بعد الخطوة «ضد الإفتاء»… النظام السوري يفتتح «كلية اللاهوت» المسيحي في دمشق
عربي تريند_ بعد أيام قليلة من إلغاء رئيس النظام السوري بشار الأسد لمنصب «مفتي الجمهورية» افتتحت وزارة التعليم العالي التابعة للنظام كلية اللاهوت المسيحي في العاصمة السورية دمشق، لتكون الأولى من نوعها في سوريا.
وعلى الرغم من إصدار الأسد في العام 2019 الأوامر بافتتاح الكلية من خلال المرسوم التشريعي رقم 6 إلا أن توقيت الإعلان عن افتتاحها الذي جاء بعيد إلغاء منصب « مفتي الجمهورية» السنّي، قد يشي بتوجه جديد، عنوانه إعادة صياغة المشهد الديني في سوريا. وحسب وزير التعليم العالي بسام إبراهيم، يولي الأسد اهتماماً كبيراً لإحداث الكلية، في حين نقلت وسائل إعلام موالية، عن بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك البطريرك يوسف العبسي قوله إن «الكلية تشكل مصنعاً لفكر لاهوتي مشرقي متميز ومعاصر ومتفاعل مع بيئته فالدروس ليست فقط للاطلاع والحفظ ونيل الشهادات بل لاستنباط الأفكار».
ويربط بعض المراقبين بين الغاء منصب المفتي «السني» وتوجهات النظام الجديدة في تقوية دور المجلس الفقهي وبالتالي المرجعيات الدينية للطوائف الإسلامية الأخرى في سوريا وعلى رأسهم الشيعة والعلويون والاسماعيليون والدروز، وكذلك افتتاح المعاهد الدينية المسيحية، بأنه تأسيس لتوازن جديد لصالح تحالف الاقليات الدينية بوجه الاكثرية السنية، كواحد من استحقاقات انتصار الأسد في حرب العشر سنوات الاخيرة والتي حملت طابع النزاع الطائفي بين معارضة سنية ونظام أقلوي.
وضمن قراءته لخطوات النظام، يقول المدير التنفيذي لـ»المرصد الآشوري لحقوق الإنسان» المراقب عن كثب لوضع المسيحين في سوريا، جميل دياربكرلي، يقول لـ«القدس العربي» إن الكليات والمعاهد المسيحية موجودة أصلاً، لكنها لم تكن رسمية. وحسب دياربكرلي، فإن الهدف من الخطوة المتأخرة إظهار علمانية النظام، مستدركاً: «هي خطوة متأخرة لأنه لم يعد للمسيحيين وجود وازن في سوريا» وقال: « لو كنا في زمن اعتيادي لكنا رحبنا بهكذا خطوة، وإنما في هذا التوقيت ننظر إلى الخطوة بارتياب». لكنه أكد على ضرورة الكلية، موضحاً أن «الكلية مخصصة لطائفة بذاتها (الروم الكاثوليك)».
ويقول غياث كنعو وهو من المكون السوري المسيحي، أن النظام السوري يواصل المتاجرة بشعار حماية الأقليات السورية، مستدركاً النظام كان المتسبب الأبرز بهجرة المسيحيين من سوريا، على مدار نحو ستة عقود من تسلم نظام البعث للسلطة، ومنهم عائلتي من آل كنعو». وعن افتتاح الكلية والرسائل المراد منها، يقول الصحافي «الخطوة تهدف إلى التسويق الإعلامي، وهي بمثابة رسالة عن التسامح والانفتاح وحماية المسيحيين والأقليات السورية من جانب النظام» ويضيف كنعو: «يبدو أن النظام يقود عملية تطويع الداخل السوري بهذه الخطوات على الصعد الدينية، بحيث يتم تهميش الطائفة التي تشكل أكثرية سكانية (السنّة) وإعطاء المجال لمسيحيي سوريا «، وذلك في إشارة منه إلى تزامن افتتاح الكلية، مع إلغاء منصب المفتي. ولا يذهب عضو هيئة الشورى في «رابطة العلماء السوريين» الشيخ عمار طاووز، بعيداً عن القراءة السابقة لأهداف النظام من وراء افتتاح كلية اللاهوت، ويقول لـ«القدس العربي»: «ما يجري حالياً هو تغيير هوية الدولة الدينية في سوريا، وهو بمثابة عدوان على السوريين وهويتهم من أجل ضرب المرجعية».
وأضاف أن الأسد بدأ بتغيير هوية سوريا الدينية، للوصول إلى «المجتمع المتجانس» الذي عبّر عنه الأسد في أحد خطاباته السابقة، قائلاً: «الأسد يبقي على عموم المجتمع بلا مرجعية، ولنتذكر قبل أيام قليلة عندما زار عدد من اليهود دمشق». وهنا أشار طاووز إلى تعارض إلغاء منصب «مفتي الجمهورية» مع الدستور السوري، الذي يحدد الدين الإسلامي ديناً رسمياً للدولة السورية، مؤكداً أن «إنهاء منصب المفتي، يخالف نص الدستور الحالي (دستور 2012)» مضيفاً «بهذا المرسوم تم إلغاء منصب المفتي، وتم وضع خيوط كل المؤسسة بيد الوزير الذي يمشي في سياسة الحكومة القائمة على الاستبداد والقهر والظلم للشعب، والسيطرة على المؤسسة الدينية بشكل محكم ونهائي دون أي هامش أو استقلالية للمؤسسة الدينية». واختتم طاووز بقوله: «بعد استخدم النظام القوى الخشنة وكسر الإرادة الشعبية، يستخدم القوى الناعمة الآن لشرعنة استبداده في سن القوانين والمراسيم الرئاسية، ليستخدم الطائفية» حسب تعبيره.
واتخذ النزاع في سوريا على مدى السنوات العشر الماضية شكل الحرب الاهلية، وبينما قاد العرب السنة الثورة المسلحة بوجه نظام يعتمد على الطائفة العلوية، كانت الاقليات المسيحية والدرزية بوضع متردد في بداية الاحداث، قبل ان تصطف لجانب النظام في موقف يفسره كثيرون بأنه جاء نتيجة اللون الاسلامي الطاغي على فصائل الثورة السورية.