فورين بوليسي: نشر الديمقراطية في العالم العربي ليس ترياقا للإرهاب وأمريكا بحاجة لدعم ديمقراطيتها أولا
عربي تريند- نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا لستيفن كوك، قيّم فيه تجربة نشر الديمقراطية في العالم العربي، والتي رفعتها إدارة جورج دبليو بوش والمحافظون الجدد في مرحلة ما بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001.
ورغم تعلم الإدارات الأمريكية خلال عقدين مرّا على هذه الهجمات، إلا أنه يرى أن المكان الصحيح لنشر الديمقراطية ودعمها هو الولايات المتحدة نفسها.
ويعتقد كوك أن السياسة الخارجية الأمريكية قامت على خطأ أساسي في تعاملها مع الشرق الأوسط. ولهذا ارتكبت مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية الكثير من الأخطاء في مرحلة ما بعد 9/11 ولكن يذكر لها أنها قامت بجهود عامة وإن كانت أحيانا فوضوية للتعلم من أخطاء السنوات الماضية. وشارك الأكاديميون وخبراء السياسة والساسة المحترفون والصحافيون في نقاش قوي من خلال المقالات الأكاديمية والكتب ومقالات الرأي وندوات النقاش حول دور الولايات المتحدة في العالم.
وكان واحدا من الموضوعات التي تطرق إليها النقاش، هو نشر الديمقراطية في العالم العربي. وكان الموضوع محلا للاهتمام الكبير في مرحلة ما بعد الهجمات عام 2001 ثم اختفى من النقاش ليعود إلى الواجهة مع انفجار الانتفاضات العربية التي أطاحت بأنظمة ديكتاتورية وهددت أخرى. ولكنه تلاشى مرة ثانية بعد عودة الأنظمة الديكتاتورية والقمعية. والسؤال هو: “ماذا تعلمت الولايات المتحدة من تجربة نشر الديمقراطية؟”. والجواب برأي الكاتب “ليس كثيرا، وربما لم يكن بنفس القدر الواجب عليها تعلمه”.
ارتكبت مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية الكثير من الأخطاء في مرحلة ما بعد 9/11 رغم أنها قامت بجهود عامة وإن كانت أحيانا فوضوية للتعلم من أخطاء السنوات الماضية
وبعد فترة من الهجمات، بدأ البعض داخل مجتمع السياسة الخارجية بالتفكير حول علاقة الأنظمة السياسية في الدول التي جاء منها المهاجمون والميل للتطرف. وكانت الولايات المتحدة، باستثناء الخطاب حول نشر رؤية للديمقراطية ومنطقة مزدهرة، تركّز على حماية مصالحها الجوهرية في المنطقة، بما في ذلك التأكد من تدفق النفط والحفاظ على أمن إسرائيل والتأكد من الهيمنة على المنطقة والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، عبر الشراكات والتعاون مع الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة. وحصلت مصر على علاقة استراتيجية (مهما كانت) مع الولايات المتحدة، لأن الرئيس المصري في ذلك الوقت حسني مبارك، أبقى على قناة السويس مفتوحة، والتزم بمعاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل، ومارس الضغط على الإسلاميين.
وبعد تدمير مركز التجارة العالمي والبنتاغون، توصل أعضاء في مجتمع السياسة الخارجية الأمريكية إلى نتيجة تقضي بالتركيز على ما يحدث في داخل الدول العربية. فمهما كانت المساعدة التي قدمها مبارك للولايات المتحدة، فإنه أبقى على مناخ اجتماعي لم يسمح للمصريين بالتعبير عن مظلوميتهم من خلال المؤسسات السياسية والقانونية. وفي كل مرة حاول فيها المصريون تصحيح المسار، قام المدافعون عن النظام بتزوير النظام لصالحهم. ومَن حاولوا المواصلة والتعبير عن رفضهم، واجهوا الهراوات المعدنية والغاز المسيل للدموع ورصاص قوات الأمن.
في المقابل، بدأ المحللون بالاعتقاد أن هذه بيئة خصبه لظهور الإرهاب. ورغم اعترافهم بخصوصيات الدول العربية والخلافات بينها، إلا أن القصة المصرية كانت النموذج للمنطقة، ومن هنا ولدت فكرة دعوة الترويج للديمقراطية في الشرق الأوسط. ويمكن للمرء مناقشة طريقة تطبيق أجندة نشر الحرية لجورج دبليو بوش وعلى من طُبقت، على العراقيين والمصريين والفلسطينيين وليس على السعوديين. ويمكن النقاش حول فيما إن تم تمويلها بشكل جيد ولم يقتصر الترويج للديمقراطية على محاربة الإرهاب بل وعلى ما فعله بوش في الأشهر والسنوات التي أعقبت 9/11 والذي كان تحولا بالنهج نحو الشرق الأوسط. وبناء على هذا الموقف، لم يعد الأمن يعتمد على الجنرالات المسنين أو الملوك، بل على تطوير الديمقراطيات في كل المنطقة.
وهنا يطرح الكاتب السؤال التالي: “هل كان تشخيص الولايات المتحدة للمشكلة والسياسات التي استُخدمت لحلها صحيحا؟”. وكان في أساس النهج الأمريكي الجديد منطق واضح: القمع يقود إلى الإرهاب. ومن هنا ركّز صناع السياسة والمحللون على هذه الدينامية وهي: في كل مرة تحدث فيها مواجهة غير سعيدة مع الدولة، تتضاءل نسبة الراغبين بالتمسك الشديد باللعبة الموجودة. وفي الوقت الذي يواجه فيه المواطنون عنف الدولة، يستنتج البعض منهم ألا حل لديهم إلا اللجوء للسلاح واستخدامه ضد النظام ورعاته. ولا شيء مثير للجدل حول هذا التحليل الأساسي، فنحن نعرف أمرا يطلق عليها دينامية القمع- التشدد.
لكن ترجمة هذه النظرة إلى أجندة ترويج للديمقراطية كان أمرا مثيرا للإشكال ولأسباب عدة، منها أن القادة الديكتاتوريين لم يكن لديهم الاستعداد للتخلي عن القمع كوسيلة للسيطرة السياسية. ولم يكن لدى مبارك أو الرئيس السوري بشار الأسد ما يقدمانه للمصريين والسوريين بشكل يدفع غالبيتهم للولاء للنظامين. ونظرا لأن الوسائل القمعية والإكراه هي طرقهم للسيطرة والبقاء في الحكم، فالدعوة للديمقراطية تعتبر تهديدا وجوديا لكليهما. وهو ما زاد من صعوبة الجهود الأمريكية.
وهناك سبب ثان يتعلق بالمشاريع والبرامج التي تبنتها الولايات المتحدة في السنوات الأولى من القرن الحالي، وقامت على فكرة أن الشروط الاقتصادية والاجتماعية هي ضرورة لبناء ديمقراطية مستدامة في الشرق الأوسط. إلا أن المدافعين عن الأنظمة، وليس فقط من يحملون السلاح، استطاعوا وبنجاح إفشال الجهود الداعية لنشر الإصلاحات التعليمية والاقتصادية والسياسية وتقوية المرأة. وخلقوا عشبا اصطناعيا مضادا للجماعات الشعبية، حيث تم وصف المنظمات غير الحكومية ونشر الديمقراطية في الصحافة المؤيدة للأنظمة بأنها صورة جديدة عن مشروع استعماري.
واشتكى المسؤولون أن هذه الجهود هي خرق للسيادة الوطنية. ورفض المسؤولون في المنطقة قبول فكرة أن الاضطهاد السياسي يقود إلى الإرهاب. وركزوا بدلا من ذلك على أن الجهادية هي فكرة أيديولوجية عابرة للحدود لا يمكن حلها بالديمقراطية. وصحيح أن التطرف لديه قاعدة أيديولوجية، إلا أن الولايات المتحدة والأنطمة العربية قدمت حلا مختلفا لنفس الظاهرة، واحد يدعو لنشر الديمقراطية، والثاني يتبنى العنف والقوة.
ولم يكن الأمر بهذه الدقة، فالولايات المتحدة تريد الانتخابات، والقادة العرب أردوا القوة. مع أن الرصاص كان جزءا كبيرا من استراتيجية واشنطن لمكافحة الإرهاب. وعندما انتخب الفلسطينيون حركة حماس في 2006، فقدت واشنطن حماسها للديمقراطية في العالم العربي. وبعد عشرين عاما، لا يزال خبراء السياسة الخارجية يعتقدون أن الرد على الإرهاب كان عسكريا وبشكل مفرط، بدون أن ينتقدوا قرار إدارة بوش عدم الاعتراف بانتصار حماس في الانتخابات.
بعد عقدين على 9/11، فالمكان الذي يحتاج وبشكل ملحّ أن يروج فيه الأمريكيون الديمقراطية هو وطنهم.
لكن ما هو الدرس من كل هذا؟ بلا شك، سيناقش النقاد أن الولايات المتحدة فقدت مصداقيتها، وأنه عندما تشارك حماس في الحكومة، فإن العملية السياسية ستجعلها معتدلة، لكن الدليل يظل ضعيفا في الحالتين. ولكن هل الجدال حول حماس مهم؟ وهل كان الافتراض القائم على أن الديمقراطية ستخفف من الإرهاب، افتراضا جيدا؟
ويجيب الكاتب بـ”لا”. ولم تعثر دراسة أعدتها مؤسسة راند قبل عدة سنوات على أجوبة تدعم أو تعارض الفرضية. وإذا لم يكن الأمريكيون يعانون من قصر النظر، فسيعرفون أن الديمقراطية تنتج بالفعل الإرهابيين، فقد أنتجت الولايات المتحدة عصابة “كو كلوكس كلان” و”تيموثي ماكفي” الذي فجر المبنى الفدرالي في أوكلاهوما، وعددا آخر من المنظمات الإرهابية مثل براود بويز وبوغالو بويز وثري بيرسنترز. ويتساءل الكاتب: “هل كان ظهور هذه المنظمات بسبب القمع أم الأيديولوجية؟ ولو عرف الناس في 12 أيلول/سبتمبر 2001، ما يعرفونه الآن في 2021، فهل كانوا سيدعون لنشر الديمقراطية؟”. يجيب: “بالتأكيد لا، ليس بالطريقة التي أرادت أمريكا نشرها، فالغطرسة ليست جيدة”.
والسؤال الأهم: ما هو الهدف الذي سيخدمه نشر الديمقراطية؟ وبناء على مجموعة المصالح التي حاولت الولايات المتحدة تحقيقها في الشرق الأوسط، فالجواب لا. وربما كان موقف باراك أوباما الذي حاول تقديمه في خطابه بالقاهرة عام 2009 دليلا جيدا. وبعبارة أخرى: “لو قامت دول الشرق الأوسط ببناء المزيد من أنظمة الحكم الديمقراطي، فهذا أمر عظيم وستقدم لها الولايات المتحدة كل المساعدة التي تريدها.
وفي الوقت الحالي، وبعد عقدين على 9/11، فالمكان الذي يحتاج وبشكل ملحّ أن يروج فيه الأمريكيون الديمقراطية هو وطنهم.