خطابه يجمع بين “كفاحي” و”نظرية القذافي”.. هل بات قيس سعيّد “خطرا داهما” على تونس؟
عربي تريند- يُجمع أغلب الفاعلين السياسيين في تونس، أن الرئيس قيس سعيّد يعيش حاليا “فصاما مع الواقع”، بل يرى البعض أن خطابات سعيّد التي تتسم عادة بجرعة كبيرة من الشعبوية والحديث عن الإنجازات الوهمية وخلق أعداء غير موجودين في الواقع، لا تختلف كثيرا عن خطابات يعتمدها أغلب الديكتاتوريين في العالم لتبرير استمرارهم في الحكم.
وأثار خطاب سعيّد الأخير “زلزالا سياسيا” دفع الأحزاب السياسية والمنظمات الكبرى ومنظمات المجتمع المدني للتحذير من خطورة ترجمته على أرض الواقع، وخاصة فيما يتعلق باتجاه الرئيس نحو حل البرلمان وتعليق الدستور ووضع دستور جديد (أحكام انتقالية) يمهد له الطريق نحو الاستفراد بالحكم والتحكم بأغلب مفاصل الدولة، وهو ما يعني عمليا إعادة تونس إلى حظيرة الاستبداد والانقلاب على منجزات الثورة.
وكان الرئيس قيس سعيد كشف في اجتماع شعبي عقده مساء الإثنين في مدينة سيدي بوزيد، عن اتجاهه لوضع أحكام انتقالية تشرّع استمرار إجراءاته الاستثنائية، ملمحا إلى إمكانية تعليق الدستور وحل البرلمان الحالي، كما وجّه انتقادات كبيرة لخصومه الذين اتهمهم بإجهاض الثورة، معتبرا أن الخامس والعشرين من شهر تموز/ يوليو الماضي (يوم إعلانه الإجراءات الاستثنائية) هو استكمال لمسار الثورة التي قال إنه تم إجهاضها ليلة هروب بن علي في الرابع عشر من كانون الثاني/ يناير عام 2011.
ودعا الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي، إلى عزل الرئيس سعيد وإحالته إلى المحاكمة، ثم الذهاب لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، معتبرا أن سعيد “أصبح يشكل خطرا داهما ويجب إيقافه عند حده”.
وقال في خطاب توجه به مساء الثلاثاء، للتونسيين عبر صفحته في موقع فيسبوك: “حديث سعيد عن وضع الأحكام الانتقالية يعني إلغاء الدستور وهو ما يعني الذهاب في سن قوانين على المقاس، وحالما تصدر هذه الأحكام سيتحكم (سعيد) في مصيرنا، وسيكون ذلك اعترافا صريحات بموت الدستور”.
وكتب رامي الصالحي، رئيس مكتب المغرب العربي للشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان: “كنت أعتقد إلى زمن غير بعيد أنه إنسان نظيف ومستقيم ولكن فقط تعوزه التجربة والحنكة والإدارة، ولكن كمية الحقد والكراهية التي يحملها وحجم العنف الذي يسكنه، إلى جانب سبق إضماره وترصده في تفكيك الدولة وتخريبها وحمل التونسيين على كره بعضهم البعض تجعلني أجزم بكونه خطر داهم وجاثم وناجز”.
ومصطلح “خطر داهم” بات حاضرا بشكل دائم في جميع خطابات سعيد، بعد استخدامه لتبرير فرضه التدابير الاستثنائية، وفق الفصل ثمانين من الدستور التونسي الذي ينص على أنه “لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويُعلِن عن التدابير في بيان إلى الشعب”.
وشبه المحلل السياسي عبد اللطيف دربالة، خطابَ سعيد بخطاب الزعيم الليبي الراحل معمّر القذافي، حيث كتب بسخرية على صفحته في موقع فيسبوك: “وممّا هو معروف وشاهدناه في التلفزيونات قديما أنّ “صانع الثورة” في ليبيا الزعيم الأخ القائد العقيد معمّر القذافي ملك ملوك إفريقيا كان يجتمع ببعض الشعب (أقصد بشعبه الخاصّ وهو جماعة التنسيقيّات المؤتمرات الشعبيّة)، ويتكلّم فيقول: “والله في الحقيقة نِبّي نُڤول”، فتهتف الجماهير: “ڤول ڤول يا معمّر ڤول!”. كانت أجواء سرياليّة من الكوميديا السياسيّة السوداء، لم نتخيّل بأنّها ستعود!”.
وكان سعيّد عبر في أكثر من مناسبة عن تبنّيه لبعض أفكار القذافي والمتعلقة أساسا برفض الأحزاب واعتماد مبدأ “الديمقراطية القاعدية” التي تقوم أساسا على فكرة تنسيقيات شعبية تنتخب بشكل مباشر ممثليها في البرلمان.
وقال أنور بن الشاهد، النائب عن حزب التيار الديمقراطي، إن خطاب الرئيس سعيد الأخير في سيدي بوزيد “أتى على كل ما آلم الرئيس منذ سرقة التزكيات قبل الترشح للرئاسة الى تقلب المواقف بعد 25 جويلية مرورا بكل ما قيل فيه. خطاب لو يخط في كتاب سيحمل اسم كفاحي”، في إشارة إلى الكتاب المشهور للزعيم النازي أدولف هتلر، والذي يلخص فيه سيرته الذاتية ومجمل أفكاره.
وكانت أغلب الأحزاب التونسية والمنظمات الكبرى عبّرت عن رفضها لما ورد في خطاب الرئيس سعيد الأخير، حيث اتهمته حركة النهضة بالتنكر للثورة ومحاولة تقسيم التونسيين.
فيما التقى الأمين العام لاتحاد الشغل بأحزاب التيار الديمقراطي والتكتل وآفاق تونس والجمهوري لمناقشة خطاب سعيد الأخير، وأكدت الأطراف المذكورة رفضها لتوجه سعيد نحو تعليق العمل بالدستور وتمديد العمل بالتدابير الاستثنائية بما يساهم في تكريس الحكم الفردي ويهدد بعودة الاستبداد للبلاد.