إيكونوميست: الركود الاقتصادي نقطة ضعف الرئيس التونسي.. والمعارضة ضعيفة لتتحداه
قالت مجلة “إيكونوميست” في عددها الأخير إن الرئيس التونسي قيس سعيد يواجه أزمة ركود اقتصادي ولكن المعارضة منقسمة لكي تستفيد من الوضع.
وتحت عنوان “روبو كوب يواجه منعطفا صعبا” أشارت إلى اللقب الذي يستخدم لوصف الرئيس وطريقة حديثه، وقالت المجلة إن سعيد في حملته الانتخابية عام 2019 أكد على لقبه “روبو كوب” وعزز أسلوب حديثه الميكانيكي واستحق اللقب كرئيس، حيث قام باستهداف منهجي لمؤسسات الديمقراطية. ففي تموز/يوليو قام بتعليق البرلمان وعزل الحكومة وألغى معظم الدستور.
وحول نظام الحكم تجاه النظام الرئاسي، ومع أنه عين رئيسة للوزراء في أيلول/سبتمبر إلا أنها سياسية مبتدئة وسلطاتها مقيدة. والآن سلط تركيزه على القضاء، ففي 6 شباط/فبراير هدد سعيد بتعليق مجلس القضاء الأعلى، وهو هيئة دستورية توصي بتعيين القضاة وتشرف على عملهم. وبعبارات الرئيس فالمجلس فاسد ولا دواء له و”لا تستطيع تخيل ما حصل عليه بعض القضاة من مال”.
ورغم المبالغة في كلامه إلا أن ما قاله ضرب على وتر حساس، فمثل المؤسسات الأخرى في مرحلة ما بعد الثورة اتسم القضاء بالبطء في معاقبة الفاسدين. ووصف القضاة قرار الرئيس بأنه تعد على فرعهم في الحكم. وبعد أسبوع استبدل سعيد المجلس بواحد “مؤقت” وانتحل سلطة تعيين وعزل القضاة بسبب “سوء التصرف”. ويقول سعيد بن ربيعة المدير الإقليمي للجنة الدولية للحقوقيين إن المرسوم الصادر عن الرئيس “أنهى مظاهر استقلالية القضاء”.
ولم يحظ قراره إلا برد صامت، وربما تظاهر حوالي 2.000 شخص على الإجراءات الأخيرة لكنها ليست كالتظاهرات التي شارك فيها آلاف المتظاهرين الذين كانوا يتدفقون على العاصمة في الماضي. وهناك قلة من التونسيين مهتمة بحكم الرجل الواحد. وتأتي المعارضة من الجماعات التي تتأثر بسياسات سعيد مثل السياسيين والقضاة ولكنهم منقسمون فيما بينهم وليست لديهم القدرة على تحديه. والنقد الأوضح لسياسات الرجل الواحد يأتي من حركة النهضة، الحزب الإسلامي الذي قاد التشاركية في البرلمان المعلق الآن. واتسمت مواقف سعيد بالقسوة تجاه أفراده وحملهم مسؤولية العجز في تونس ما بعد الثورة عام 2011.
وتم اعتقال نور الدين البحيري، وزير العدل السابق ونائب زعيم الحركة في كانون الأول/ديسمبر وبدون توجيه تهم إليه. ولكن القوى السياسية الأخرى في المعارضة لا تساعد النهضة على مواجهة النظام، فمعسكر اليسار لا يحب الإسلاميين ودعمهم لفكرة السوق الحر، أما العلمانيون فهم فرحون بتحميل الإسلاميين مسؤولية مشاكل البلد وتبرئة أنفسهم.
وبات عدد من الساسة حتى من دعموا حركة سعيد للاستيلاء على السلطة يصفون تحركه بالانقلاب. ولو كانوا جميعا غير مرتاحين من طرقه غير الديمقراطية إلا أنهم جميعا لا يمانعون استبعاد الإسلاميين من الحياة السياسية. ونتيجة لهذا، يمنع الانقسام الأيديولوجي الذي رافق تونس خلال العقد الماضي من بناء جبهة موحدة لمواجهة الرئيس. وتعاني منظمات المجتمع المدني من نفس الانقسام. ولا يمكن لأي رئيس تونسي الحكم بدون دعم الاتحاد العام للشغل التونسي والذي فاز بجائزة نوبل عام 2015 لمساعدته في نزع فتيل الأزمة السياسية. وباستثناء بعض البيانات الشديدة فلم يلعب الاتحاد العام أي دور في الحياة السياسية منذ سبعة أشهر. والسبب هو انقسام قيادته والمخاوف من أن تتعرض سلطتهم للخطر لو اتخذوا مواقف متشددة من سعيد.
ولا يطالب الكثير من التونسيين بمواقف متشددة، فالتظاهرات كانت علامة في الحياة التونسية بعد الثورة. فقد أشعل قرار زيادة الضرائب عام 2018 تظاهرات على مستوى البلاد استمرت أسبوعا. وتظاهر الكثيرون في عام 2017 ضد قانون مقترح تم تمريره لاحقا ومنح العفو عن أعضاء نظام زين العابدين بن علي الذي انتهى عام 2011. وظلت الشوارع منذ تموز/يوليو هادئة نسبيا.
ويعلق هيثم الكوسمي الناشط السياسي “يحتاج الناس إلى سبب جيد للتظاهر، الوضع خطير”. وقال إن سعيد لم يتخذ أي قرار أضر بالشباب أو الفقراء. ولن يدافع إلا القلة عن القضاة الذين حرفوا نظرهم عندما كانت الشرطة تضرب المتظاهرين، مشيرا إلى أن سعيد “هو سلعة جديدة” ولا “يزال في مرحلة التجربة”.
وتشير الاستطلاعات التونسية، التي قد لا تكون موثوقة، إلى أن سعيد يخسر شعبيته، لكن لا يزال يحظى بدعم. وأشار مركز استطلاعات “إنسايت تي أن” إلى أن غالبية المشاركين في استطلاع تعتقد أن ما قام به كان “انقلابا” وهم “خائفون على الديمقراطية”. ووجدت شركة استشارات، إمرهود أن 67% من الرأي العام راض عن أداء الرئيس، بتراجع 15 نقطة، لكنها نسبة تثير حسد معظم الساسة في تونس.
وتقول هندا شناوي، الناشطة “الناس هنا لا يهتمون بالأمور الفنية المتعلقة بالديمقراطية” و”يريدون التغيير ويريدون أرضا ووظائف”. وتقول المجلة إن الإحباط من أداء الاقتصاد الضعيف دفع بسعيد عام 2019 إلى سدة الحكم، لكن حكومته لم تقدم إلا القليل لتقويته. وفي عام 2020 واجهت وباء كوفيد-19 مما أدى لتراجع الناتج الوطني العام بنسبة 9% فيما وصفه صندوق النقد الدولي أسوأ ركود يواجه تونس منذ استقلالها عام 1956.
ورغم انتعاش الاقتصاد إلا أنه لا يزال ضعيفا ووصلت نسبة البطالة إلى 18%. ويتساءل البعض إن كان سعيد قد بذر بذور انهياره، فمع زيادة الإحباط من الوضع الاقتصادي ستتراجع شعبيته. والجانب السلبي لحكم الرجل الواحد هو أن هناك رجلا واحدا يتحمل المسؤولية. ولو قاد الوضع إلى تظاهرات شعبية، فلربما أمر الرئيس الذي يتحدث عادة بنبرة مظلمة عن نظريات المؤامرة بممارسة القمع. ويقال إن الجيش الذي ظل بعيدا عن السياسة غير مرتاح من توجه البلد. وبعد تفكيكه معظم مؤسسات الدولة فقد يواجه سعيد شعبا غاضبا وبعدد قليل من الحلفاء.