مصر

حالة حقوق الإنسان في مصر خلال 3 أشهر: الانتهاكات مستمرة

عربي تريند_ في الوقت الذي اتخذت فيه السلطات المصرية عددا من القرارات لحلحلة أزمة ملف حقوق الإنسان خلال الربع الثالث من عام 2021، الذي يواجه انتقادات عديدة، ما جعل الصورة للوهلة الأولى تبدو شديدة الإشراق، إلا أن الواقع قد يحمل وجهًا آخر تمامًا، فيما يتعلق بهذه المسألة، لا سيما ظروف عمل المدافعين عن حقوق الإنسان، حسب تقرير لمؤسسة حرية «الفكر والتعبير» صدر الجمعة.
وأشارت المؤسسة، في تقرير حمل عنوان «انتهاكات مستمرة» عن حالة حرية الرأي والتعبير في الربع الثالث من عام 2021، إلى «قرارات الإفراج التي صدرت بحق 16 صحافيا ومدافعا عن حقوق الإنسان، حيث جرت إحالة أعداد أكبر بكثير في6 قضايا على الأقل شملت 67 شخصًا، إلى المحاكمة أمام محاكم استثنائية (محكمة أمن الدولة العليا طوارئ) التي تصدر أحكامًا قاسية عليهم مع العلم أن أحكامها نهائية وباتة لا يجوز الطعن عليها أو استئنافها».

موقف السلطة

وتابع التقرير: الحقيقة أن القضايا التي تجري إحالتها والتهم التي يواجهها المتهمون على ذمتها تتطابق مع القضايا التي تقرر السلطات إخلاء سبيل آخرين على ذمتها، ما يعني أن المعيار الحاكم هو موقف السلطة السياسية والأمنية مِن شخوص مَن يتم إخلاء سبيلهم أو إحالتهم إلى المحاكمة، بالإضافة إلى استمرار القبض على صحافيين على خلفية عملهم الصحافي، وناشطين سياسيين وأفراد على خلفية تعبيرهم عن آرائهم على مواقع التواصل الاجتماعي».
وزاد : «في الوقت الذي تسعى فيه السلطات المصرية إلى إغلاق ملف قضية التمويل الأجنبي باتخاذ إجراءات من شأنها حفظ التحقيقات مع 71 كيانا، يستمر المدافعون تحت التهديد من خلال مواجهة خطر التنكيل بسبب اتهامهم في قضايا أخرى بالاتهامات نفسها بعضها ما زال أمام القضاء الطبيعي، وبعضها قيد تحقيقات النيابة العامة».

الضغوط

وعن إصدار اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم العمل الأهلي، أوضحت أن «الإصدار جاء بعد ضغوط كبيرة تعرضت لها السلطات المصرية عقب استهداف جاسر عبد الرازق، المدير التنفيذي السابق للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، واثنين آخرين من فريق عمل المنظمة، بدعوى مزاولة أنشطة العمل الأهلي دون الحصول على ترخيص من الجهة الإدارية المختصة (وزارة التضامن الاجتماعي) رغم عدم صدور اللائحة التنفيذية حينها».
وتناول التقرير إصدار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في سبتمبر/ أيلول 2021 أول استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان في مصر.
وقال: «كان لتزايد الضغوط الدولية بشكل عام والأمريكية بوجه خاص منذ إعلان فوز جو بايدن في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 دور لا يمكن إنكاره في سياق اهتمام الحكومة المصرية بملف حقوق الإنسان، وما تم اتخاذه من خطوات، بداية بالإفراج عن عدد من المدافعين والنشطاء والصحافيين مرورًا بحفظ التحقيق مع عدد من المؤسسات على خلفية قضية التمويل الأجنبي ووصولًا إلى لحظة إطلاق الاستراتيجية».
وتابع: «إلا أن تلك الخطوات لم تعكس رغبة وإرادة سياسية حقيقية لتغيير واقع حقوق الإنسان في مصر، وربما العملية التي خرجت من خلالها الاستراتيجية الوطنية وتركيبة مؤتمر الإطلاق كانت مؤشرات دالة على مدى جدية السلطات المصرية في فتح صفحة جديدة بشأن واقع حقوق الإنسان في مصر».
وتابع : «واقع عملية إعداد الاستراتيجية يشير حسب رؤية مؤسسة حرية الفكر والتعبير، إلى غياب أي حوار جاد في الفضاء العام، وتؤدي هذه الطريقة الأحادية التي تنتهجها الدولة فيما يخص ملف حقوق الإنسان إلى إنتاج وثيقة حكومية شكلية بهدف سد الذرائع أمام الضغوط الدولية، وليس استراتيجية وطنية متكاملة، تشاركية وقابلة للتطبيق بمساهمة مباشرة من الفاعلين أنفسهم».
وزاد: «بالتوازي مع إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، شرعت نيابة أمن الدولة في إحالة عدد كبير من صحافيين ومدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء إلى محكمة أمن الدولة طوارئ».

إحالة 67 ناشطا للمحاكمة

ورصد التقرير إحالة 6 قضايا على الأقل إلى المحاكمة أمام محاكم أمن الدولة العليا طوارئ، شملت 67 متهمًا، قضى أغلبهم فترات حبس احتياطي مطولة على خلفية اتهامات مكررة مبنية على محاضر تحريات جهاز الأمن الوطني.
وبيّن أن «بعض تلك القضايا صدرت فيه أحكام متسرعة وقاسية (قضيتان) علمًا أن أحكام محاكم أمن الدولة العليا طوارئ نهائية وباتة لا يجوز الطعن عليها أو استئنافها، والمتاح فقط التماس إلى رئيس الجمهورية باعتباره الحاكم العسكري، حيث يمنحه القانون سلطة عدم التصديق على الحكم وإعادة المحاكمة أو العفو عن العقوبة بشكل نهائي».
وحذرت مؤسسة حرية «الفكر والتعبير» من أن «يكون نهج السلطات القضائية في إحالة تلك القضايا هو أحد أشكال إنهاء حالات الحبس الاحتياطي المطولة التي تسبب القلاقل الدولية».

حق المواطنين في التجمع السلمي

وحسب التقرير، فإنه «استمرارًا في الاعتداء على حق المواطنين في التظاهر والتجمع السلمي، أمر قاضي المعارضات في محكمة الجيزة الابتدائية في 26 سبتمبر/ أيلول الماضي، بإخلاء سبيل الستة المحبوسين احتياطيًّا من أهالي نزلة السمان، بكفالة 5 آلاف جنيه لكلٍّ منهم على ذمة التحقيقات في القضية رقم 14259 لسنة 2021 إداري الهرم وفقًا لتصريحات محاميهم محيي خطاب».
وذكّر بحق المواطنين في التظاهر والتجمع السلمي، عن طريق القانون رقم 107 لسنة 2013 والمعروف باسم (قانون التظاهر) الذي أقره الرئيس السابق عدلي منصور في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2013، وسط اعتراضات حزبية وحقوقية ترى أن القانون كبَّل بشكل تام حق المواطنين في التظاهر والتجمع السلمي بشكل فعلي، إذ استخدمت السلطات المصرية، وفقًا للقانون، القوة في فض أي تظاهرات أو تجمعات للمواطنين منذ وقتها وإلى الآن، كما سمح لها القانون بملاحقة الداعين إلى التظاهرات والمشاركين فيها وأقر سلب المواطنين حقهم في التظاهر والتجمع السلمي.

استمرار الانتهاكات

ورصدت المؤسسة، خلال الربع الثالث من عام 2021، 5 وقائع انتهاكات اشتملت على 7 انتهاكات، جميعها تدل على استمرار السلطات المصرية وأجهزتها المختلفة في استهداف الصحافيين.
وبينت أن ذلك «يأتي بالرغم من قلة التغطيات الصحافية المناهضة لروايات تريد السلطات المصرية تسييدها، بفضل تراجع معدلات حرية الصحافة في مصر خلال السنوات السبع السابقة».
وجاءت حالات القبض على رأس الانتهاكات التي تعرض لها الصحافيون خلال الربع الثالث من عام 2021، كالقبض على رئيس تحرير جريدة «الأهرام» الأسبق، عبد الناصر سلامة، وذلك بعد أيام من نشر سلامة عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» مقالًا ينتقد فيه الرئيس السيسي وإدارته ملف أزمة سد النهضة، محملًا إياه مسؤولية الفشل في هذا الملف ومطالبًا بتنحيه عن رئاسة الجمهورية وتقديم نفسه إلى المحاكمة.
كما تناول التقرير واقعة القبض على الصحافي في قناة «الجزيرة مباشر مصر» ربيع الشيخ، حيث ألقي القبض على الشيخ فور عودته من العاصمة القطرية الدوحة في زيارة قصيرة لزيارة عائلته، وفقًا لموقع القناة.
وفي سياق مختلف صرح الصحافي الإيطالي جاستون زاما، عن رفض السلطات المصرية التصريح له بالقدوم إلى مصر لإعداد تقرير مصور عن الباحث المصري المحبوس باتريك جورج زكي.
وأوضح أنه قام بالتواصل مع السفارة الإيطالية لدى القاهرة في يناير/ كانون الثاني الماضي بهدف القدوم إلى القاهرة لاستكمال متابعة قضية زكي الذي أعد عنها تقريرًا في إيطاليا في وقت سابق، إلا أن السفارة الإيطالية بالقاهرة أبلغته بضرورة التقدم بطلب للحصول على تصريح من خلالها.
ويضيف زاما، في إبريل/ نيسان الماضي أرسلت الشركة المنتجة للبرنامج خطابًا رسميًّا باسم البرنامج وباسم زاما للتصريح له بالقدوم إلى مصر لتصوير التقرير في أقرب فرصة، وهو الخطاب الذي أرسلته السفارة إلى المركز الصحافي في الشهر نفسه.
لم يتلقَ زاما ردًّا حتى الأسبوع الأول من أغسطس/ آب الماضي حيث تواصلت معه السفارة وأخبرته برفض التصريح له من قبل المركز الصحافي وأنه لا يمكنه القدوم إلى مصر لتغطية هذا الموضوع لأن زكي لم يحاكم بعد، وربما بعد صدور الحكم ضده يمكن التقدم بطلب جديد.
وتناول التقرير قيام السلطات المصرية بحجب موقع 180 تحقيقات.
ووفقًا لمؤسس أحد المواقع، علي أبو هميلة، فإن مسؤولين بنقابة الصحافيين أبلغوهم أن حجب الموقع جاء بسبب شبهة تمويله من قبل جماعة الإخوان المسلمين والتي تعتبرها السلطات المصرية جماعة إرهابية، بالإضافة إلى اتهام أبوهميلة بأنه عضو في التنظيم الدولي لجماعة الإخوان ويدير الموقع من تركيا.
وكانت السلطات المصرية قد بدأت حملة في مايو/ أيار 2017 استهدفت حجب كل المواقع الصحافية المستقلة المعنية بالشأن المصري سواء كانت تبث من داخل مصر أو خارجها، ووصل عدد المواقع الصحافية التي تعرضت للحجب خلال السنوات الماضية وإلى الآن 126 موقعًا ورابطًا صحافيًّا.

الحرية الأكاديمية

وقال التقرير إن السلطات المصرية استمرت في استهداف الأكاديميين والباحثين المصريين، وخصوصًا الباحثين المصريين الدارسين في الخارج الذين يتم استهدافهم بعد عودتهم إلى مصر.
ورصدت المؤسسة 3 حالات انتهاكات تمثلت في إلقاء القبض على رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون في كلية الإعلام جامعة القاهرة، أيمن منصور ندا، والأكاديمية المصرية في الخارج، عاليا مسلم، بالإضافة إلى إحالة باحث الماجستير في جامعة بولونيا، باتريك جورج زكي، إلى محكمة أمن الدولة طوارئ، بعد حبسه احتياطيًّا ما يزيد على 19 شهرًا على ذمة تحقيقات نيابة أمن الدولة.
واختتم التقرير: «على الرغم من الخطوات الحكومية في ملف حقوق الإنسان وإطلاق أول استراتيجية مصرية لحقوق الإنسان، فإن تلك الخطوات لم تعطِ انعكاسًا حقيقيًّا على ممارسات الأجهزة المختلفة، حيث استمر تعدي تلك الأجهزة على حق المواطنين في التعبير عن آرائهم بطرق مختلفة، ما يفرغ تحركات الحكومة من مضمونها ويجعلها مجرد تحركات تهدف إلى امتصاص الغضب الدولي المتصاعد من استمرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في مصر».

خطوات جادة

ودعت مؤسسة «حرية الفكر والتعبير» السلطات القضائية في مصر إلى «اتخاذ خطوات جادة ومعلنة لإنهاء حالات الحبس الاحتياطي المطول، كما طالبت رئيس الجمهورية باعتباره الحاكم العسكري ووفقًا للقانون بعدم التصديق على الأحكام التي صدرت عن محكمة أمن الدولة العليا طوارئ.
كما دعت قاضي التحقيق في قضية التمويل الأجنبي إلى «ضرورة استكمال الخطوات التي من شأنها حفظ التحقيقات في القضية بالكامل وإغلاق هذا الملف بشكل نهائي». كذلك كررت الدعوة إلى «ضرورة إنهاء كافة القضايا الأخرى المتداولة على المؤسسات نفسها والعاملين فيها».

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى