تصريحات قرداحي أعادت لبنان الضعيف والمثكل بالجراح إلى ساحة التنافس السعودي- الإيراني
عربي تريند_ قالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن تعليقات شاردة من “وزير ثانوي” في الحكومة، وضعت لبنان مرة أخرى في ساحة التنافس السعودي- الإيراني، بشكل يؤكد أن البلد عرضة لنزوات الجيران.
وفي تقرير أعدته مراسلة الصحيفة في القاهرة فيفيان يي، قالت إن دول الخليج استدعت سفراءها بسبب انتقاد حرب اليمن. واتسعت الحملة في يوم السبت باستدعاء كل من الكويت والإمارات سفيريهما بعد يوم من استدعاء السعودية والبحرين سفيريهما أيضا.
وتقول دول الخليج إنها استدعت سفراءها احتجاجا على تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي الذي وصف الحرب التي قادتها السعودية ضد اليمن بـ”العدوانية” في مقابلة تلفزيونية سابقة. وبالإضافة إلى سحب السفراء، طردت السعودية والكويت والبحرين سفراء لبنان من أراضيها. ورغم الشجب الغربي الواسع للحرب التي تقودها السعودية ضد الحوثيين في اليمن، وكذا شجب منافستها إيران، إلا جيرانها العرب تجنبوا استعداء السعودية نظرا لثقلها السياسي والمالي.
وبتصريحاته، وضع قرداحي، المتحالف مع حزب الله، لبنان مرة أخرى وسط ساحة التنافس الإقليمي بين السعودية وإيران.
ويأتي الخلاف الدبلوماسي في ظل عام رهيب عاشه لبنان، من التدهور المالي والسياسي. وباتت نسبة 87% من سكان لبنان يعيشون تحت خط الفقر في ظل الانهيار الاقتصادي الذي أدى لزيادة التضخم وارتفاع الأسعار وعملة لم تعد لها أي قيمة شرائية. وفي هذه الظروف التي ابتلعت أموال التوفير، وأدت لقطع الدعم عن المواد الأساسية، فالبلد لا يتحمل مشاكل جديدة مع جيرانه الأثرياء أو التهديد بوقف الاستثمار الأجنبي الذي يعتمد البلد عليه.
وكانت السعودية مصدرا مهما في دعم لبنان ماليا، وأنفقت الحكومة السعودية مليارات الدولارات للحفاظ على البلد في فلكها. وكان المواطنون السعوديون ينفقون بسخاء في عطلاتهم الصيفية واستثماراتهم في لبنان. ولكن المملكة أوقفت دعمها في أعقاب صعود حزب الله ووضعه لبنان في ظل الهيمنة الإيرانية. وقال خلدون الشريف، المحلل السياسي في لبنان: “الأزمة الحالية هي سياسية بحتة. يتعامل السعوديون مع لبنان كبلد واقع تحت سيطرة محور إيران- حزب الله”.
وأصدر رئيس الوزراء نجيب ميقاتي بيانا أشار فيه إلى تفكير قرداحي بالاستقالة، لكن الأخير أكد رفضه التخلي عن منصبه. وفي أيار/ مايو أجبر وزير الخارجية اللبناني على الاستقالة بعدما ألمح في تصريحات له أن دول الخليج أسهمت في صعود تنظيم “الدولة”.
وبرغم العلاقة المتوترة، فقد أشعل الشجار الدبلوماسي أزمة سياسية في بيروت. واعترف الرئيس ميشيل عون بخطورة الوضع، حيث دعا يوم السبت إلى اجتماع مع الوزراء والمسؤولين، وأكد على رغبة بلاده في بناء علاقات جيدة مع السعودية. وقال السفير اللبناني المطرود من السعودية فوزي كبارة في تصريحات لصحيفة “النهار” إنه يأمل بحل الأزمة وعودة العلاقات لو تمت الاستجابة “لمطالب” محددة لكنه لم يحدد طبيعتها.
وأطلق قرداحي التعليقات التي تسببت بالأزمة الدبلوماسية قبل تعيينه وزيرا للإعلام بأسابيع، ولكنها لم تظهر إلا قبل أيام. ووصف في تصريحاته الحوثيين بأنهم “يدافعون عن أنفسهم” ضد “عدوان متطرف”. مضيفا أنه تم “قصف البيوت والقرى والجنازات والأعراس” من قبل الطيران السعودي والإماراتي. ووصف الحملة العسكرية في اليمن بالحرب “العبثية” والتي “حان الوقت لوقفها”.
وفي يوم السبت، سحبت الإمارات سفيرها من لبنان ومنعت مواطنيها من السفر إلى هناك. وفي بيان للوزير في الخارجية الإماراتية، خليفة شاهين المرر، جاء فيه أن القرار “اتخذ تضامنا مع الشقيقة المملكة العربية السعودية وفي ضوء النهج الرسمي اللبناني غير المقبول تجاه المملكة”. وقبل ذلك أعلنت دولة الكويت عن سحب سفيرها في بيروت، ومنحت السفير اللبناني 48 ساعة لمغادرة البلاد. وقال وزير الخارجية الكويتي إن القرار جاء بسبب فشل الحكومة اللبنانية في “معالجة التصريحات غير المقبولة والبغيضة ضد المملكة العربية السعودية الشقيقة”. ويقول النقاد إن المناورة السعودية تستهدف لبنان المثكل أصلا بالجراح.
وقال كريم طرابلسي، رئيس تحرير “العربي الجديد” في تعليق على فيسبوك: “عندما يقوم وزير لا أهمية له بتوجيه نقد غامض إلى السعودية، فإنهم يبالغون بالرد وبعقاب جماعي لأن لبنان ضعيف وفقير، ومن السهل ركل الحصان عندما يسقط”. مضيفا: “آمل أن أرى في حياتي لبنان حرا ومعتمدا على نفسه لأن الكرامة هي أغلى شيء”.
وُوجهت انتقادات مماثلة لتلك التي وجهها قرداحي من ساسة غربيين وجماعات مدافعة عن الحقوق، واتهموا فيها السعودية بالتسبب بمقتل ضحايا مدنيين والقصف الذي لا يميز، وإطالة أمد الحرب التي جرّت اليمن إلى حافة المجاعة ودمرت البنى التحتية وأفرغت الاقتصاد.
واتهم تقرير الأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر طرفي الحرب، التحالف الذي تقوده السعودية والذي تدعمه الولايات المتحدة عسكريا، والمتمردين الحوثيين الذين تدعمهم إيران، بانتهاك القانون الدولي وقتل المدنيين. وجاء في التقرير أن غارات التحالف جرحت وقتلت 18 ألف مدني يمني على الأقل منذ عام 2015. وفي الوقت نفسه قصف الحوثيون المشردين اليمنيين في المعسكرات والأحياء المدنية والمطارات والأسواق.
وزاد الضغط على السعودية لإنهاء الحرب بتولي الرئيس جو بايدن الذي أوقف الدعم العسكري للتحالف في شباط/ فبراير. لكن الحوثيين رفضوا وقفا لإطلاق النار من السعودية بداية هذا العام واستمرت الأعمال العدائية، والتي تركزت في الفترة الماضية على مأرب. وزادت أعداد الضحايا يوم السبت بانفجار سيارة في مطار عدن، وقتل فيه تسعة أشخاص وجرح 29 على الأقل، حسب مسؤول في وزارة الصحة، طلب الكشف عن هويته.