إيكونوميست: تصعيد بوتين في أوكرانيا يجب مقابلته بتصميم من الغرب ووقفه عند حده
عربي تريند_ ذكرت مجلة “إيكونوميست” أن مقاومة الشعب الأوكراني للقوات الروسية “الغازية” تعتبر إلهاما للعالم، ولكنها ليست مقبولة للرئيس فلاديمير بوتين الذي يريد الانتصار في الحرب مهما كلف الأمر، حتى لو استخدم السلاح النووي.
وقالت المجلة إن أسبوعا من الحرب ليس كافيا لوقفها، لأن الرئيس الروسي لن يسحب قواته بسهولة. ومنذ البداية كان واضحا أن هذه حرب “تصعيد”. وهي كلمة مخففة لواقع قد يكون قذرا وكارثيا. وفي معناها القاسي، فالتصعيد يعني أنه مهما فعل العالم، يهدد بوتين بمزيد من العنف والدمار حتى لو عنى هذا اللجوء إلى السلاح النووي. ولهذا فهو يؤكد على العالم بضرورة التراجع وهو يشحذ سكينه للمذبحة. ولن ينسحب العالم، لأن ترك أوكرانيا لقدرها سيكون خطأ، ولن يوقف بوتين هناك.
فالتصعيد مثل المخدرات، إذ لو انتصر بوتين في أوكرانيا، فستكون وجهته القادمة جورجيا ومولدوفا أو دول البلطيق. ولن يتوقف حتى يتم وقفه. وتضيف المجلة أن التصعيد هو في قلب هذه الحرب، وبهذه الطريقة يحاول بوتين تحويل الهزيمة إلى نصر. وأثبتت الموجة الأولى للحرب بأنها عفنة مثل المجموعة (الكابال) التي خططت لها، وتماما مثل جهوده الأولى لإخضاع أوكرانيا.
ويبدو بوتين أنه آمن بدعايته، وأن البلد الذي غزاه ليس بلدا في الحقيقة. فالموجة الأولى من الحرب التي استخدم فيها مروحيات ووحدات خفيفة كان الغرض منها جعل العدو ينهار، لكن روح الأوكرانيين ولدت تحت النار. وتحول الرئيس فولودمير زيلينسكي إلى زعيم حرب يجسد شجاعة وتحدي شعبه.
وقالت المجلة إن تفاؤل بوتين جعله كسولا، فقد كان متأكدا من سقوط أوكرانيا لدرجة أنه لم يحضر شعبه للحرب. وتم إخبار بعض القوات أنها تقوم بمناورة أو أنه سيتم الترحيب بها كقوات محررة. ولم يكن هناك استعداد بين الأشقاء “السلاف” الذين يشعرون بالإهانة والقلق من تهور بوتين، وخاصة بعد التأكيد لهم أنه لن تكون هناك حرب.
واعتقد بوتين، أن الغرب “المنحط” سيتعامل معه كما في الماضي. وفي الحقيقة، أدى مثال أوكرانيا إلى تظاهرات في كل أنحاء العواصم الأوروبية. وفرضت الحكومات الغربية عقوبات قاسية، فيما قررت ألمانيا إرسال معدات قتالية مضادة للدبابات والطائرات الحربية، مع أنها وضعت قبل أسبوع خطاً وأنها لن تشارك عسكريا. وفي مواجهة هذه التداعيات السلبية، قرر بوتين التصعيد في أوكرانيا، وانتقل إلى حصار المدن الرئيسية واستدعى الدبابات الثقيلة لقتل المدنيين- جريمة حرب. وفي داخل روسيا، يحاول الرئيس تركيع المواطنين من خلال مضاعفة أكاذيبه وتعريضهم لإرهاب لم يروه منذ عهد ستالين. وأرسل تهديدات للغرب بأنه سيستخدم السلاح النووي.
وتقول المجلة إنه يجب على الغرب الوقوف أمام بوتين، وأن يُظهر مصداقية واستعدادا لمواجهته وجعله ينزف كل المصادر التي ساعدته على شن الحروب وانتهاك شعبه، حتى لو أدى هذا إلى أن يدفع الغرب الثمن الاقتصادي.
فالعقوبات التي فُرضت بعد ضم بوتين شبه جزيرة القرم عام 2014، كانت تعاني من تنازلات وثقوب. وبدلا من الردع، توصل الكرملين إلى نتيجة، وهي قدرته على العمل بدون خوف من العقاب. وبالمقارنة، فالعقوبات التي فرضت في 28 شباط/ فبراير المنصرم، أدت لانهيار الروبل، وتعد بشل النظام المالي الروسي. وهي عقوبات فعالة؛ لأنها مدمرة.
وتقول المجلة إن مخاطر التصعيد هي امتحان لمن يريد المضي إلى أبعد حد. فالحروب الأخيرة كانت غير متكافئة، فالقاعدة وتنظيم “الدولة” ربما قاما بارتكاب جرائم، إلا أن قوتهما كانت محدودة. ويمكن للولايات المتحدة تدمير الكرة الأرضية، لكن أحدا لم يتخيل أنها مستعدة لعمل هذا في حربها ضد طالبان في أفغانستان.
وغزو بوتين لأوكرانيا مختلف؛ لأن بوتين يزحف إلى المعركة الفاصلة والمدمرة (أرمجدون) ويريد من العالم تصديق أقواله. ومن غير المحتمل لجوء الرئيس الروسي للأسلحة النووية، لكن هذا ليس ممكنا. فقد غزا جارته وعلى العالم ردعه.
ويرى البعض أنه لا يوجد داع لإنقاذ أوكرانيا من أجل أن تشتعل حرب قد تدمر الحضارة، إلا أن هذا يعد خيارا غير صائب. ويقول بوتين إنه يريد إخراج الناتو من دول حلف وارسو سابقا، وطرد أمريكا من أوروبا، وإذا خدمه التصعيد، ففي المواجهة القادمة سيعرف أن أوروبا لن تستطيع الصمود أمامه. وربما قال آخرون إن بوتين مجنون ولا فائدة من ردعه.
وتقول إيكونوميست إنه هذا “صحيح”. فأهدافه مقيتة وكذا أساليبه، ولا يضع مصالح روسيا في جوهر ما يقوم به. ولكنه يفهم القوة وكيفية الحفاظ عليها. وبالمقارنة، هناك آخرون يريدون طريقا قصيرا للتصعيد، ويقولون إنه يجب وقف بوتين قبل أن فوات الأوان. فمع ظهور الصور المؤلمة للسكان من بين الأنقاض، تتزايد المطالب للناتو بإقامة منطقة حظر جوي، وهذا يقتضي تدمير الطيران والدفاعات الروسية.
وبدلا من ذلك، على الناتو الحفاظ على خط واضح بين الهجوم على روسيا ودعم أوكرانيا. والسؤال هو عن كيفية ردع بوتين بدون ارتكاب كارثة؟ والجواب هو عند زيلينسكي وشعبه وقدرتهم على مواصلة القتال. ولو زاد بوتين حمام الدم، فعلى الغرب تضييق الخناق عليه وفرض حظر على النفط الروسي بشكل يدمر اقتصاد روسيا. ويجب أن يرسل داعموا أوكرانيا أسلحة متقدمة والمزيد منها. ويمكن للناتو نشر قوات في دول المواجهة.
والدبلوماسية مهمة أيضا، ففي محادثات السلام هذا الأسبوع في بيلاروسيا، ظلت روسيا تصرّ على مطالبها الصارخة، لكن يجب استمرار الحوار لمنع حرب الاستنزاف. وفتح الاتحاد الأوروبي حدوده واستقبل اللاجئين الأوكرانيين الذين زاد عددهم عن مليون. ويمكن أن يكون لدى المفاوضين الأوكرانيين ورقة قوية لو تم قبول عضوية بلدهم في الاتحاد الأوروبي.
ورفضت الصين والهند شجب غزو بوتين، لكن تصعيده قد يدفعهما لإقناعه بالتوقف. وهناك مزيد من العمل يجب إنجازه، وهو أن يعلم القادة في الجيش الروسي أنهم سيكونون عرضة للمحاكمات من خلال المواد الضخمة التي جمعتها الهواتف الذكية، وأيضا الذين يساعدونهم. فالأوليغارش قدموا الدعم لحشو جيوب قادة الجيش الروسي بالمال لا لتذكرة سفر إلى محكمة الجنايات الدولية. ويمكن للغرب أن يطمئنهم سرا على مستقبلهم لو قرروا التحرك ضد بوتين بشكل يسمح لروسيا ببداية جديدة.
ومهما كان “قرف” الغرب من بوتين، فيجب منحه طريقا للتقاعد والنسيان، مثلما تمنح اللجوء لمن يهربون من إرهابه.
ولا تستبعد المجلة إمكانية انقلاب في القصر إذا تبيّن رعب ما فعله بوتين. ويواجه الاقتصاد الروسي كارثة، ويتزايد عدد القتلى بين الجنود الروس، وتم ذبح العلاقة الروسية- الأوكرانية في هذه الحرب التي شنت لإرضاء رغبة رجل واحد.