الحياد.. موقف عربي لحفظ توازنات الاقتصاد في أزمة أوكرانيا
باستثناء توصية من البنك المركزي العراقي، لم تخرج أية مواقف عربية سيادية واضحة بشأن الأزمة الأوكرانية، ما يؤشر فيما يبدو إلى محاولة لحفظ توازن العلاقات الاقتصادية في المقام الأول مع روسيا.
والأسبوع الماضي، اقترح البنك المركزي العراقي على الحكومة عدم إبرام أية عقود جديدة، وتعليق التعاملات المالية مع روسيا؛ إثر فرض وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على موسكو.
جاء ذلك في وثيقة رسمية صادرة عن البنك المركزي العراقي، موجهة إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، نشرتها وسائل إعلام محلية، بينها موقعا “الناس” و”شفق نيوز” الإخباريين.
لكن على مستوى الحكومات، التزمت الدول العربية وخاصة البلدان المنتجة للنفط إلى جانب مصر عدم الانحياز سواء إلى روسيا ومن خلفها حلفائها بصدارة الصين، أو الغرب من خلال أوكرانيا وحلفائها كالولايات المتحدة، وغالبية دول منطقة اليورو واليابان وأستراليا وكندا وكوريا الجنوبية.
ومرد الحياد العربي، يعود إلى أن الأزمة الحالية، ليست على تماس مباشر مع الولايات المتحدة أكبر اقتصاد عالمي وحليف معظم الدول العربية وأوكرانيا، لأسباب مرتبطة بكسر شوكة موسكو المتصاعدة.
سياسيا، واجهت عديد الدول العربية منذ مطلع الألفية الحالية، عدة تحديات وهزات منحتها خبرة في التعامل مع هذا النوع من الأزمات، قبل اتخاذ أي قرار أو موقف لصالح طرف على حساب آخر.
الذهب الأسود
نجحت الدول العربية المنتجة للنفط، في خلع “شوكها” بيدها دون مساعدة، في أزمة انهيار أسعار النفط منذ 2014 حتى النصف الأول 2021.
وتمكنت من تأسيس تحالف “أوبك+” بقيادة كل من السعودية وروسيا، ورفض أمريكي المشاركة منذ مطلع عام 2017، قضى بخفض إمدادات النفط للسوق العالمية، لإعادة الأسعار لمستويات عادلة من وجهة نظر المنتجين.
وفعلا، تمكن التحالف – بعيدا عن واشنطن – في زيادة سعر برميل النفط من متوسط 26 دولارا في فبراير/شباط 2016 إلى 40 دولارا مطلع 2017، ومتوسط 80 دولارا مطلع العام الجاري.
لاحقا، وفي أكثر من 10 مطالبات للرئيسين الأمريكي الحالي والسابق، بضرورة قيام تحالف “أوبك+” بضخ مزيد من النفط للأسواق، لم يستجب التحالف مطلقا لها، لإيمانه أن جهود 5 سنوات من إدارة السوق النفطية، يجب أن يتم بموافقة جميع الأعضاء الـ 23.
الإثنين، نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا قالت فيه إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان، رفضا الاستجابة لطلب البيت الأبيض، ترتيب مكالمة هاتفية مع الرئيس جو بايدن.
وتبحث واشنطن اليوم، من خلال حلفائها العرب منتجي الطاقة كالسعودية والإمارات والجزائر وقطر والعراق والكويت، الضغط على روسيا وحجب نفطها عن السوق، مقابل ضخ هذه البلدان مزيدا من الخام للأسواق.
إذ ما يزال النفط والغاز الروسيين مصدر قوة لموسكو التي تواصل إمدادات الغاز حتى اليوم لأوروبا، وتسجل مستوياتها القياسية، لعدم قدرة القارة العجوز على الاستغناء عن هذه السلعة الحيوية، فيما موسكو أكبر مصدّر غاز لها.
والسعودية أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك بمتوسط يومي 10.3 ملايين برميل يوميا، ولديها قدرة فورية على زيادة الإنتاج إلى 12 مليون برميل يوميا.
وتريد واشنطن أن تقوم الدول العربية النفطية بزيادة ضخ إنتاج النفط، لتعويض عقوبات قد تفرض على النفط الروسي على مستوى العالم، بقرار أمريكي.
وتنتج روسيا في اليوم 10.4 ملايين برميل نفط يوميا، تصدّر منه بين 5 – 5.5 ملايين برميل يوميا.
بينما الإمارات، امتنعت الشهر الماضي، إلى جانب الصين والهند، عن التصويت على مشروع قرار أمريكي وألباني في مجلس الأمن يدين الغزو الروسي لأوكرانيا ويطالب موسكو بسحب قواتها.
الإمارات لديها أسبابها التي تدفعها للامتناع عن التصويت، وهي أنها والسعودية تعرضتا للخذلان من إدارة بايدن بإزالة جماعة الحوثي اليمنية المدعومة إيرانيًا من قائمة الإرهاب العالمية.
ويتعرض البلدان العربيان إلى هجمات داخل أراضيهما بين الحين والآخر، من جماعة الحوثي عبر الطائرات المسيرة، في وقت تقترب إدارة بايدن من توقيع اتفاق نووي مع إيران.
وبالنسبة لبقية الدول العربية غير المنتجة للنفط، فرغم الدعم الأمريكي والتحالف الوثيق مع العديد منها، فإنها حتى اليوم غير مجبرة على الوقوف مع طرف على حساب آخر في الأزمة الأوكرانية.
لكن ذلك، قد يدفع واشنطن في فترة من الفترات إلى إحداث مزيد من الضغط عليها لتبني موقف يستنكر ويدين العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا.
(الأناضول)