سباق الشارعين في السودان: مخاوف من صدام بين أنصار العسكر والمدنيين
عربي تريند_ يعود أنصار الحكم المدني في السودان، اليوم الخميس، إلى الشوارع عبر موكب 21 أكتوبر/ تشرين الأول، وذلك للرد على محاولات العسكر الانقضاض على الثورة وتحولها الديمقراطي، خصوصاً بعد تحركات الأيام الأخيرة بما في ذلك تنظيم اعتصام في الخرطوم لإسقاط حكومة عبد الله حمدوك.
واختار منظمو الموكب المدني يوم 21 أكتوبر للعودة إلى الشارع، نظراً لأنه يصادف مرور 57 عاماً على نجاح أول ثورة شعبية في السودان أطاحت بأول حكم عسكري، هو نظام الرئيس الأسبق الفريق إبراهيم عبود (1985-1964). وترمز الذكرى لدى السودانيين إلى المقاومة الشعبية ضد الأنظمة العسكرية، وكانت مقدمة لكثير من الثورات والهبّات اللاحقة، مثل ثورة إبريل/ نيسان 1985 التي أطاحت بحكم الرئيس الأسبق المشير جعفر نميري، و11 إبريل 2019، التي أدت للإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير.
أعلنت عشرات التيارات مشاركتها في مواكب “تجمع المهنيين”
يسعى منظمو موكب اليوم إلى تثبيت أركان الحكم المدني في البلاد، والتصدي لمخطط المكون العسكري في السلطة الانتقالية، بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي”، اللذين يتهمان باستخدام العديد من الأوراق لإجهاض المرحلة الانتقالية وإفشال الحكومة المدنية. وبدآ أخيراً استخدام أحزاب سياسية منشقة من تحالف قوى “إعلان الحرية والتغيير” الحاكم (باتت تعرف باسم قوى الميثاق الوطني نسبة إلى الميثاق الذي وقعته أخيراً)، وأخرى يعتقد أنه تم العمل على إنشائها لتنفيذ انقلاب مدني. واستنسخ هذا التيار أحد أبرز أدوات الثورة السودانية وهو الاعتصام، الذي يتواصل منذ السبت الماضي أمام القصر الرئاسي، لتقديم طلبات للجيش تحثه على التدخل والإمساك بزمام الأمور، وحل حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وتكوين حكومة كفاءات. ووجد الاعتصام كل التسهيلات من الأجهزة، إذ لم يواجه بأي اعتراض من قبل القوى الأمنية، حتى أصبح لا يبعد سوى بضعة أمتار عن القصر الرئاسي.
في موازاة ذلك، فإن المكون المدني، وأنصار الثورة عموماً، لم ينتابهم أي قلق بعد تنفيذ الاعتصام، اعتقاداً منهم بأن المنشقين من تحالف “الحرية والتغيير” دخلوا إلى ملعب يجيد المدنيون اللعب فيه، وتفوقوا فيه. لذا وبمجرد أن أعلن تجمع المهنيين السودانيين، محرك الحراك الثوري، عن مواكب 21 أكتوبر حتى تسابقت عشرات الأجسام والتيارات السياسية والنقابية وتجمعات المهجر لتأييده ودعمه وإعلان المشاركة فيه، لإظهار القوة المدنية وجاهزيتها لأي خطوات أحادية من جانب المكون العسكري. ووقع أكثر من 20 فرعاً لـ”لجان المقاومة السودانية” بولاية الخرطوم، و23 جسماً نقابياً على دفتر الحضور الثوري في العاصمة، بالتزامن مع تحركات ومواكب في غالبية المدن السودانية. كما أن الجاليات السودانية في المهجر تستعد لتحركات مماثلة، إذ تعتزم الجالية الموجودة في أميركا الوصول إلى مقر الكونغرس، السبت المقبل، لإعلاء صوتها والتحذير من أي محاولة لتقويض التحول الديمقراطي وإفشال الفترة الانتقالية.
تقارير عربية
خلافات شركاء الحكم بالسودان: اتهام للعسكر بتقويض المرحلة الانتقالية
يُشار إلى أن الكثير من الكيانات، التي أعلنت رغبتها بالمشاركة في المسيرات، أكدت أن هذا الأمر يمثل دفاعاً عن مدنية الدولة، وليس اصطفافاً مع أي حزب أو تحالف. أما أهم الأهداف والشعارات الموضوعة لمواكب 21 أكتوبر، فهي تسليم السلطة للمدنيين، وتسليم المطلوبين، وفي مقدمتهم الرئيس المعزول عمر البشير، فوراً للمحكمة الجنائية الدولية، وتكوين مجلس تشريعي ثوري تتمثل فيه كافة قوى الثورة، إضافة إلى المناداة بإقالة وزير المالية والتخطيط الاقتصادي جبريل إبراهيم فوراً، بعد انحيازه للمعسكر الداعي لحل الحكومة المدنية، ومعه حاكم إقليم دارفور ميني أركو ميناوي، ومدير شركة الموارد المعدنية مبارك أردول.
كما يطالب الذين سيشاركون في مواكب اليوم باستكمال عملية السلام الشامل، وتنفيذ بند الترتيبات الأمنية ودمج قوات الدعم السريع والحركات المسلحة في الجيش السوداني، بعد إعادة تأهيلها وإكمال عمليات التنقيح والتسريح وصولاً لجيش قومي موحد ذي عقيدة وطنية، وإلغاء مجلس شركاء الفترة الانتقالية، والإصلاح الجذري للوضع الاقتصادي المتأزم، وفرض هيبة الدولة على كل من تسول له نفسه التلاعب بقوت المواطن.
ولم تكن استعدادات منظمي موكب 21 أكتوبر تقتصر على البيانات والدعوات فقط، فقد شهد عدد من أحياء العاصمة وبعض المدن الأخرى، في اليومين الماضيين، تظاهرات ليلية يطلق الثوار عليها اسم “التسخينة”، شارك فيها آلاف الشباب، وغرضها التمرن على الخروج في الموكب الرئيس، وتحديد مسارات كل منطقة لوسط الخرطوم، وتوزيع المهمات، ووضع تكتيكات التصدي لأي محاولات أمنية أو شرطية تواجه الموكب، وتجهيز اللافتات، والاتفاق على شعارات موحدة.
ومع إحساس المعسكر الآخر، الذي يعتصم قرب القصر الرئاسي والمطالب بحل حكومة حمدوك، بالأمر، فقد خطط هو الآخر للدخول في سباق المواكب بزيادة حشوده، اليوم الخميس، أمام القصر، والدعوة لمواكب موازية بمناسبة ذكرى أكتوبر، وتحديد مسارات منفصلة لها بشوارع الخرطوم وصولاً إلى القصر الرئاسي للانضمام لما سمّي “اعتصام استرداد الثورة”. وفي حين كرر جبريل إبراهيم، أمس الأول، الدعوة لحل الحكومة، فإنه ظهر، وعلى عكس تصريحاته السابقة، أكثر مهادنة، إذ دعا إلى حل يُجنب البلاد الوقوع في الهاوية وتأمين الشراكة السياسية والحفاظ عليها. وحول مواكب اليوم، قال إبراهيم إن من حق الجميع التعبير سلمياً عن أنفسهم دون تعطيل العمل أو اللجوء إلى أي شكل من أشكال العنف، و”يجب ألا يسمح بأي شكل من أشكال الصدامات، وأن يعبر كل طرف عن نفسه دون اعتداء على الآخر”.
الجميل الفاضل: سيغير اليوم المعادلات لصالح مدنية الدولة
ومع احتدام السباق بين الطرفين، توقفت مبادرة حمدوك للتوسط بين العسكر والمدنيين وبقية أطراف الحكم لتهدئة التصعيد والعودة للحوار، وهي المبادرة التي اقترحها مجلس الوزراء في اجتماعه، الإثنين الماضي، ونصت على تسمية كل من قوى “الحرية والتغيير” والمكون العسكري وأطراف العملية السلمية شخصيتين، للمشاركة في لجنة مصغرة تضع حلولاً للأزمة. لكن “الحرية والتغيير”، التي وجدت نفسها محاصرة بهجوم كبير من المكون العسكري وباعتصام القصر الرئاسي، فضلت عدم التعاطي حالياً مع مبادرة رئيس الوزراء، وامتنعت حتى الآن عن تسمية أي شخص لعضوية اللجنة. وحسب مصادر “العربي الجديد”، فإنها أجّلت ذلك إلى حين اختبار قوتها وثقلها الشعبي من خلال موكب 21 أكتوبر، لتكون في موقف قوي في أي مناقشات أو مفاوضات متوقعة. وذكر المجلس المركزي لقوى “إعلان الحرية والتغيير”، في بيان، أول من أمس، أنه لا يرغب في حل الأزمة الراهنة إلا في إطار خطة للإصلاحات الشاملة والحاسمة تستند إلى مرجعية الوثيقة الدستورية، حتى لا تطل الأزمة برأسها من جديد. وطالب البيان بإصلاح مجلس السيادة، وهو مطلب لم تتطرق إليه بيانات المجلس من قبل. وشدد على انتقال رئاسة مجلس السيادة إلى المكون المدني وفقاً للوثيقة الدستورية، وإصلاح الحكومة وفق تقييم بين رئيس مجلس الوزراء وقوى “الحرية والتغيير”، بالإضافة إلى إصلاح القطاعين الأمني والعسكري وتنفيذ الترتيبات الأمنية وصولاً لجيش قومي واحد، وإصلاح الأجهزة العدلية.
ومع الحشد والحشد المضاد، المتوقع اليوم الخميس، يبقى الشأن السوداني مفتوحاً على كل الاحتمالات. ورأى المحلل السياسي الجميل الفاضل أن اليوم الخميس سيكون مفصلياً، مثله مثل يوم 30 يونيو/ حزيران 2019، الذي فرض فيه الشارع كلمته بقوة على العسكر، الذين قدموا، بعد أيام من ذلك التاريخ، كل التنازلات من خلال الإعلان السياسي والوثيقة الدستورية. كما سيغيّر اليوم، بحسب الفاضل، بصورة حاسمة المعادلات السياسية الحالية لصالح مدنية الدولة، وإنهاء تدخل العسكر في الشؤون التنفيذية وتغولهم في الصلاحيات، وسينكمش دورهم كلياً. وأضاف الفاضل، متحدثاً لـ”العربي الجديد”، أن المواكب التي ستخرج في مدن السودان المختلفة، ستدفع المكون المدني إلى تغيير طريقة تماهيه مع العسكر، التي اتبعها في الفترة الماضية، وسيتقوى بالمواكب ويستثمرها لصالح أهداف الثورة السودانية واستكمال مهامها تماماً، كما حدث للثورة الفرنسية التي استكملت أهدافها خلال 10 سنوات، تعرضت خلالها للانتكاسات والمراجعات. وأكد أن مواكب اليوم ستؤثر حتى على دول الإقليم والدول التي تريد التحكم في الشأن السوداني بطريقة أو بأخرى.
على صعيد آخر، تبرز مخاوف أمنية من حدوث احتكاكات بين المؤيدين لاعتصام القصر الرئاسي والمواكب المساندة للحكم المدني، استناداً إلى واقع الاستقطاب الحاد والخلافات العميقة. وحمّل الخبير عمر عثمان المسؤولية عن أي صدام يمكن أن يحدث للمشرفين على اعتصام القصر، الذين دعوا، من دون إحساس بالخطر، لمواكب اليوم، على الرغم من أنهم أخذوا فرصتهم منذ 16 أكتوبر الحالي، بتنظيم مواكبهم واعتصامهم، ووجب عليهم الاكتفاء بذلك وترك المجال للآخر، خصوصاً أنهم وجدوا كل التسهيلات من أجهزة الدولة والأجهزة النظامية التي لم تعترضهم في أي لحظة. وأشار عثمان، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إلى أن العقلاء من الطرف الآخر يدرسون، حسب معلوماته، خيار تحديد منطقة شارع المطار كنقطة تجمع لموكب 21 أكتوبر لبُعدها عن اعتصام القصر الرئاسي. وإن تم ذلك، حسب تقديره، فإن فرص الاحتكاكات والمواجهات ستتلاشى. لكنه أكد، في المقابل، أن وصول الموكب إلى وسط الخرطوم أو مجلس الوزراء أو لجنة التمكين سيؤدي إلى صدامات كبيرة، ويمكن أن يحدث ما لا تحمد عقباه بخروج الأمور عن السيطرة كلياً لإحساس شباب الثورة بالغبن نتيجة موقف الأجهزة الأمنية وتسهيلاتها للمجموعة الأخرى. ودعا كل الأجهزة الأمنية، خصوصاً الشرطة، إلى التحلي باليقظة والحكمة لتفويت الفرصة لمخطط الفوضى الذي له ما بعده.
وفي السياق، دعت السفارة الأميركية، في تغريدة عبر موقع تويتر، أمس الأربعاء، إلى التزام السلمية في تظاهرات اليوم، مذكرة “بالدعم الأميركي القوي للانتقال الديمقراطي في السودان”.