إيكونوميست: في تونس.. حكم مركزي يقوده أكاديمي لا خبرة لديه أو رغبة في حل مشاكل البلاد الاقتصادية
عربي تريند_ تحت عنوان “الاهتمام بالتوافه وقرطاج تحترق.. قيس سعيد يخطط لتحويل تونس، وقد تفلس أولا” نشرت مجلة “إيكونوميست” في عددها الجديد تقريرا عن القرارات الأخيرة للرئيس التونسي، وأنه سيحكم من خلال المراسيم الرئاسية في وقت ينهار الاقتصاد.
وقالت المجلة: “قبل أن يرسل الدبابات لإغلاق أبواب البرلمان، كان قيس سعيد، أستاذ قانون يبشر بأهمية الولاء للدستور. وبدا الأمر كأنه متناقض، ولكن التناقض هو الذي دفع سعيد إلى الرئاسة التونسية في عام 2019، فقد كان شعبويا بأسلوب أرستقراطي، نصّب نفسه كديمقراطي احتقر الأحزاب السياسية والانتخابات البرلمانية”. وأطلق عليه البعض “روبوكوب” (يتحدث بطريقة الرجل الروبوت في الفيلم المعروف) بسبب طريقته في الحديث ومواقفه المحافظة، ورأى فيه آخرون روسبير (جزار الثورة الفرنسية) وهو يشحذ المقصلة.
وفي 22 أيلول/ سبتمبر، أعلن سعيد أنه سيعلق معظم الدستور ويحكم عبر المراسيم. وهو ما يقنن الاستيلاء على السلطة الذي بدأ في تموز/ يوليو، عندما منح لنفسه سلطات استثنائية. وسيظل البرلمان معطلا ويحرم أعضاؤه من رواتبهم. وفي مرحلة ما، سيقوم سعيد بتعديل الدستور وتغيير النظام السياسي، وحتى ذلك الحين، فنحن لسنا أمام خيار على طريقة “جاكوبين” (المدافعون عن الدستور وأصدقاء الحرية والمساواة) بل لدينا الكثير من “ملك الشمس” (أو لويس الرابع عشر والحكم المطلق).
وأدت تحركات الرئيس إلى نقد واسع من التونسيين البارزين والحكومات الغربية. ووصف اتحاد الشغل العام التونسي وهو أقوى نقابات العمال في البلاد، مرسوم الرئيس بأنه “تهديد للديمقراطية” وحدثت تظاهرات صغيرة في تونس. وتعلق المجلة أن التهديد الأكبر سينبع على أي أكبر تقدير من عدم التوافق بين أفعال الرئيس وتطلعات الشعب التونسي. وأنه يقوم بتكرار أخطاء نواب البرلمان الذين اغتصب السلطة منهم. وسأل “الباروميتر العربي”(شبكة بحثية) في الفترة ما بين 2018 -2019 مواطني 12 دولة عربية لتحديد المعالم الرئيسية للديمقراطية، وتحدث التونسيون أكثر من مواطني الدول الأخرى عن الاقتصاد.
وقالت نسبة 55% إن الحكومة الديمقراطية هي التي “تضمن فرص العمل للجميع”، وفقط نسبة 10% تحدثت عن الحرية والانتخابات النزيهة. ولم يكن مفاجئا دعم أو تسامح الكثير من التونسيين مع تحركات سعيد في تموز/ يوليو. فالنظام الديمقراطي الذي أقيم بعد الثورة عام 2011 لم يوفر الوظائف.
وظل النمو بأقل من 3% منذ عام 2012. وفي العام الماضي وبسبب كوفيد-19، تقلص الاقتصاد بنسبة 8%، وتبلغ نسبة البطالة رسميا 18% وأدى ضعف الدينار التونسي إلى زيادة التضخم بنسبة 6.2% في الوقت الحالي. والمشكلة الملحّة التي تواجه سعيد هي الفوضى المالية التونسية، فقد ارتفع الدين العام من 39% عام 2010 إلى 88% في الوقت الحالي. وفي الفترة نفسها، فقد الدينار التونسي نصف قيمته.
ويبدو أن البلد عالق في فخ الديون وعجز في الميزانية بنسبة 9% من الناتج المحلي العام. وتمثل خدمة الدين نسبة 7-9% من الناتج المحلي العام، بالإضافة للدعم بنسبة 5%. وهناك الرواتب العمومية والتي وصلت نسبتها 18% من الناتج المحلي العام. وتذهب كل الموارد الحكومية إلى هذه الأمور، مما يترك القليل للاستثمار والنفقات الاجتماعية. وبدأت الحكومة بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي في أيار/ مايو. وعرضت مقابل 4 مليار دولار (10 من الناتج المحلي العام) أن تخفض الرواتب العامة وتبدأ بتخفيض الدعم على الوقود والطعام. وكانت تأمل بأن تكمل الاتفاق في تشرين الأول/ أكتوبر، وبدلا من ذلك، علّق سعيد المفاوضات، بشكل أدى إلى انخفاض سعر السندات التونسية.
وتساءل البعض إن كانت تونس تسير في طريق لبنان الذي تخلّف عن دفع الدين وشاهد اقتصاده ينهار. ولم تهتم الحكومات السابقة لهذه المشاكل. ومنذ الثورة، ظلت السياسة قائمة على الصراع الأيديولوجي بين الإسلاميين والعلمانيين. ولم يكن هناك ما يفرّق الأحزاب في موضوع الاقتصاد. وفي كل مرة حاولت فيها الحكومة وقف الدعم أو تخفيض الرواتب، كانت تواجه معارضة حادة من الاتحاد العام التونسي للشغل.
ولم تنجح أنصاف الحلول أبدا، فتحرير سعر الصرف أو فرض ضرائب جديدة كانت كافية لإغضاب المواطنين ولكن ليس إصلاح الاقتصاد المنهار. وبعد شهرين من استيلائه على السلطة، لم يقدم سعيد الكثير عن برنامجه الاقتصادي، باستثناء خطط غير مكتملة لمكافحة الفساد واستخدام العوائد منها لدعم التنمية. وقامت استراتيجيته لتخفيض التضخم على الطلب من أصحاب الأعمال تخفيض الأسعار. فالاقتصاد ليس ورقته القوية أو مجاله الذي يتفوق فيه ولم يجد مساعدة كبيرة.
وفي 29 أيلول/ سبتمبر، أعلن عن تعيين نجلاء بودن رمضان كرئيسة للوزراء، وهي أول امرأة تتولى هذا المنصب في تونس، ولكنها أستاذة في الفيزياء الجيولوجية غير معروفة خارج مجالها، ولا يُعرف مدى القوة التي سيمنحها الرئيس لها.
وبالتأكيد لا يُعرف الكثير عن خطط سعيد، فقد تحدث في الماضي عن رؤيته للديمقراطية القائمة على اختيار الناخبين مرشحين من غير الأحزاب وانتخاب مجالس محلية وانتخابات غير مباشرة للرئاسة. ويرى أن هذه هي الطريقة الوحيدة لانتخاب الأشخاص بناء على كفاءتهم وليس الانتماء الحزبي.
ويمكن للتونسيين مناقشة إيجابيات هذه الفكرة. فواحدة من مشاكل النظام القديم هي طبيعته المركزية. والحكومات المحلية التي يجب أن تلعب دورا في السياسة الاقتصادية تتحول إلى مصدر لتوظيف الموالين، ويمكن لنظام تفويضي جديد أن يحل المشكلة. لكن تغيير النظام هي عملية صعبة وشائكة في بلد يواجه أزمة محتومة. وما هو موجود اليوم في تونس بعد مراسيم سعيد، هو نظام مركزي يقوده أكاديمي لا خبرة لديه أو رغبة في حل المشاكل الاقتصادية التي تواجه البلاد. وحتى الأمور التافهة تحتاج لموافقة القصر الرئاسي.
ويحلو لنقاد ديمقراطية تونس الناشئة القول إنها أنتجت عشر حكومات في عشر سنوات ولم تكن أي منها فاعلة. هذا صحيح، ولكن علينا أن تذكر أن ما جاء قبلها هو حكم الرجل الفرد الذي استمر 23 عاما ولم يكن ناجحا أيضا.