مصر

أم تضحي بجثمانها حفاظاً على مستقبل طفليها

قصة إنسانية وباكية، أقل ما توصف به بأنها تخاطب القلوب، وتدغدغ المشاعر، وتقدم نموذجاً أبلغ ما يكون على غريزة الأمومة، وقيمة الأم وتضحياتها من أجل أبنائها.

في مساكن الضباط بمنطقة طوسون بالإسكندرية شمال مصر وقعت هذه القصة. البداية أمام رئيس مباحث قسم شرطة المنتزه، حيث فوجئ بشاب يبلغ من العمر 16 عاماً يطلب مقابلته لأمر هام. فاستقبله الضابط واضعاً في ذهنه أن الشاب يريد أن يقدم بلاغاً معتاداً كالذي تستقبلهم أقسام الشرطة يومياً.

جلس الشاب بثقة وهدوء يروي قصته ويلقي بالمفاجأة التي صعق ضابط الشرطة فور سماعها، وهي أنه وشقيقته الطالبة بكلية الآداب يريدان إبلاغه بوفاة والدتهما منذ 3 سنوات، وأنهما تنفيذاً لرغبتها ووصيتها تركا جثتها في دولاب الشقة حتى تحللت وأصبحت هيكلاً عظمياً.

أصيب ضابط الشرطة بالصدمة واعتقد أن الشاب يهذي، لكنه أعاد عليه رواية القصة مرة أخرى، مؤكداً أن والدته توفيت وطلبت منهما عدم إبلاغ أحد بوفاتها إلا بعد 3 سنوات.

وعلى الفور سارع رئيس المباحث باستدعاء قوة أمنية واصطحاب الشاب لمكان الشقة الواقعة في الطابق رقم 30 د مساكن الضباط بطوسون. وعثر رجال الأمن بالفعل على جثة الأم وكانت عبارة عن هيكل عظمي متحلل، مغطى بعدد كبير من البطاطين داخل دولاب من الصاج ولا توجد رائحة على الإطلاق.

وفور إبلاغ الواقعة للواء مصطفى النمر، مدير أمن الإسكندرية، أمر بتشكيل فريق بحث لكشف غموض الواقعة وكانت التفاصيل مذهلة.

اعترف الشاب ويدعى أحمد وشقيقته مريم أنهما أشقاء من الأم التي كانت تعمل طبيبة وتبلغ من العمر 47 عاماً، وأن والدتهما تزوجت مرتين فأنجبت من الأول مريم وتبلغ من العمر 21 عاماً، وأنجبت من الثاني أحمد البالغ من العمر حالياً 16 عاماً.

انفصلت عن زوجها الثاني وتمكنت من الحصول على حق حضانة أولادها ليقيما معها في شقتها بمساكن الضباط.

وأضافا أن والدتهما كانت مريضة بالقلب والفشل الكلوي وقبل وفاتها بـ5 أيام أبلغها الطبيب بتدهور حالتها، وأنها على مشارف الموت، فجمعتهما وأخبرتهما بأنها تحتفظ لكل منهما بمبلغ مالي كبير في أحد البنوك، وبعض المشغولات الذهبية، لكن المشكلة أنهما مازالا قاصرين، وفور وفاتها سيذهبان بحكم القانون كل منهما لوالده، وتنتقل الوصية لوالدهما، وقد يتصرف الوالدان في أموالهما بشكل يضر حقوقهما، فتفتق ذهنها عن فكرة تحفظ لهما أموالهما، وتجعلهما يعيشان معاً حتى بلوغهما سن الرشد دون أن يتفرقا ويذهب كل منهما لوالده.

وكانت الفكرة، كما يقول الابن والابنة في اعترافاتهما الصادمة، تقوم على أن يخفيا جثة والدتهما لمدة 3 سنوات، ووقتها تكون مريم قد بلغت سن الرشد ويحق لها التصرف في أموالها دون وصي، كما يحق لها الإقامة في مكان مستقل برغبتها، كما سيكون الابن قد تجاوز سن الحضانة ويحق له اختيار من يريد الإقامة معه. وطلبت الأم من ابنتها أن تقيم مع أخيها حتى يتزوج كل منهما ويستقل بحياته.

مشكلة أخرى رأت الأم قبل وفاتها أنها يمكن أن تفسد هذا السيناريو، وهي أن اختفاءها الطويل قد يلفت نظر السكان، ورائحة الجثة قد تنبعث في الشقة وتفوح منها لتخرج للجيران، ويكتشفوا الأمر، فوجدت حلاً لذلك باعتبارها طبيبة، وهي أن يتم وضع الجثة داخل بطاطين ووسائد كثيرة وكارتون ووضعها داخل الدولاب، مع إبلاغ الجيران بأنهما سينتقلان للإقامة في شقة أخرى بعيدة عن المنطقة برفقة والدتهما لمتابعة مرضها. وبالفعل، وعقب وفاة الأم، انتقل الولدان للإقامة في شقة أخرى قاما بتأجيرها، واعتقد الجميع طيلة هذه السنوات الثلاثة أنهما غادرا المنطقة برفقة والدتهما، ليقيما في شقة أخرى بمنطقة سيدي بشر، تاركين شقتهما مغلقة وفي دولابها جثة والدتهما.

جيران الأسرة ذهلوا مما سمعوه، وأكدوا لضباط المباحث أنهم لم يلحظوا انبعاث أي رائحة كريهة. ولم يزر الشقيقان الشقة منذ رحيلهما عنها في تموز/يوليو 2015. وأكد معظمهم أنهم لا يعلمون شيئاً عن هذه الأسرة، لأن الأم كانت لا تختلط بأحد منهم.

ونفذ الولدان وصية الأم وحصلت الابنة على أموالها وطلبت مساعدة النيابة في دفن جثة والدتها، لكن النيابة قررت حبسهما على ذمة التحقيقات. وعقب وصول تحريات المباحث، قررت إخلاء سبيلهما، وتحليل الحمض النووي لوالدتهما والتصريح بدفن الجثة.

 العربية
اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى