفر بحثًا عن فرصة عمل أو تحسين ظروف الحياة”.
وفي يونيو/ حزيران الماضي، وصف البنك الدّولي الأزمة في لبنان بأنّها “الأكثر حدّة وقساوة في العالم”، وصنّفها ضمن أصعب ثلاث أزمات سُجّلت في التّاريخ منذ أواسط القرن التّاسع عشر.
وكانت قيمة اللّيرة اللّبنانيّة مقابل الدّولار الأمريكي مستقرّةً لأكثر من ربع قرن عند حدود 1515، إلّا أنّها تدهورت تدريجيًّا منذ أواخر 2019، ووصلت إلى حدود 33 ألف ليرة في يناير/ كانون الثّاني الماضي.
(الأناضول)