العالم تريند

اهتمام كبير في غزة بمحادثات الهدنة وإنهاء الحرب.. النازحون المتفائلون يحلمون بالعودة لمنازلهم والمتشائمون يستذكرون التجارب السابقة

يراقب سكان قطاع غزة باهتمام كبير في هذه الأوقات، الأخبار المتداولة حول “اجتماع باريس”، الذي جرى خلاله التوصل إلى تفاهمات أولية، قد تفضي إلى تهدئة تنهي الحرب الدامية التي تقترب من شهرها الخامس.

وزاد الحديث بشكل قوي بين السكان خاصة النازحين منهم، الذين يترقبون العودة لمنازلهم، بعد إعلان حركة حماس عن استلام ورقة المقترحات، والبدء بدراستها، وعن توجه وفد قيادي منها إلى العاصمة المصرية القاهرة، للتباحث هناك مع الوسيط المصري، حول التطورات الحاصلة.

بين متفائل ومتشائم

وظهر الاهتمام واضحا في متابعة هؤلاء لنشرات الأخبار عبر محطات الإذاعة، وكذلك مراقبة ما ينشر حول هذا الموضوع في مواقع التواصل الاجتماعي.

وينقسم السكان هنا في قطاع غزة بين متفائل بإمكانية نجاح الوساطة بعد “اجتماع باريس” الذي ضم مسؤولين من مصر وقطر والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وبين متشائم، ينظر إلى المباحثات والاتصالات التي فشلت على مدار الأسابيع الماضية في وقف الحرب.

ينقسم السكان في قطاع غزة بين متفائل بإمكانية نجاح الوساطة بعد “اجتماع باريس”، وبين متشائم

الفريق الأول الذي يبدي التفاؤل بإمكانية نجاح المساعي الحالية الرامية لإنهاء الحرب، غالبيته من النازحين الذين يعانون من ويلات الحرب، ويأملون بانتهائها والعودة في أقرب فرصة إلى منازلهم وأماكن سكنهم، التي أجبروا قسرا على تركها، جراء الأوامر العسكرية التي فرضها جيش الاحتلال.

من بين هؤلاء كان إسماعيل طه، وهو رجل في بداية العقد الخامس، والذي فتح نقاشا في حافلة ركاب مزدحمة، كانت متجهة من ميدان مدينة رفح جنوب قطاع غزة، التي تؤوي العدد الأكبر من النازحين، إلى حي تل السلطان، الذي يتواجد فيه أكبر تجمع للنازحين المقيمين في الخيام.

كانت بداية الحديث عن هذه القضية، إبلاغ هذا الرجل لمن يجلس بجانبه وهو أحد جيرانه في النزوح، بسماعه أخبارا تتحدث عن تقدم في مباحثات التهدئة، وموافقة مبدئية من إسرائيل وحركة حماس عليها.

لم يكن هذا الرجل قد أنهى حديثه مع صديقه، حيث كان يسمع صوته من القريبين منه، بحكم الازدحام الشديد في الحافلة، حتى بادره شخص آخر يقف في ممر الحافلة، التي امتلأت مقاعدها بالكامل، بالاستفسار عن بعض ما ورد في الأخبار، وعن تفاصل “اجتماع باريس”، وقد بدا من فتح النقاش، أنه ملم جيدا بالتفاصيل، وبآخر الأنباء.

وخلال حديثه عن التفاصيل التي عرفها من وسائل الإعلام، بما فيها العبرية، تفاعل ركاب آخرون مع الحدث، وقد ركز الغالبية على السؤال إن كانت الهدنة التي يجري الحديث عنها، تشمل إلى جانب وقف إطلاق النار، عودة نازحي مدينة غزة والشمال المقيمين في مناطق جنوب قطاع غزة إلى مناطق سكنهم أم لا.

ورغم عدم امتلاك أحد، حتى إسماعيل طه، الشخص الذي كان فتح بوابة النقاش، أي إجابة حول هذا السؤال، إلا أن المشاركين كانوا يردون بالتأكيد على أن الهدنة ستشمل إنهاء النزوح والعودة إلى مساكنهم، وبدا أن الأمر مرده أمنيات لهؤلاء، أكثر مما يكون مستندا إلى معلومات رسمية، خاصة وأن تفاصيل ما جرى الاتفاق عليه في باريس، لم تكشف رسميا حتى اللحظة.

“القدس العربي” التي استمعت جيدا إلى تلك النقاشات والحوارات، سألت ذلك الرجل عن سبب اهتمامه بتلك الأخبار، فأجاب شخص آخر على السؤال بالقول “تعبنا وبدنا تنتهي هالحرب وتتوقف المجازر ونعود لبيوتنا”.

وكان هذا الشاب الذي أجاب فجأة على السؤال من بين النازحين الذين تركوا وعائلاتهم منازلهم شمال مدينة غزة، ونزحوا قسرا منذ أكثر من ثلاثة أشهر إلى مدينة رفح، حيث يقيم في الخيام، ويعاني كثيرا من التعب الذي حل فيه بسبب هذا السكن الجديد، الذي يفتقر لكل مقومات الحياة، فيما تعاني أسرته كغيرها من أسر غزة، من صعوبة العيش وتردي الوضع الاقتصادي.

لم يكد هذا الشاب ينهي حديثه، حتى عاد الشخص الذي وجه له السؤال ليقول “ما في لا شغل إلنا ولا مشغلة إلا متابعة أخبار الحرب”.

عودة النازحين

وأضاف “الكل هان (الجميع في هذا المكان) يريدون انتهاء الحرب، وفش قدامنا (ليس أمامنا) إلا التفاؤل والدعاء بأن تمشي الأمور بالشكل المطلوب”.

هذا الرجل عبر عن انزعاجه الشديد من طول مدة الحرب، وقال إنه عند خروجه من منزله شمال قطاع غزة، إلى منطقة النزوح الأولى في خان يونس، ومن ثم إجباره على النزوح وأسرته إلى مدينة رفح، لم يكن يضع في حسبانه أن يمضي وأسرته أكثر من ثلاثة أشهر بعيدا عن منزله، وقد تحدث بمرارة عن وضع النزوح، والعيش في خيام لا تقي مطر وبرد الشتاء.

وقد كان لافتا دخول سيدات في النقاش، والحديث عن قرب التهدئة، إذ قالت إحداهن إنها “ستطير” إلى منزلها في مدينة غزة، وتنتظر بلهفة الالتقاء مع شقيقاتها اللواتي بقين هناك، ولم ينزحن كالكثير من السكان.

يقيم في رفح أكثر من 1.3 مليون نسمة، بعد أن كان عدد سكانها قبل الحرب حوالي 300 ألف نسمة فقط

ويكثر النازحون في مدينة رفح، حيث بات يقيم في المدينة أكثر من 1.3 مليون نسمة، بعد أن كان عدد سكانها قبل الحرب حوالي 300 ألف نسمة فقط.

وهؤلاء النازحون من ضمن نحو 1.9 مليون نازح، تركوا منازلهم قسرا، بسبب الحرب، وهم يمثلون نحو 85% من سكان القطاع البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة.

ولم يكن بعيدا عن هذا المشهد “أبو خالد”، الرجل المسن الذي يقترب من الـ (70 عاما)، حيث كان يضع سماعة المذياع الصغير قرب أذنه، خلال جلوسه أمام منزله في حي تل السلطان، ذلك الرجل الذي كان يعمل مدرسا، توقع أن تنجح مساعي التهدئة بعد “اجتماع باريس”، لكنه كغيره أبدى مخاوفه من الفشل بسبب التناقضات السياسية بين أحزاب الحكومة الإسرائيلية.

ويشير هذا الرجل إلى أن الكثير من جيرانه النازحين، الذين وضعوا خياما لهم في ساحات الحي وأمام المنازل، بما فيها منزله، سألوه كثيرا خلال اليومين الماضيين عن آخر أخبار التهدئة، لعلمهم أنه من بين الأشخاص الذين يتابعون نشرات الأخبار بشكل كبير.

الخوف من القادم

وقد جاء الحديث عن الهدنة، وكذلك “اجتماع باريس” في الوقت الذي كانت فيه قوات جيش الاحتلال توسع من نطاق هجماتها البرية على مدينتي غزة وخان يونس، وتجبر سكانهما على النزوح القسري صوب مدينتي دير البلح ورفح.

ودفع ذلك بسكان آخرين من غزة، إلى إبداء تشاؤمهم من إمكانية نجاح هذه المساعي، وقال سامي الأشقر وهو يعقب على ما يدور “إلي بدو (من يريد) هدنة ما بوسع الحرب”، وقد أشار هذا الرجل إلى أنه سمع كثيرا عن مفاوضات واتصالات تجرى منذ بداية الحرب للتوصل إلى هدنة، وأضاف “في كل مرة كانت تنتهي بالفشل، والحرب بتتواصل وبتتوسع يوم ورا يوم”.

ويشاطر الكثير من السكان بمن فيهم النازحون أيضا هذا الرجل في موقفه، وعبر الكثير منهم عن خشيتهم من استمرار الحرب ومأساة النزوح، حتى في شهر رمضان الذي يطرق الأبواب.

ويستند هؤلاء أيضا إلى تقارير عبرية قالت إنه لم يتم طرح قضية عودة سكان مدينة غزة وشمال القطاع إلى منازلهم خلال “اجتماع باريس”، خلال المرحلة الأولى من الصفقة التي تشمل تبادل الأسرى.

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى