التايمز: درعا قد تصبح مركز “حرب أبدية” جديدة مرتبطة بأزمة الوقود في لبنان
عربي تريند- علق مراسل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة “التايمز” ريتشارد سبنسر قائلا إن جبهة جديدة في “الحرب الأبدية” بسوريا قد فتحت بشكل تمتحن استعداد الرئيس جوزيف بايدن للتدخل في الشرق الأوسط. وأشار الى الأحداث المتطورة في مدينة درعا، جنوب سوريا التي تعرضت ومنذ عدة أسابيع لقصف النظام السوري في دمشق والمقاتلين من حزب الله وعناصر الحرس الثوري الإيراني.
ويطلق على مدينة درعا بـ “مهد الثورة” التي انطلقت منها عام 2011، وكان من المفترض أن يسيطر النظام على المدينة القريبة من الحدود مع الأردن في صيف 2018 إلا أن التوصل إلى اتفاقية وقف إطلاق النار وضع حدا للقتال الجاري فيها منذ 7 أعوام من القتال.
لكن النظام قام في الأسابيع الماضية بفرض حصار، ردا على هجمات المقاتلين الذي وافق على بقائهم بالمدينة وبأسلحتهم ضمن اتفاقية وقف إطلاق النار التي وقعها قبل 3 أعوام. ووصف السكان الوضع بالكارثي حيث أطلق النظام والإيرانيون الصواريخ التي تبلغ زنتها 500 رطلا على درعا البلد، كما وأغلق النظام كل المنافذ والإمدادات عنها. ونقلت الصحيفة عن أبو علي المحاميد، المتحدث باسم حركة المعارضة قوله: “حتى دفن الشهداء بات مخاطرة لأن القصف لا يتوقف”، وأضاف “قتل 6 مدنيين يوم أمس وهناك جرحى كثر بمن فيهم أطفال ونساء وقصفوا عمدا عدة مساجد”. ويقول المتمردون إنهم يستهدفون الوجود الإيراني في المنطقة على شكل “مستشاري” الحرس الثوري والميليشيات المتحالفة معهم مثل حزب الله.
وكان من المفترض خروج الإيرانيين بموجب الاتفاقية عام 2018 لكنهم احتفظوا بقواعد عسكرية لهم من درعا حتى حدود إسرائيل في الغرب. وهو ما يشكل تهديدا واضحا على الحليفين الرئيسيين لأمريكا وهما الأردن وإسرائيل، وربما كان هذا الداعي الأساسي لواشنطن كي تتدخل. لكن الأوقات قد تغيرت ولا أحد يتوقع تدخلا أمريكيا في القتال والذي توقف بشكل مؤقت بعد توسط الروس في اتفاق وقف إطلاق النار.
وتزامن القتال مع التواصل غير المتوقع مع نظام الأسد، وهو أهم تواصل، من الناحية النظرية منذ فرض الولايات المتحدة عقوبات على النظام. وجاء التواصل من خلال السفيرة الأمريكية في لبنان دوروثي شيا والتي اقترحت حلا لمشكلة الوقود في لبنان والذي شل الحياة اليومية. وبموجبه يتم إلغاء بعض العقوبات كي ينقل الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان من خلال أنابيب الغاز الموجودة بين الأردن وجنوب سوريا. وبالتأكيد يحتاج الجزء السوري من الأنابيب إلى عملية إصلاح وتحديث. وتمر الأنابيب من درعا في طريقها إلى شمال حمص ومن هناك إلى مدينة طرابلس في شمال لبنان. ولم تعط السفيرة شيا أو أي مسؤول أمريكي توضيحا للفكرة وما يقف خلفها، ولكن التفسير الواضح هو منع المنافسة إيران من المسارعة لإنقاذ لبنان. ووعد الإيرانيون بنقل الوقود عبر ناقلات النفط وبالتنسيق مع حليفهم اللبناني، حزب الله.
ونقلت الصحيفة عن الدبلوماسي السوري السابق بسام بربندي والذي انشق عن النظام ويرصد التطورات في درعا قوله إن الإيرانيين يريدون السيطرة على أنبوب الغاز لمنع حلفاء الولايات المتحدة من استخدامه كأداة استراتيجية. وهم يرون أن العراق وسوريا ولبنان بمثابة قوس تأثير لهم في منطقة الشرق الأوسط.
وقال “يمر أنبوب الغاز عبر درعا ولهذا فسيطرة إيرانية على درعا تعني خنق الأنبوب” و “هذا تعبير عن هيمنة القطاع العسكري والطاقة الإيرانيين”. ومنح اتفاق إطلاق النار يوم الأربعاء النظام مزيدا من السيطرة على المدينة التي منح فيها المتمردون نوعا من الاستقلالية ووعد مرة أخرى بانسحاب القوات الإيرانية، وستشرف على تطبيق الشرطة العسكرية الروسية مع جماعات التمرد السابقة التي وفر الروس التدريب لعناصرها. وظهر محاميد، المتحدث باسم المتمردين في صور وهي يلتقي القوات الروسية، وعرض في البداية انسحابا كاملا للمقاتلين لأنهم لا يريدون الدخول في “حرب طائفية” مع الإيرانيين وحلفائها الشيعة. وسواء طبق الإيرانيون شروط الاتفاق فنتيجته هو ظهور محور معاد لواشنطن وعقبة إيرانية أمام التدخل الأمريكي في المنطقة، وتحديدا لو مضت قدما في خطة الغاز.
وتشعر إيران وحزب الله بالقلق من محاولات الإمارات إقناع الولايات المتحدة وإسرائيل التعامل مع نظام الأسد لتخفيف اعتماده على إيران وتأثيرها عليه. وتأتي تصريحات شيا غير المتوقعة في وقت تراجع فيه الإدارة الأمريكية سياستها في سوريا. ولدى أمريكا مئات من الجنود في شمال – شرق سوريا لدعم قوات سوريا الديمقراطية، الكردية التي تدير المنطقة. وربما تعرضوا للضغط من النظام وروسيا بعد خروج الولايات المتحدة من أفغانستان. والقوات في المنطقة هي اسميا لقتال بقايا تنظيم “الدولة” كما يقوم 2.500 جندي أمريكي في العراق.
ويقول دبلوماسيون في المنطقة إن الوجود الأمريكي سيستمر إن كان من أجل حلفائها في إسرائيل ودول الخليج، مع أن الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين من أوباما إلى ترامب وبايدن وعدوا بفك ارتباط الولايات المتحدة بالمنطقة وإنهاء ما أطلقوا عليها الحرب الأبدية. ولكن بدون نوايا واضحة وفي ضوء تخلي الولايات المتحدة عن حلفائها وسط المشاهد الفوضوية في كابول لا أحد يعرف خطط الإدارة في سوريا.
وكتب عبد الرحمن المصري المحلل في أتلانتك كاونسل أن هناك إمكانية لتحول “القوات الأمريكية وعددها تقريبا 900 جنديا أمريكيا ويساهمون في إحلال الاستقرار بالمنطقة بمرحلة ما بعد تنظيم “الدولة” وتعزيز قدرات القوات الكردية لهدف روسي”. وأضاف أن الطريقة التي سحب فيها الولايات المتحدة قواتها التي نشرتها في أفغانستان لن يجعل الروس مهتمين فقط برؤية رحيل مماثل في سوريا ولكنه يهم الشركاء مثل سوريا الديمقراطية التي ستساءل عن التزامات أمريكا”. وكما في حالات التدخل الخارجي الأمريكي فالعالم ينتظر قرارات من الرئيس الذي تعهد بوقف فوضى سنوات ترامب والذي واصل، باستثناء مفاوضاته مع إيران بشأن الاتفاقية النووية، وبشكل عملي بنموذج سلفه. وفي سوريا لا أحد يعرف ماذا يعني هذا للنظام والأكراد والمتمردين والقوات الأمريكية نفسها. وربما عادت درعا، مهد الثورة المنسية إلى الصورة مرة ثانية وسط أزمة إقليمية مستمرة أدخلت سوريا في الفقر وجلبت رئيسا متشددا إلى الحكم في إيران وتسببت بانقطاع الوقود والكهرباء في بلد مثل لبنان كان مزدهرا. وقال المحلل في المركز العربي بواشنطن، جوي ماكرون “أزمة الطاقة في لبنان لها سياقها وديناميتها ولكن حساباتها مرتبطة بفهم السياقات والديناميات النابعة من درعا بين الأردن وروسيا وبشكل محتمل الولايات المتحدة”.