نيويورك تايمز: سياسات الهند المتطرفة ضد المسلمين تغذي التطرف في دول الجوار وتمنح الصين الفرصة للتوسع
عربي تريند_ قالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن الهند تفقد موقفها الأخلاقي المتسامح نتيجة لسياسات رئيس الوزراء ناريندا مودي ضد المسلمين.
وجاء في مقال أعده مجيب مشال، أن رئيسة الوزراء البنغلاديشية الشيخة حسينة التي تعد حليفا لمودي وأرسلت له 71 وردة حمراء في عيد ميلاده، ردت على أحداث العنف التي وقعت ضد الأقلية الهندوسية في بلادها بالقول: “نأمل ألا يحصل مثل هذا في الهند، وهو ما قد يؤثر على الوضع في بنغلاديش ويطال مجتمعنا الهندوسي”.
وترى الصحيفة أن مودي الذي حاول تقديم نفسه كحام للضحية الهندوسية، عمل على تراجع حقوق الإنسان في الهند مما أدى لتآكل الموقف الأخلاقي للبلد الذي حاول تقديم نفسه على أنه مركز التسامح في منطقة جنوب آسيا.
وتضيف الكاتبة أنه بتهميش وشيطنة الأقلية المسلمة في الهند، فقد أضعفت حكومة مودي دور الهند التقليدي وقيادتها في تشجيع التوازن في المنطقة التي تعاني من خطوط الصدع. وهو ما قد يفتح الباب أمام الصين التي وعدت بالاستثمار والمنافذ على اقتصاد الدول الجارة لها.
ويقول ياشوانت سينها، وزير الخارجية السابق، إن “الموقف الحزبي للموضوعات الطائفية خلق وضعا لنا من ناحية السياسة الخارجية المتعلقة بالموقف الأخلاقي”. وأضاف: “لا نستطيع القول: توقفوا، يجب ألا يحدث، لأننا نحن مذنبون في هذا”. ورفض قادة حزب بهارتيا جاناتا، التعليق على طلب من الصحيفة.
وفي تصريحاتهم العامة، قالوا إن سياسة مودي الخارجية “الجيران أولا”، وهو ما أعلن عنه بعد فوزه في الانتخابات عام 2014. ويقولون إن القيادة الهندية مكرسة للاستثمار في تحسين العلاقات “التي تعمل على ازدهار الجوار”. وأضافت الصحيفة أن دعوات التسامح في المنطقة باتت ضرورية. ففي سريلانكا، تتعامل الغالبية البوذية بشدة مع التاميل الهندوس والذين قادوا ثلاث حروب أهلية ضد المظالم التي تعرضوا لها خلال العقود الماضية. وكذا ضد الأقلية المسلمة الصغيرة في البلاد.
وعُيّن الرئيس السريلانكي غوتابايا رجاباسكا راهبا متطرفا لإصلاح النظام القضائي، رغم اتهامه بالتحريض على العنف ضد المسلمين وسجن لملاحقته زوجة صحافي اختفى. وتضم اللجنة الموكل إليها عملية إصلاح النظام القضائي عددا من العلماء المسلمين ولكن بدون تمثيل من التاميل.
وفي باكستان ذات الغالبية المسلمة، يتعرض البشتون والبلوش للتهميش مما زاد من التطرف الإسلامي واعتداءات ضد الأقلية الهندوسية التي تمثل نسبة 2% من السكان. وعانى أفرادها من عنف متكرر وتخريب لمعابدهم واحتلال لأراضيهم. وشجب رئيس الوزراء عمران خان هذه الأحداث بدون جدوى. ويعتبر العنف الطائفي غذاء للقومية الضيفة في البلد الآخر. فقد حمّل خان مودي المسؤولية بـ”إطلاقه العنان للخوف والعنف ضد 200 مليون مسلم في الهند”.
ويرد أنصار مودي بنشر حوادث عنف ضد الهندوس في باكستان ومناطق أخرى في المنطقة، كمبرر للتمييز ضد المسلمين في الهند. والعنف الطائفي وانتهاك الأقليات ليس أمرا جديدا في منطقة جنوب آسيا التي تحفل بخطوط الصدع والتي يعيش فيها حوالي ربع سكان الكرة الأرضية.
وأدى تقسيم الهند في 1947 والحرب التي قادت لانفصال بنغلاديش عن باكستان عام 1971 إلى ترك أقليات وعرقيات وطوائف دينية في هذه المناطق. وتؤثر السياسة المحلية في بلد على سكان البلد الآخر. ونظرا لكبر حجمها وعدد سكانها الذي يتفوق على الدول الجارة، فقد ظلت الهند تحدد مسار التعامل مع مجتمعات متنوعة، وظلت “الأخ الأكبر” للبقية من خلال قادة كبار تجاوزوا الهوية الطائفية وعملوا على إنهاء الاستعمار الذي استمر لقرون عبر المقاومة السلمية مثل غاندي.
وأدت سياسات حزب مودي إلى حرمان الهند من هذه الصفة وخسارتها لموقعها المحترم، وليس مثل خسارة أمريكا موقعها في مجال الإنسان أثناء فترة دونالد ترامب. فقد تبنى حزب بهارتيا جاناتا سياسة “الهندوس أولا” والتي حرمت الأقلية المسلمة من حقوقها. ورفض الحزب منع النزاعات المتشددة داخله بالإضافة للعناصر التي كانت تتسبب بالعنف.
وترى الشيخة حسينة والدول الأخرى في المنطقة، أن سياسات الهند ضد المسلمين أدت لزيادة المواقف المتشددة من الهندوس في بنغلاديش. ويقول البرفسور محمد تنظيم الدين خان، أستاذ العلوم السياسية بجامعة دكا أن “الوضع الذي حدث في بنغلاديش يقوي سياسات هندوتفا ويحاولون استغلالها” في إشارة إلى أيديولوجية القوميين الهندوس التي يعبر عنها حزب بهارتيا جاناتا.
وفي المقابل، فـ”سياسة هندوتفا في الهند تعمل على تقوية سياسات قومية مماثلة في بنغلاديش”. واندلع العنف الشهر الماضي بعد انتشار شائعات عن إهانة القرآن الكريم، مما أدى لمقتل 7 أشخاص حسب تقارير الشرطة. وزاد العنف من التوتر الطائفي في الهند، فخلال الأسابيع الماضية، نظم المتطرفون الهندوس احتجاجات في ولاية تربورا القريبة من الحدود مع بنغلاديش، واحتجوا ضد العنف الممارَس على الهندوس هناك.
وقامت الشرطة بنشر قواتها لحماية المساجد في الولاية، وذلك بعدما قام متطرفون هندوس بتخريب مسجد على الأقل وحرقوا محلات تجارية. ولم يعلق مودي على العنف، وظل صامتا مع أن عددا من قادة حزبه انتقدوا الأحداث. وعلى خلاف العلاقات المتوترة مع الجارة باكستان، أقام مودي علاقات ودية مع بنغلاديش. لكنّ تصريحات متشددة قد تخرب العلاقات بين دكا ونيودلهي.
وقد يجد جيران الهند أصدقاء في أماكن أخرى مثل الصين. وتقدم بكين التي تملك المال والمشاريع، نفسها كبديل. وبالإضافة لتقوية علاقاتها الاقتصادية مع باكستان، لدى الصين سياسة كوفيد-19 وتوفير اللقاحات والمساعدات الأخرى لنيبال وبنغلاديش وسريلانكا.
وترى إبرانا باندي، مديرة مبادرة الهند في معهد هدسون، أن سياسة الهند القومية جعلتها تنظر للداخل بدلا من بناء رؤية خارجية. وتجنبت في الماضي وعبر رؤيتها التعددية إثارة التوتر، وتبنت رؤية أبوية في بعض الأحيان من جيرانها.
وتقول باندي إن سياسة مودي “الجيران أولا” تتناقض مع الردود العكسية التي تسببت بها الرؤية القومية الهندوسية في الداخل. وتضيف: “لو دفعت بسرد قومي، فمن الصعب أن تطلب من جيرانك عمل نفس الشيء.. سترى كل دولة في جنوب آسيا تميل نحو القومية وتنسى كل شيء آخر، وهو ما يتسبب بتحديات للهند”.
ويقول سينها، وزير الخارجية السابق، إن صمت مودي “يعطي انطباعا أننا فقدنا السيطرة على الوضع أو أن الدولة تشجع العنف ضد الأقليات”. وترك سينها حزبَ بهارتيا جاناتا، وأصبح الآن عضوا في حزب معارض بعد أحداث العنف في كوجرات عام 2002 حيث كان مودي رئيس الوزراء في الولاية. وقال إن العنف لم يؤثر على موقف الهند في ذلك الوقت؛ لأن رئيس الوزراء في حينه آتال بيهاري فاجباي أكد أنه غير مقبول ومعزول. وفي هذه الأيام يقول المحاورون: “لماذا لا تمارس في وطنك ما تحاول قوله لنا؟”.