نيويورك تايمز: بايدن يواجه خيارات مؤلمة في التعامل مع طالبان.. التسامح معها أم تجاهلها؟
عربي تريند_ علق ماكس فيشر في صحيفة “نيويورك تايمز” أن التحدي الأكبر للولايات المتحدة في أفغانستان هو التعامل مع طالبان. وقال إن عدوها الأبدي بات واقعا وعلى واشنطن أن تختار بين تجاهله أو التسامح معه، حيث يجلب كل خيار من هذا مقايضات مؤلمة.
وقال إن المعضلة هذه كانت موجودة حتى أثناء عملية التحضير لانسحاب القوات الأمريكية بعد 20 عاما من أفغانستان. وظهر السؤال في النقاشات حول كيفية التعاون ضد عدو مشترك: تنظيم “الدولة”- ولاية خراسان.
وهناك سؤال آخر يتعلق بالإفراج عن 9.4 مليار دولار من احتياطات الحكومة الأفغانية التي تم تجميدها في الولايات المتحدة. فتسليم طالبان مليارات الدولارات يعني تمويل نظام ديني محافظ. لكن حجب الأموال يعني أزمة عملة وتوقف عمليات استيراد الوقود والطعام والدواء وتجويع المدنيين الأفغان الذين وعدت الولايات المتحدة بحمايتهم.
وهذه هي البداية وقد تقضي واشنطن وطالبان سنوات وحتى عقود موزعتين بين التعاون والنزاع والتنازل والتنافس في محاولة إدارة العلاقة التي لا يستطيع أي منهما التسامح معها أو العيش بدونها. ويبدو أن طالبان تفهم أن حكم بلد فقير أنهكته الحرب تحد يختلف عن المعركة، وهي بحاجة لدعم دبلوماسي واقتصادي تريد الحصول عليهما من الولايات المتحدة.
ومن جانب واشنطن فهي ترى في أفغانستان ملجأ آمنا ممكنا للإرهاب الدولي ومركزا للتنافس الجيوسياسي ضد أعدائها ومركزا لكارثتين تلوحان بالأفق، حكم طالبان والانهيار الاقتصادي، وكلاهما قد تصل آثاره إلى خارج الحدود. ويواجه بايدن في داخل أمريكا تداعيات سلبية بسبب أفغانستان والتي قد تزيد لو نظر إليه على أنه يقدم الدعم لحكم طالبان. ولكنه سيجد أن أي محاولة لتأمين أهداف أمريكا في البلد، حتى المتواضع منها قد يحتاج إلى التسامح مع الجماعة التي تسيطر عليه الآن.
واكتشفت إدارته هذا في الأسبوع الماضي عندما اعتمدت القوات الأمريكية على مقاتلي طالبان لتأمين مطار المدينة.
وقال بايدن معلقا على المخاطر وربما فقدان الكرامة من خلال السماح لطالبان السيطرة وإن بشكل جزئي على ممرات الإجلاء “هذا في مصلحتهم وسنخرج في الوقت المحدد”. وأضاف فيما سيعلم العلاقات الأمريكية – الأفغانية “المسألة ليست ثقة ولكن مصالح ذاتية متبادلة”. ولو حاولت الولايات المتحدة التي لم يعد لديها قوات على الأرض أو حلفاء في أفغانستان، مواجهة تنظيم “الدولة”- ولاية خراسان، فهي تريد قوات صديقة ومعلومات أمنية. وربما احتاجت طالبان التي تريد السيطرة على المناطق النائية في البلاد الغطاء الجوي الأمريكي لهزيمة التنظيم. وكان هذا المزيج ضروريا لهزيمة تنظيم “الدولة” في العراق وسوريا.
ويقول المسؤولون الذين عملوا في تلك الحملة إن واشنطن وطالبان تقومان بفحص التنسيق التكتيكي وبهدوء. ولدى الولايات المتحدة تاريخ للتعاون مع حكومات غير مرغوب فيها في الحرب ضد الجماعات الإرهابية. إلا أن تلك الحكومات غالبا ما استغلت وبشكل روتيني موافقة الأمريكيين ومساعدتهم لقمع الجماعات المعارضة التي صنفتها بالمتطرفة. وساعدت هذه الدينامية الديكتاتوريين على تجاهل المطالب الأمريكية لاحترام حقوق الإنسان والديمقراطية، لاعتقادها أن أمريكا ستتسامح مع انتهاكاتها طالما قدمت نتائج في موضوع الإرهاب. وحتى لو استطاعت أمريكا التأكد من كل هدف على القائمة فإن أي غارة جوية ستكون في خدمة طالبان وسيطرتها على البلاد التي قضت عقودا في حربها. ويمكن للحركة أن تنقل كل جندي من محاربة تنظيم “الدولة” لمواجهة الجماعات المعارضة الأقل تطرفا. وسيطرح سؤال حول ما تفضله واشنطن من مستقبل لأفغانستان، منقسمة بسبب الحرب الأهلية التي أنتجت طالبان ثم تنظيم “الدولة” الآن أو موحدة في ظل حكم طالبان التي لم تعدل من مواقفها في السلطة.
وعبرت طالبان التي تريد الدعم الأجنبي بشكل عاجل عن رغبة ببناء علاقات مع واشنطن. وكلما تأخرت الولايات المتحدة في الاعتراف الرسمي أو غير الرسمي بطالبان كلما لاحقت طالبان الأمريكيين للحصول على موافقتهم، لكن انتظار أمريكا طويلا يعني أن القوى الأخرى ستسارع لملء الفراغ.
وعبرت الصين وإيران وكلاهما لديه حدود مع أفغانستان عن رغبة في التعامل مع حكومة طالبان مقابل تعهدها بأمور تتعلق بشكل كبير بالإرهاب. ويحاول البلدان تجنب انهيار اقتصادي أو عودة للحرب الأهلية قريبا من حدودهما. وهما راغبتان بمنع عودة التأثير الأمريكي إلى أفغانستان. وكتبت أماندا هاسيو، من مجموعة الأزمات الدولية “تريد بيجين تقديم اعتراف بحكومة طالبان قبل أو مع اعتراف باكستان ولكن قبل أي دولة غربية”.
وبدأت إيران باستخدام “الإمارة الإسلامية” وهو الاسم المفضل لحكومتها وأبقت على ممثليتها مفتوحة في أفغانستان. وبالنسبة لواشنطن هناك مناطق رمادية في التعاون أو عزل طالبان. فدول صديقة لها مصالح في أفغانستان مثل قطر وتركيا عبرتا عن استمرار التعامل بل وتعميق المصالح التجارية في البلد، ويجب عليهما أن تحصلا على موافقة ولو تكتيكية من أمريكا. ولم تعترف الولايات المتحدة بفيتنام إلا في عام 1995، أي بعد 20 عاما من الانسحاب الأمريكي. ولكن السنوات الفاصلة بينهما تضمنت سلسلة من الاتفاقيات، مثل التنازلات التي قدمتها أمريكا وقوت البراغماتيين على حساب المتشددين مما أدى إلى معاملة بالمثل. ومع ذلك لا تزال فيتنام دولة الحزب الواحد والتي لم تخف ديكتاتوريتها إلا قليلا، لكن الأعداء السابقين اقتربوا من بعضهم البعض لاتفاقهم على موضوع واحد، التجارة وآخر وهو المعارضة للصين، ويمكن أن يطبق هذا على أفغانستان. لكن الكثير من الأفغان يخشون من اعتراف أمريكي وإن لم يكن مباشرا، تفسره الحركة على أنه صك مفتوح لكي تحكم كما تريد. لكن هناك من عارضوا الانسحاب الأمريكي وسيطرة طالبان يطالبون بالتعامل مع الحركة. وكتب رجل الأعمال الأفغاني- الأسترالي “أي طرف له مصلحة باستقرار أفغانستان عليهم العمل معا”.
وقال بمقال نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” إنه بدلا من تقويض حكومة طالبان يجب على القوى الغربية بمن فيها بريطانيا” استخدام حاجتها للاعتراف وإقناع طالبان تبني موقفا مناسبا”. وربما كان السيناريو الذي سيحدث بالتأكيد بسبب الانسحاب الأمريكي هو الانهيار الاقتصادي وربما المجاعة. فأفغانستان تستورد معظم طعامها ووقودها والطاقة الكهربائية، ولأن لديها عجز تجاري فهي تدفع ثمن معظم استيرادها عبر الدعم الخارجي والذي يصل إلى نصف اقتصاد البلد وتم تجميده الآن. وكان لدى البلد احتياطي من العملة الأجنبية لتمويل 18 من الاستيراد حتى قيام أمريكا بتجميد الحسابات. ونتيجة لهذا فقد ينفذ الطعام والوقود بدون طرق لتعويض النقص. وكتب الاقتصادي بجامعة كولومبيا أدم توز “عادة ما تنتج المجاعات الحادة من نقص الطعام مما يدفع إلى البحث عن المواد الأساسية وزيادة المضاربات وارتفاع أسعار الطعام التي تقتل الفقراء” و”هذه عناصر نرى أنها حاضرة دائما في أفغانستان”.
وكما تعلمت الولايات المتحدة من تجربتها في الصومال بحقبة التسعينات فإن نقل الطعام للبلد لن يحل المشكلة بل يجرد المزارعين من مصادر دخلهم. وحذر توز مما يطلق عليه الاقتصاديون “توقف مفاجئ” وهو وضع تفقد فيه البلدان القدرة على تمويل العجز التجاري، وهو ما يقود إلى أزمة عملة وتضخم بشكل يجعل ما بقي من الطعام غير متاح. وفي مدينة قندوز، شمال البلاد ارتفع سعر الطحين بنسبة 41% والغاز بنسبة 63%، وذلك حسب منظمة سيف ذا تشيلدرن. وليس صعبا تخيل عملية تسويق واشنطن عرض الاعتراف الدبلوماسي ومليارات الدولارات المجمدة لحركة استقبلت مرة تنظيم القاعدة ومنعت المرأة من الدراسة والحياة العامة وقامت بإعدامات عامة. فقد انتهز الجمهوريون فرصة الفوضى التي رافقت الانسحاب من أفغانستان وانتقدوا بايدن بأنه متساهل مع أعداء أمريكا في الخارج. وقد يواجه ضغوطا من اللاجئين الأفغان في أمريكاـ مثل الكوبيين والفيتناميين الذين عادة ما يتخذوا مواقف متشددة من حكومات البلاد التي فروا منها. وقد تتردد الإدارة التي تحاول مواصلة أجندة محلية طموحة في ظل الكونغرس المنقسم بهامش ضيق، تخصيص رأسمال سياسي لبلد تراه هامشيا. لكن بايدن الذي يستمتع بالضغط السياسي بشأن أفغانستان قد يختار إلى المنافسة الجيوسياسة، الدعم الإنساني أو مكافحة الإرهاب في أفغانستان، وربما وجد نفسه يفعل هذا مرة أخرى.