تلغراف: رئيس “مافيا المولد” في لبنان يهدد بإغراق البلاد في الظلام بعد يومين
عربي تريند_ نشرت صحيفة “ديلي تلغراف” تقريرا لمراسلها في الشرق الأوسط كامبل ماكديرميد قال فيه إن “مافيا المولد” في لبنان، حذرت من إطفاء الأنوار وإغراق البلد في الظلام. وقال أصحاب المولدات الكهربائية الخاصة والذين يوفرون معظم الطاقة الكهربائية في لبنان إن تجارتهم المربحة لم تعد قادرة على الاستمرار.
وأضاف التقرير أن الكارتل اللبناني الذي صار يعرف بمافيا المولد هو مجموعة من رجال الأعمال، التي توفر النور للسكان الذين يواجهون فترات طويلة من انقطاع التيار الكهربائي.
وحصل أصحاب المولدات الخاصة وعلى مدى السنين الماضية على أرباح ضخمة من خلال الأسعار التي يفرضونها على الطاقة الكهربائية مستغلين الفجوة الموجودة في عمليات إمدادات الطاقة. ولكن مع انهيار الاقتصاد وتراجع نمو التجارة فإن رئيس مافيا المولد يهدد بإغراق لبنان في الظلام.
وأوضح رئيس مافيا المولد عبدو سعيد في تصريحات للصحيفة “كونوا على استعداد، فبعد يومين سنسلم مولداتنا إلى الحكومة ونخبرها، هذه مشكلتك ولا نستطيع الاستمرار”. والتقت الصحيفة مع سعيد في شقة سكنية ببيروت يوم الإثنين، حيث يترأس نقابة أصحاب المولدات الكهربائية الخاصة في لبنان، وهي تتكون من آلاف رجال الأعمال الذين يملكون مولدات خاصة توفر معظم الطاقة للبنان اليوم.
وبدأ لبنان بالاعتماد على المولدات الخاصة في أثناء الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما حيث بدأ معظم أعضاء النقابة تجارتهم. وقال عبدو، 60 عاما “ملأنا فجوة صغيرة في السوق”، لكنها كانت مربحة جدا بحيث شجعت أصحاب المولدات الخاصة على مواصلة العمل في سوق للطاقة يفتقر منذ عام 1990 للتنظيمات.
ومع أن شركة كهرباء لبنان هي الجهة الوحيدة التي تملك صلاحية توفير الطاقة الكهربائية لكل البلد إلا أنها ظلت تفتقد القدرة لإمداده على مدار الساعة. واليوم تنتشر المولدات في الأزقة والأقبية والأماكن الفارغة وفي كل أنحاء المدن والبلدات اللبنانية وبات صوتها جزءا من الصخب اليومي للبنان. ومن التلال المحيطة بالعاصمة، يمكن مشاهدة طبقات من الدخان الأصفر الذي يغلف فضاء العاصمة وتعتبر المولدات المساهم الأكبر فيها.
ولم تنجح الحكومات المتعاقبة في حل مشكلة انقطاع التيار الكهربائي، وفشلت أيضا في تطبيق عدد كبير من الخطط لخصخصة وتحرير السوق. وعانت المشاريع لبناء محطات طاقة جديدة وتوحيد العدادات في كل لبنان من سوء الإدارة والفساد. وخلال هذه المحاولات أنفقت الحكومة أرقاما خيالية بدعم استهلاك الكهرباء. ومع دخول لبنان الأزمة الاقتصادية عام 2019 زاد الدين العام عن نسبة 170% من مجمل الناتج المحلي. وهناك نسبة 46% أو حوالي 45 مليار دولار مرتبطة بالإنفاق على قطاع الكهرباء، كما يقول مارك أيوب، الخبير في مجال الطاقة بالجامعة الأمريكية في بيروت. وقال “ساهم قطاع الكهرباء في الأزمة التي نعاني منها الآن”.
ومع تدهور الوضع وتعمق الأزمة تراجع الاحتياطي الأجنبي، وأوقفت الحكومة حجم الوقود المستورد وتزويد شركة كهرباء لبنان. وبداية الشهر الحالي توقفت أكبر محطتين للكهرباء في لبنان عن العمل ولعدة أيام. وبيروت التي كانت تتميز بأضوائها المتلألئة وأنوار النوادي الليلية الكاشفة أصبحت كئيبة، شوارع بدون إضاءة وحتى إشارات المرور لا تعمل. وانقطاع التيار الكهربائي الذي كان يستمر لساعتين بات يمتد لعدة أيام مما يفتح المجال أمام أصحاب المولدات لتوفير الطاقة الكهربائية أكثر من الدولة.
بيروت التي كانت تتميز بأضوائها المتلألئة أصبحت كئيبة، شوارع بدون إضاءة وحتى إشارات المرور لا تعمل
وقال سعيد “لقد تبادلنا الأدوار”. وفي الأيام الماضية كان أصحاب المولدات يحصلون على أرباح بنسبة 30% من توفير الطاقة من مولداتهم الخاصة إلا أن هذه الأيام قد مضت، كما يقول. وفي الأشهر الماضية قررت الحكومة رفع الدعم عن الوقود تدريجيا، مما يعني زيادة سعر الديزل بعشرة أضعاف عما كان عليه قبل الأزمة.
كما أن المولدات غير المصممة للعمل 22 ساعة في اليوم تحتاج لصيانة بقطع غيار مستوردة ويدفع ثمنها بالدولار. في وقت يدفع فيه زبائن المولدات الخاصة الكلفة بالليرة اللبنانية التي فقدت 90% من قيمتها أمام الدولار.
ومع أن المولدات الخاصة غير قانونية، لكن الحكومة تعترف بدورها ولهذا فرضت تعرفة جمركية شهرية. ورغم زيادة الاشتراكات إلا أن سعيد يرى أن هذا غير كاف. وقال “لو استمر هذا الوضع فلن تستطيع نسبة 80% من أصحاب المولدات مواصلة العمل”، وكان في هذا يدعو الحكومة لإعادة الدعم وإلا “غرقنا في الظلام”. ولكن معظم اللبنانيين غير متعاطفين مع وضع سعيد. فنسبة 82% أو أكثر من السكان أصبحوا فقراء ولا يستطيعون الحصول على الخدمات الأساسية، حسب الأمم المتحدة.
ويرى صاحب مقهى في بيروت “الأسعار ليست واقعية وأنا أنفع السوق السوداء” وهو يقضي يومه في العمل ويحاول شحن هاتفه. وبالنسبة للبنانيين الذي يكافحون لوضع الطعام على طاولاتهم فإن التضخم العالي يأكل كل رواتبهم ولهذا باتت أسعار الكهرباء خارج طاقتهم، وتحولت لأمر كمالي. وقال صاحب المقهى “لو حاولت مناقشة السعر معهم فالجواب هو إما أن تقبل أو تغادر، وهم يتصرفون كرجال عصابات وبلطجية، ولا يتنافسون مع بعضهم البعض فهم في الحقيقة كارتل”.
ويعترف سعيد أن الناس “يصرخون ويغضبون” عندما تصلهم الفواتير الشهرية، لكنه يحمل الحكومة المسؤولية “فهذه ليست مسؤوليتنا” لحل المشكلة. وهو محق حسب الاقتصادي اللبناني زياد حايك “المشكلة الرئيسية لمولدات الطاقة في لبنان ليست مافيا المولد، فهم متطفلون”.
وفي بداية القرن الحالي ترأس حايك مجلسا من أجل وضع خطة إصلاح لقطاع الكهرباء ولكنه شعر بالقرف من الساسة اللبنانيين “هؤلاء الأشخاص هم مجرمون”، متهما الطبقة السياسية بالفساد وتبذير المليارات على دعم قطاع الكهرباء. وحاول سعيد إبعاد نفسه عن هذه الطبقة السياسية المكروهة وتصوير نفسه بأنه يعاني “انظر، نحن على نفس الجدول كأي شخص آخر”، مشيرا إلى أضواء غرفة المعيشة التي ترتعش قبل أن تنطفئ.