واشنطن بوست: مشكلة أوكرانيا ليس كراهيتها لبوتين ولكن خلافات قادتها وتحاربهم فيما بينهم
عربي تريند_ نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقال رأي للمعلق ديفيد إغناطيوس ناقش فيه الأزمة الأوكرانية قائلا، إن المشكلة في أوكرانيا ليست الاتفاق على مواجهة التهديد الروسي ولكن الخلافات السياسية التي قد تعقد الحرب ضد موسكو. وقال “عشية ما يمكن أن يكون غزوا روسيا يبدو الأوكرانيون في حالة اتحاد ضد التهديد القادم من موسكو. ولكنهم يواجهون بعضهم البعض لتحقيق تميز سياسي في كييف. فالاقتتال السياسي هو تهمة لديمقراطية غير منظمة تقف ضد دولة ديكتاتورية شرسة”. وقال إن المخاوف من التشرذم السياسي الداخلي كان وراء إرسال وفد من الدبلوماسيين الأمريكيين إلى كييف في الشهر وبهدف تقديم الدعم لأوكرانيا ومناشدة الرئيس فولدمور زيلنسكي الحوار مع معارضيه السياسيين وتشكيل جبهة موحدة. ورفض الطلب، ويبدو، على الأقل في الوقت الحالي، قلقا من استغلال منافسيه تنازلاته. ومثل ويليام تيلور، السفير الأمريكي السابق في كييف الجماعة التي تشكلت من سفراء سابقين وزاروا الرئيس زيلنسكي في 31 كانون الثاني/يناير في رحلة نظمها المجلس الأطلنطي. ورغم المأزق الحالي، أخبر تيلور الكاتب قائلا: “لو اجتاز الروس الحدود فأنا متأكد من وقوفهم مع زيلنسكي” أي المعارضة السياسية. والصراع من أجل الوحدة السياسية في أوكرانيا هو تذكير بهشاشة البلد في المواجهة المستمرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولا ينقص الأوكرانيون الشعور بالوطنية ولكنهم يعانون من مشكلة التنظيم. ففي وقت كانت في البلد ديمقراطية حية تتحكم بها طبقة رجال المصالح إلا أن “ديمقراطيتها الغربية” في أسوأ حالات الفوضى. فالساسة المتحاربون في أوكرانيا والذين يدعمهم أصحاب مصالح يتنافسون فيما بينهم يقفون على طرف النقيض من حكم الرجل الواحد الذي يمثله بوتين في موسكو.
وكتبت السفيرة الأمريكية السابقة في كييف ماري يانوكوفيتس بمذكراتها التي صدرت الشهر الماضي “دروس من الهاوية” “في روسيا عام 2014 قام بوتين ورجال كي جي بي السابقين العاملين معه بتحييد أصحاب المصالح وبشكل كامل، وتأكدوا من أن الاقتصاد والسياسة أصبحت في قبضتهم. وبالمقارنة، ففي أوكرانيا، لم يحدث هذا”. ويرى الكاتب أن الدراما الداخلية في أوكرانيا مهمة ويجب فحصها الآن وقبل غزو روسي مباشر، لأنها تكشف عن خطوط الصدع والاختلافات والتعرجات التي يمكن لبوتين استغلالها.
وفي الوقت الذي يتسم فيه النسيج السياسي الأوكراني بالتشتت فإن تاريخها الحديث يظهر أن شعبها قوي وصعب المراس في مواجهة المحاولات الروسية التلاعب بمصير بلدهم والمتواصلة منذ عام 2014. ولو بدا زيلنسكي وبقية الأوكرانيين غير مهتمين بالتهديد الروسي على بلادهم، بنفس الدرجة التي يتعامل فيها المسؤولون الأمريكيون مع الوضع، فهذا راجع إلى أن التهديد الروسي مزمن، وهو أمر تعلم الناس العيش والتعايش معه. فقد تحدى الأوكرانيون روسيا في “الثورة البرتقالية” والتي جلبت رئيسا مواليا للغرب في عام 2004، وأطاحوا في ساحة ميدان “ثورة الكرامة” بالرئيس الموالي لموسكو في عام 2014.
يختلف الأوكرانيون هذه الأيام على عدة أمور ويجمعون على كراهيتهم لبوتين.
وأدت محاولات بوتين قمع الميول نحو الغرب إلى تراجع شعبيته. ويختلف الأوكرانيون هذه الأيام على عدة أمور ويجمعون على كراهيتهم لبوتين. وربما لم يكن زيلنسكي الرئيس المتوقع الذي جاء إلى السلطة من التلفزيون عام 2019. فقد أثار برنامجه الكوميدي “خادم الشعب” اهتمام الناس، ولعب فيه دور المدرس المثالي وانتخب رئيسا بعدما نشر طلابه منشورا يهاجم جماعات المصالح. وأعجب الأوكرانيون بالبرنامج ونكات زيلنسكي حول الانتخابات المحلية والتعليقات الموجهة ضد بوتين، مما أدى لمنعه من تلفزيون روسي.
وكصورة عن مثالية الشعب الأوكراني فقد صوتت نسبة 73% لصالح الرئيس الحقيقي. وكان زيلنسكي في النهاية مدعوما من جماعات المصالح، ووقف وراءه رجال الأعمال إيهور كولومويسكي صاحب محطة 1+1 التلفزيونية والتي بثت برنامج “خادم الشعب”. وكان كولومويسكي معروفا في مراسلات السفارة الأمريكية “بالعميل الخاص كي”. ويعتبر أكبر منافس لزيلنسكي الآن هو الرئيس السابق بترو بوروشنكو، الملياردير الذي يملك أهم محطة تلفزيونية في أوكرانيا. ولا تحظى روسيا بشعبية حتى بين جماعات المصالح. وعندما التقى ببوروشنكو الشهر الماضي في كييف، فقد ظل يداور بين الهجوم على زيلنسكي الذي اتهمه بالفشل في إدارة المواجهة مع موسكو وتعهده بالانضمام إلى حكومة وحدة وطنية لإنقاذ البلاد. وبدلا من اجتذاب معارضيه هاجمهم زيلنسكي واتهم الملياردير رينات أحمدوف بالتآمر عليه وأخضع بوروشنكو للتحقيق في كانون الأول/ديسمبر. وربما كانت خطوات جيدة للإعلام لكنها لم تكن حكيمة. ويقع العبء على الكوميدي زيلنسكي لمواجهة بوتين الصارم وذو الوجه البارد. ولا يستطيع القيام بالمهمة لوحده. وهو بحاجة لدعم من الداخل والخارج وسيحصل عليها لو قدم الوحدة الوطنية على خلافاته الشخصية. وفي النسخة الحقيقية كما في الكوميدية يرغب الناس بفوز الرجل الطيب.