انتقادات داخل إسرائيل لثرثرة ساستها وغطرسة تصريحاتهم في التهديدات لإيران
عربي تريند_ وصل رئيس الموساد إلى واشنطن الأحد وسيتبعه بعد يومين وزير الأمن في حكومة الاحتلال بيني غانتس ضمن جهد إسرائيلي محموم لدفع الولايات المتحدة لأن تشهر عصا غليظة بوجه إيران وتشدد العقوبات الاقتصادية عليها وجعلها تقتنع بأن الخيار العسكري مطروح فعلا على الأجندة بحال فشلت مفاوضات فينا حول مشروعها النووي.
يتزامن ذلك مع انتهاء جولة مفاوضات عقيمة في فينا توقفت السبت ومن المفترض أن تستأنف في الأسبوع القادم وفي الأثناء يعرب قادة أمريكيون عن غضبهم على الموقف الإيراني الاستفزازي، فيما تحاول الصين وروسيا استئناف المفاوضات واسترجاعها لمسارها دون الطلبات الجديدة التي تطرحها طهران ولم تكن موجودة ضمن اتفاق فينا الأصلي من العام 2015 وتعتبرها الولايات المتحدة استفزازا.
وبعد زيارة وزير خارجية حكومة الاحتلال يائير لابيد في أوروبا قبل أكثر من أسبوع تقترح فرنسا وبريطانيا ضمّ إسرائيل والإمارات لعملية التقييمات التي تتم بين الدول وتسبق اللقاءات مع فريق المفاوضين الإيرانيين.
وقالت مصادر إسرائيلية الأحد إن الجانب الأمريكي يجري تقييمات عما إذا كان من الممكن استئناف المفاوضات في فينا بعد إبداء إيران موقفا متّشددا زاعمة أن مندوبي الصين وروسيا أيضا يبدون غضبهم من الموقف الإيراني.
وأوضح موقع “واينت” أن القادة الإسرائيليين على تنسيق كامل رغم اختلاف أسلوب كل منهم وتجمعهم رسالة موحدة موجهة للولايات المتحدة مفادها أنه ينبغي تضييق الخناق وتشديد العقوبات على إيران وفي المقابل مطالبتها وإقناعها بإشهار عصا غليظة والكشف عن أنيابها عبر طرح تهديد عسكري.
وعبّر عن ذلك رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست ونائب سابق لرئيس الموساد رام بن براك بقوله للإذاعة العبرية العامة الأحد إن إسرائيل بدأت تجري مداولات هادئة مع واشنطن وإقناعها بعمليات التضليل التي تقوم بها إيران وبالتالي ضرورة قيام الولايات المتحدة بمناورات مشتركة مع إسرائيل ودفع قوات معززة لمنطقة الشرق الأوسط ترهب طهران وتدفعها للامتثال لمطالب المجتمع الدولي كما تطرح في مفاوضات فينا.
وكان رئيس إسرائيل يتسحاق هرتسوغ قد انضم لتهديدات سبق وأطلق رئيس حكومتها نفتالي بينيت داعيا الولايات المتحدة لمعاقبة إيران وتصعيد العقوبات. واستند نفتالي بينيت بتهديداته على تقرير سابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية يؤكد أن إيران تقدمت في تخصيب اليورانيوم كما وكيفا في منشأة نووية في باطن الأرض.
ويصل رئيس الموساد دادي برنياع إلى واشنطن ضمن مساعي إسرائيل لزيادة الخناق على إيران ومن المتوقع أن يجري سلسلة لقاءات مع مسؤولين أمريكيين وسيتبعه وزير الأمن بيني غانتس وسيجتمع هو الآخر مع نظيره الأمريكي انتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد اوستين وسيطالب برنياع وغانتس الولايات المتحدة بصياغة خطة احتياطية بحال انهارت المفاوضات في فينا وذلك بهدف زيادة الضغط على إيران في المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري.
رئيس الموساد يصل واشنطن وغانتس على الطريق
يشار إلى أن رئيس الموساد كان قد أطلق قبيل سفره للولايات المتحدة تهديدات قاطعة لإيران قال فيها إن طهران لن تحصل على قنبلة نووية وإنه يتعهد ذلك شخصيا وأثارت هذه التصريحات انتقادات داخل إسرائيل أيضا اعتبرتها تكرارا لتهديدات فارغة تمس بقوة ردع وهيبة إسرائيل وتسيء للعلاقات مع الولايات المتحدة.
براك: إيران على بعد شهور فقط من “دولة على عتبة النووي”
وعلى خلفية التهديدات المتتالية والموتورة الصادرة عن مسؤولين إسرائيليين دعا رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود باراك للكف عن الثرثرة وعن التصريحات الإعلامية “الفارغة”، محذرا من أن إيران باتت على مسافة شهور من التحوّل لدولة على عتبة أو حافة النووي.
وفي حديث للقناة 12 الإسرائيلية قال باراك إن هذا ليس تهديدا وجوديا على إسرائيل ولكنه استراتيجي سيؤدي لتغيرات جيوسياسية خطيرة في الشرق الأوسط وله تبعات مضرة على كل العالم. وحمل براك على حليفه السابق خصمه الراهن رئيس المعارضة بنيامين نتنياهو وقال إن السياسة الإسرائيلية مقابل إيران منذ 2015 تجسدّ عملية إفلاس وإن الاتفاق مع إيران من 2015 سيء لكنه صار حقيقة ونتنياهو اختار الصدام مع أوباما.
وأضاف “جاء إلغاء الاتفاق عام 2018 من قبل ترامب وبتشجيع من نتنياهو خطوة فارغة مكّن إيران من التقدم نحو دولة على حافة النووي بدعوى أن واشنطن انتهكت الاتفاق”.
وتابع باراك “في المقابل لم يضع نتنياهو خطة بديلة لضرب إيران عسكريا بالتعاون مع أمريكا تعيق برنامجها النووي والمؤسف اليوم أن مثل هذه الخطة تحتاج سنوات بينما باتت طهران على مسافة شهور من وصول نقطة “دولة على حافة النووي”.
واعتبر باراك الوضع الحالي وضعا جديدا يلزم إسرائيل بقرارات وأفعال بدلا من تهديدات استعراضية وفارغة لا تترك أثرا على إيران وربما تعجب بعض الأوساط الإسرائيلية وحذرّ من أنها تضعف قوة ردع إسرائيل، مشددا على حاجتها الماسة للولايات المتحدة ولتعريف أهداف مشتركة وطرق تحقيقها بحال صارت إيران دولة عتبة نووية بدلا من خلافات معلنة وتبادل تهم مع إدارة بايدن.
كما أوضح باراك أن إيران لا تسعى لحيازة النووي بل بلوغ مكانة دولة على حافة النووي (تجنبا للعقوبات الدولية) زاعما أن هذا يكفيها لتحقيق أهدافها قوة ونفوذ وحصانة وتمددا في المنطقة. وتابع “إيران لا تريد امتلاك قنبلة نووية لضرب أمريكا أو إسرائيل.. بل لحماية نظامها الحاكم”. كما حذر براك من أن نجاح إيران سيشجع السعودية وتركيا ومصر كي تتحول لدول نووية خلال عقد.. عندما نبنى ثقة مع الأمريكيين تكون واشنطن مستعدة أكثر لمثل هذا التنسيق بالذات لأنها منشغلة ومركزة بالصراع مع الصين”.
ألون بنكاس- قيادة أمنية كاملة عانت من الثرثرة الخطيرة
وانضم لباراك في توجيه الانتقادات القنصل الإسرائيلي السابق في بوسطن المحلل السياسي ألون بينكاس الذي اعتبر هو الآخر أن الأقوال التي تسمع مؤخرا من كبار الشخصيات الإسرائيلية حول الشأن الإيراني تدل على الحرج وغياب السياسة”.
وفي مقال نشرته صحيفة “هآرتس” أضاف بينكاس في هذا المضمار: “قبل يومين قال لي عضو كبير في الكونغرس وعضو في لجان ذات صلة: هل جننتم؟ اشرح لي. لأي هدف أنتم تبحثون عن مواجهة الآن؟ أين المكسب؟ لماذا كل هذه التصريحات الهجومية؟ كن دقيقا أكثر. طلبت من عضو الكونغرس، الذي في ذاك اليوم تم تقديم إحاطة له في موضوع المفاوضات مع إيران من قبل البيت الأبيض. تفضل، أجابني، وزير لديكم يسمي وزير الخارجية بلينكن بـ”اليساري الذي لا يمكن الاعتماد عليه”. هذا جميل. أنتم فعلتم نفس الشيء مع جون كيري عندما كان وزيرا للخارجية. شخص ما قدم إحاطة بصورة مسممة وبشكل فظ للمبعوث الخاص للرئيس، روف مالي. هل أستمر؟ رئيس الموساد لديكم أوضح بأنه سيهتم شخصيا بأن لا يكون سلاح نووي لإيران. ورئيس الأركان لديكم أوصى قبل بضعة اشهر الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بما يجب عليه فعله أو ما لا يجب عليه فعله. والجنرالات لديكم يهددون بالحرب. الأمر الغريب هو أنه عندما قالوا في واشنطن بين حين وآخر بأنه يوجد عدد من الاختلافات مع إسرائيل أو “أزمة” قلتم إن هذه اختلافات في الرأي بين حلفاء. وأنا الآن أرى وأسمع بأنكم تخلقون أزمة لا حاجة اليها، وتشرحون بأنه لا يمكن الاعتماد على الولايات المتحدة. أنا على ثقة بأنه توجد لديكم خيارات أخرى”.
ومضى بينكاس في الكشف عما سمعه من المسؤول الأمريكي: “هل الإدارة الأمريكية تشارك في هذا الرأي؟ سألت. ولخص المسؤول الأمريكي محادثته بالقول: الإدارة الأمريكية هم شركاء دون أن يعرفوا ما الذي تريدونه ولماذا تصرخون في الوقت الذي لا يوجد فيه اتفاق”.
الثرثرة والغطرسة
وينبه بينكاس أن الذعر والغطرسة والثرثرة حول القدرات والنوايا تدل أحيانا على ثقة مبالغ فيها بالنفس أو على الغطرسة وأنه في حالات نادرة هذا يكون مخطط له ومصاغ بعناية ويشكل جزءا من سياسة ردع محددة، لكن في مرات كثيرة هذا يدل على الحرج وغياب السياسة والعجز والتشوش في فهم العلاقات بين المستويات والسلطات والتحدث بشكل علني عن سياسة الخارجية والأمن في مواضيع حساسة.
ويؤكد بينكاس أن هذا هو الوضع بالنسبة للتصريحات التي تصدر عن إسرائيل في كل يوم حول موضوع إيران وحول المفاوضات البطيئة على استئناف الاتفاق النووي.
ومع تلميح لخلط الحسابات القومية مع الحسابات والتجاذبات السياسية والشخصية الداخلية يرى بينكاس أن غياب سياسة مرتبة وشاملة في إسرائيل يؤدي إلى الحرج وعدم اليقين وعدم التفاهم وعدم التواصل مع الولايات المتحدة وإيجاد بدائل سياسية للمنظمات والأشخاص الذين يتنافسون على إصدار بيانات حاسمة ومهددة، هدفها غير واضح وغير مسؤول على الأغلب”.
ويعتبر بينكاس أن تهديدات رئيس الموساد القاطعة لإيران قبل أقرب لان تكون في الحقيقة التزاما بخدمة الزبائن، يناسب رئيس شركة ايكيا أكثر مما يناسب رئيس الموساد. ويضيف “ولكن لنفترض أن السيد برنياع تحدث بقناعة شخصية واهتمام صادق. إذا كان الأمر هكذا فانه هنا بالضبط تكمن المشكلة، التفكير بأن هذه التصريحات هي بالفعل سياسة وأن لها أساس وصلة بالواقع”.
تهديد وجودي
ويستذكر بينكاس أنه منذ الثمانينيات كان لسياسة إسرائيل مبدأ منظم ومركزي واحد وهو أن إيران نووية تشكل تهديدا وجوديا لإسرائيل ولذلك، فإنها ستفعل كل ما في استطاعتها من أجل منع إيران من التوصل إلى قدرة نووية عسكرية.
وأضاف “لكن مبدأ مركزيا واحدا لا يعفي الدولة من بلورة سلسلة سياسات ثانوية مرنة تناسب التغيرات والسيناريوهات المختلفة. لنفترض أن الولايات المتحدة توصلت إلى قناعة، مثلما بدأت الاستنتاج في حزيران حتى قبل تأجيل المفاوضات على خلفية الانتخابات في إيران، بأنه لا توجد جدوى في أن تعاني إيران من تشويه في رؤية الواقع والمبالغة في صورتها الذاتية لقوتها. لنفترض أنها استنتجت أن هدف إيران هو إطالة الوقت وأن الصين وروسيا تعتبران هذه العملية لعبة (مجموعها صفر) مع الأمريكيين. لذلك، لا يوجد الآن أي قيمة في استمرار فوري للمحادثات، وفي استهلاك رأس مال سياسي كبير، هل هذا سيعتبر انجاز لاسرائيل؟”.
وانضم للانتقادات أيضا رئيس مجلس الأمن القومي سابقا الجنرال في الاحتياط غيورا إيلاند الذي قال إنه إذا كان رئيس الموساد يتعهد على منع إيران من سلاح نووي وتعهد ذلك شخصيا فما جدوى زيارته لواشنطن وربما يسأله المسؤولون الأمريكيون ذات السؤال. ودعا إيلاند في تصريحات لإذاعة جيش الاحتلال لبناء خطة بديلة مع الولايات المتحدة بقنوات هادئة ودون ثرثرة وتصريحات إعلامية وتهديدات متكررة تفقد معناها.