السجون ساحة للنضال الوطني أيضاً
عربي تريند- تحرص الدولة الصهيونية على تحييد جميع المناضلين المدافعين عن الحقوق الفلسطينية عبر تصفيتهم واغتيالهم أو عبر أسرهم إن فشلت في إنهاء حياتهم، بغض النظر عن طبيعة ومكان نضالهم، وخصوصا تجاه اعتقال المؤثرين والقادة منهم، وهو ما يتجسد عمليا في الاعتقالات التي تطاول بعض القيادات السياسية والميدانية الفصائلية وغير الفصائلية، ولا سيما من الفصائل الفاعلة على الساحة مثل حركتي فتح وحماس والجبهة الشعبية وقياديي الحركة السياسية والنضالية في مناطق 48 وسواهم من القوى الحزبية والفصائلية والمدنية. إذ تعتقد الدولة الصهيونية أنها توجه بذلك ضربة قاتلة لمسار التحرر الفلسطيني.
لكن ورغم كل الجهود الصهيونية الرامية إلى تحييد القيادات والنخب النضالية عن ساحات التحرر، إلا أن شعب فلسطين قد أثبت حيويته وقدرته على النهوض في مناسبات عدة، كما شهدنا في بلدة بيتا وقطاع غزة ومدينة القدس والضفة والأراضي المحتلة عام 1948، وفي الشتات الفلسطيني، وكذلك داخل السجون الصهيونية، التي كان الغرض الأساسي منها قمع وكبح النضال التحرري وتحييد الأسرى عن ساحات النضال الشعبي. إذ نجحت عزيمة وإصرار أبطالنا الأسرى داخل السجون الصهيونية في تحويل السجون إلى ساحات للنضال الوطني أيضا، بإضراباتهم المتعددة وأدوارهم السياسية والاجتماعية، وطبعا بتحديهم المنظومة الأمنية والعسكرية الصهيونية، كما تجلى أخيرا في عملية نفق الحرية. ولمن الجدير بالذكر هنا استذكار حالة ترقب الشارع الفلسطيني لموقف وتوجهات الحركة الأسيرة في خضم أحداث انتفاضة كل فلسطين الأخيرة، بحكم القناعة الشعبية السائدة حول قدرة الحركة الأسيرة على فرض أجندة تحررية واضحة على الجسم السياسي الفلسطيني وتحديدا على السلطة، وهو ما يدل على فاعلية الحركة الأسيرة على الصعيدين الشعبي والسياسي.
وعليه لم تنجح الصهيونية تاريخيا وراهنا في تحييد السجون والحركة الأسيرة داخلها عن مجمل النضال الفلسطيني، وإن نجحت في الحد منها قليلا وفي إعاقة تأثيرها بمعنى تأخيره. إذ ساهم نهج الأسر الصهيوني في وضع مئات بل ربما آلاف العراقيل أمام إمكانية تواصل الأسرى داخليا وخارجيا، ما حد من مساهمات الأسرى النضالية والسياسية، لذا أدركت الحركة الأسيرة مبكرا حاجتها إلى ابتكار آليات تواصل متجددة كي تتمكن من التواصل في ما بينها أولا، ومع حاضنتها الشعبية في كل فلسطين ثانيا، ومع الجسم السياسي الفلسطيني الرسمي والفصائلي ثالثا، لتنجح الحركة الأسيرة أحيانا وتفشل في أحيان أخرى. وهنا تبرز أهمية العملية البطولية الأخيرة، التي تحاول الحركة الصهيونية التقليل منها بشتى الوسائل.
إذ جسد نفق الحرية وأبطاله تاريخ الحركة الأسيرة بأبهى صورة ممكنة، على اعتبارها امتدادا لانتفاضة شعبنا في كل فلسطين، ودافعا لها أيضا. حيث لا يعود ذلك إلى نجاحهم في خرق المنظومة الأمنية والعسكرية الصهيونية وفي حفر النفق بأدواتهم البسيطة ولا بعبورهم نحو شوارع وبلدات فلسطين فقط، بل بخطابهم ورسائلهم التي أرسلوها عبر محاميهم بعد إعادة اعتقالهم، فجلها تنبض بالوطنية والعزيمة والإصرار وتعبر عن ضرورة التمسك بجميع ثوابت القضية الفلسطينية، حيث عبرت رسائلهم عن كل فلسطين وعن الكل الفلسطيني بشكل مباشر وصريح دون أي مواربة أو اجتزاء. كما عبرت ملامحهم وبعض كلماتهم عن استمرار دورهم النضالي حتى نجاحهم أو بالأصح حتى نجاحنا جميعا في نيل حريتنا الكاملة، أي حتى نجاحنا في تفكيك الصهيونية وبناء دولة فلسطين الواحدة والكاملة. فالحرية الحقيقية التي ناضلوا ويناضلون من أجلها هي تحررنا من الصهيونية واستعادة مجمل حقوقنا المستلبة وعلى رأسها حرية أبطالنا المأسورين في العودة إلى عائلاتهم وبلداتهم وحريتهم في التنقل بين البلدات الفلسطينية من يافا وحيفا إلى غزة والقدس ونابلس. نعم لقد أجاد الأسرى في التخطيط والتنفيذ، تماما كما أجادوا التعبير عن تطلعاتهم الحقيقية، الهادفة إلى هدم أسوار الاحتلال الصهيوني لا سجونه فقط، من أجل استعادة حرية فلسطين الأرض والشعب، لذا كان نفق الحرية عملية نضالية ملهمة في سياق المسار التحرري الشامل، وعليه يجب أن نقيمها من حيث إلهامها وتأثيرها المستقبلي على جذرية وحيوية وإصرار نضالنا الشعبي التحرري بالتحديد، وهو ما ننتظر تجلياته وبشائره في قادم الأسابيع.