مدارس لبنان… عودة إلى التعليم الحضوري وسط الانهيار الشامل
عربي تريند_ تستأنف مدارس لبنان، بعد غد الإثنين، التعليم الحضوري بعد عطلة أعياد طويلة “محصّنة” نفسها صحياً بإجراءات وقائية لمواجهة فيروس كورونا الجديد من دون أن تتسلّح اقتصادياً للوقوف في وجه الانهيار المالي المعيشي. وعلى الرغم من إعلان وزير التربية والتعليم عباس الحلبي عن فتح المدارس أبوابها في العاشر من يناير/ كانون الثاني الجاري، تكثر التحذيرات من أن العام الدراسي بات في دائرة الخطر، كما أن الإضرابات متواصلة في التعليم الرسمي وعدد كبير من المدارس الخاصة مهدد جدياً بالإقفال.
يقول الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب يوسف نصر، لـ”العربي الجديد”، إن “الموضوع الصحي في غاية الأهمية، ولكن لا يكفي التركيز عليه فقط، إذ إن المدارس أمام معاناة كبيرة وتستغيث للبقاء والصمود، وهناك عدد كبير منها مهدد جدياً بالإقفال، ولا سيما في الأطراف والقرى الجبلية وتلك المجانية التي يفوق عددها 300 مدرسة، في حال لم تتدخل الدولة سريعاً للمساندة ووضع حلول متكاملة شاملة لا ظرفية ولا مؤقتة”، يتابع: “الأعباء كبيرة جداً على المؤسسات التربوية، وهناك تململ من قبل الهيئة التعليمية في المؤسسات التربوية الخاصة ومعاناة كبيرة من قبل الأهالي في دفع الأقساط. بالتالي، على المؤسسة التربوية تأمين الأعباء الباهظة ومصاريف التشغيل. وفي الوقت نفسه، تريد الوقوف إلى جانب المعلمين ليتمكنوا من الحضور إلى المدرسة، وفي المقابل، فهي ليست قادرة على تحميل الأهل أعباء إضافية كبيرة في ظل معاناتهم”.
ويسأل نصر: “إلى متى ستبقى المدارس صامدة في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة وبالأخص في ظل غياب مساندة الدولة لها”، ويقول: “لا يجوز أن تقف الدولة مكتوفة الأيدي ومتفرجة على ما تعانيه المؤسسات التربوية. ونحن نعلم أن وزارة التربية حريصة على استمرارية العام الدراسي وألا يتوقف بعد انتهاء الفصل الأول، ولكن كم ستتحمل المدارس وتستمر بأداء رسالتها؟”.
ويشير نصر إلى أن “بعض المساعدات التي تعطى لا تكفي وليست ممنهجة وبالتالي لا ديمومة للمؤسسات في حال بقيت المساعدات ظرفية ووقتية، فنحن نتحدث عن عام دراسي وأكثر”، موضحاً أنه يتوجّب على الدولة أن تنظر إلى المؤسسات التربوية، سواء من خلال صرف مبلغ 500 مليار ليرة لبنانية (الدولار يساوي نحو 29500 ليرة بحسب سعر الصرف في السوق السوداء)، أو دفع مستحقات المدارس المجانية، أو من خلال تحمّل أعباء الكهرباء والمازوت والوقود وبدل النقل”.
وكان رئيس الجمهورية ميشال عون قد وقّع في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي القانون رقم 247 الذي ينصّ على تخصيص 500 مليار ليرة كمساهمة في جزء من أقساط التلامذة اللبنانيين في المدارس الخاصة غير المجانية عن العام الدراسي 2019 – 2020 (350 مليار ليرة)، ودعم صناديق المدارس والثانويات والمعاهد الرسمية (150 مليار ليرة).
بدوره، يطالب الأمين العام السابق للمدارس الكاثوليكية ومدير إحدى المدارس الخاصة في لبنان الأب بطرس عازار بإنقاذ المدارس، ولا سيما الخاصة، التي تقع ضحية التعليم الرسمي في كثير من المحطات والمراحل، ويقول: “سنفتح أبوابنا يوم الإثنين، ولكن على ماذا حصلنا في المقابل؟ لا خطة مدروسة لحماية الجميع. ينصبّ تركيز المساعدات على التعليم الرسمي وكأن المدارس الخاصة لا تواجه تحديات وجودية كبيرة، فنحن أمام واقع صعب، إذ إن الأهالي غير قادرين على دفع الأقساط، والمدارس غير قادرة إلا على تأمين مبلغ زهيد لتسيير أعمال المدرسة، عدا عن وجع الأساتذة الذين ما عادت رواتبهم تساوي شيئاً وباتوا عاجزين عن تعبئة الوقود لسياراتهم للوصول إلى المدارس”.طلاب وشباب
ويقول: “قد نتخذ موقفاً نبلغه للأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية واتحاد المؤسسات التربوية الخاصة في لبنان. فالشعارات بالصمود لن تؤدي إلى نتيجة، ونحتاج إلى خطوات ملموسة لتأمين استمرارية العام الدراسي الحالي على الأقل”، لافتاً إلى أن المدارس الخاصة تواجه خطر الإقفال عدا عن هجرة عدد كبير من الأساتذة، يتابع أن “الوضع بات يحتاج إلى مؤتمر تربوي تشارك فيه جميع الفعاليات الاقتصادية والسياسية والتعليمية والتربوية والاجتماعية والإدارية لتأمين مستقبل لبنان والتعليم في البلاد”.
من جهتها، تقول رئيسة اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي نسرين شاهين، لـ”العربي الجديد”، إنه لا يمكن للمسؤولين الحديث عن العودة إلى التدريس من دون منح الأساتذة أو حتى الطلاب حقوقهم، وتؤكد أنّ الأساتذة المتعاقدين هم آخر الذين يحصلون على أبسط حقوقهم إذا لم تصل إليهم المنح الاجتماعية ولا مبلغ التسعين دولاراً الذي يفترض تقاضيه، ولا زيادة لبدل النقل أو بدل ساعة العمل من 20 ألف ليرة إلى 36 ألف ليرة.
وتلفت شاهين إلى أن “70 في المائة من الكادر التربوي في التعليم الرسمي من الأساتذة المتعاقدين ولا رواتب شهرية لهم، بل يتقاضون أتعابهم 3 مرات في السنة، كما أنهم من دون ضمان اجتماعي، فإذا كان المعلمون الذين يتقاضون راتباً شهرياً ونالوا زيادة بدل نقل غير قادرين على الصمود بالحد الأدنى، فكيف هي إذاً حال الأساتذة المتعاقدين الذين مرّت ثلاثة أشهر ولم يقبضوا شيئاً، وسينتهي العام الدراسي ولم نحصل على أي زيادة أو مساعدة وُعدنا بها
وتقول شاهين إن “البنك الدولي خصص 37 مليون دولار كحوافز مالية لمعلمي المدارس الرسمية ولكنهم خصصوا مبالغ منها لتغطية العجز في المدارس الرسمية، علماً أننا لا نعرف شيئاً بعد بشأن اعتمادات وزارة التربية والتعليم وكيف صرفت هذه الأموال”.
إلى ذلك، يقول رئيس رابطة التعليم الأساسي في لبنان حسين جواد، لـ”العربي الجديد”، إن “الرابطة ترفض العودة إلى التعليم الحضوري لسببين، الأول صحي نتيجة وسائل الوقاية غير المؤمنة للمدارس وعدم توفر فحوصات كورونا (PCR) مجانية للمعلمين والتلامذة رغم الوعود التي نسمعها، والثاني والأهم اقتصادي، إذ لم يعد بمقدور الأساتذة أصلاً الذهاب إلى المدرسة في ظل تحليق أسعار الوقود”.
ويلفت جواد إلى أن “الرابطة فكت الإضراب سابقاً نتيجة وعود الحكومة التي سرعان ما نكثت بها، سواء على صعيد حصول الأساتذة في الملاك والتعاقد والمستعان بهم على مبلغ تسعين دولاراً في الشهر، وتقديم مساعدة نصف أساس راتب إضافية شهرية لأساتذة الملاك، وزيادة بدل النقل إلى 64 ألف ليرة، مع العلم أن أسعار المحروقات ارتفعت كثيراً منذ تاريخ الاتفاق وحتى اليوم وهي في مسار تصاعدي مستمرّ، بيد أن هذه الوعود لم تترجم بعد تنفيذاً، وما وزع من مبالغ كان انتقائياً وبلا معايير واضحة”.
تبعاً لذلك، يؤكد جواد أنه على الرغم من إعلان رئيس الوزراء نجيب ميقاتي الإفراج عن الاستحقاقات المالية، “بيد أننا لم نلمس شيئاً، ونحن مستمرون في إضرابنا إلى حين تحصيل حقوقنا ووضع مسار زمني لتصحيح الأجور وصرف جميع الحوافز المالية وتنفيذ كامل الوعود، لا أن تبقى حبراً على ورق”.
أما رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة لمى الطويل، فتقول لـ”العربي الجديد”، إن “العودة ضرورية ويجب أن تترافق مع إجراءات رقابية صارمة لمنع تفشي كوفيد-19، إذ لا يمكن خسارة عام دراسي ثالث على الرغم من المشاكل الاقتصادية الحادة وحتى الاستشفائية في ظل الفاتورة الباهظة وصعوبة الوصول إلى الدواء، إذ إن الأمن التربوي في لبنان بخطر”.
وتؤكد الطويل أن “الوضع مخيف جداً وضبابي والعام الدراسي في خطر، وخصوصاً مصير الامتحانات الرسمية في ظل التوقف المستمر للتدريس في المدارس الرسمية التي لم تفتح أبوابها بشكل طبيعي بعد مرور 3 أشهر على انطلاق العام الدراسي. من هنا، يتوجب على الدولة أن تتدخل وتتدارك الوضع وإلا فنحن ذاهبون إلى كارثة”. وفي 18 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلن رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، عقب ترؤسه اجتماع لجنة تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية على سير المرفق العام، عن سلسلة قرارات، أبرزها إقرار بدل نقل يومي حضوري قدره 64 ألف ليرة، ودفع مساعدة اجتماعية قدرها نصف راتب عن شهري نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول قبل الأعياد، على ألا تقل عن مليون ونصف المليون ليرة لبنانية، وألا تزيد عن 3 ملايين ليرة. وتشمل المنحة الاجتماعية كل من يخدم المرفق العام في القطاع العام، من موظفين وأجراء ومستخدمين ومتعاقدين ومتقاعدين وعمال الفاتورة وسواهم.كوفيد-19
إلى ذلك، أعلنت نقابة المعلمين في المدارس الخاصة عدم العودة للتدريس الإثنين لمدة أسبوع قابلة للتجديد إلى حين تحقيق مقومات العودة الصحية السليمة للتعليم الحضوري، وفتح باب الحوار الجدي بغية إيجاد الحلول العملية للأزمة الاقتصادية المالية لمعلمي القطاع الخاص.
وشددت النقابة على أن “الخطر الاقتصادي والمالي بحق المعلمين ليس أقل من الخطر الصحي، إذ أن الحاجة أصبحت أكثر بكثير من الحقوق القانونية في ظل الانخفاض غير المسبوق لقيمة العملة الوطنية في مقابل الدولار والتراجع المخيف للقيمة الشرائية والأجور. وهذا الوضع أصبح يشكل التهديد الأول لاستمرار العام الدراسي وإنهائه”.