مراقبون إسرائيليون قلقون من الهزيمة الأمريكية في أفغانستان وتبعاتها على دولة الاحتلال
عربي تريند- يعرب عدد كبير من المراقبين والمحللين الاستراتيجيين عن قلقهم من الفشل الأمريكي في أفغانستان وتبعاته على إسرائيل وحليفاتها العربيات في المنطقة، ويرون به أكثر من فشل عسكري.
ونقلت صحيفة “معاريف” عن اللواء في الاحتياط، يسرائيل زيف، قوله إن “الأحداث في أفغانستان دليل على انهيار الاستراتيجية الأمريكية”. ويقول زيف، رئيس سابق لشعبة العمليات في جيش الاحتلال، إن ما تشهده أفغانستان يعكس فشل كل الدول العظمى التي حاولت التدخل هناك، الأمريكيون والروس والبريطانيون.
وتابع: “هذه هي طبيعة البلد ولا يستطيع أحد تغيير صورة هذا الواقع لفترة زمنية طويلة، بواسطة القوة.” وأضاف: “يأتي هذا في توقيت خاص، ولا سيما الاستنتاجات الأمريكية التي يجب علينا أن نستخلصها بشأن الموضوع الإيراني. لا شك في أن التفكير الأمريكي في التخفيف من العقوبات المفروضة على طهران والسماح للإيرانيين بالعودة إلى المنظومة الاقتصادية العادية هو مقدمة لإخفاق عالمي مقبل”.
وقال زيف أيضا إنه في مثل هذا الوضع، ستكون إسرائيل جزءاً كاملاً من الذين سيتحملون النتائج. وشدّد على أن المسألة الأساسية الآن هي الموضوع الإيراني، ويجب على إسرائيل ممارسة ضغط كبير في هذا الشأن. وتساءل: “هل سيوقف الأمريكيون انسحاباً آخراً يريدون القيام به إزاء الإيرانيين أم نحن سنوقفه؟”. ويخلص للقول: “لأن أي انسحاب معناه تعزيز قوة إيران، وستكون نتيجته العودة إلى مشهد اليمن والهجوم على السعودية وإلى الأوضاع في سوريا ولبنان وفي كل مكان يوجد فيه وكلاء للإيرانيين”.
أنباء سياسية لإسرائيل
يرى الدكتور ميخائيل ميليشطاين، الباحث في شؤون الشرق الأوسط بجامعة تل أبيب، أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان يشكل أنباء سيئة لإسرائيل والعالم العربي السُني. كما يرى بأن الانسحاب يعكس انسحابا من المعركة على “العقول والقلوب” لأبناء الشرق الاوسط. ويقول إنه من شأن سياسة واشنطن أن تقوّض صورتها في نظر لاعبين مثل روسيا، الصين وإيران، وتعزز جرأتهم على تحقيق خطوات استفزازية، وتشجيع محافل متطرفة مثل القاعدة للعودة إلى رفع الرأس، وبالمقابل تعميق خوف حلفائها القدامى في العالم العربي من فقدان سندهم الاستراتيجي.
الانسحاب الأمريكي من أفغانستان سيؤثر سلبا على إسرائيل
بدوره، يعتقد المعلق السياسي يوني بن مناحم، أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان له تداعيات عالمية وإقليمية ستؤثر سلبا على إسرائيل، مسوغّا رؤيته بالقول إن ما أسماها “المنظمات الإرهابية الفلسطينية ” تستقطب بالفعل التشجيع من الانسحاب، وستستخدمه إيران للضغط على الولايات المتحدة لسحب قواتها من دول أخرى في الشرق الأوسط. ويشير إلى أن العالم العربي يقارن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، بالانسحاب الأمريكي من فيتنام عام 1975، أو انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان في مايو 2000. ويضيف بن مناحم وهو الآخر خريج المؤسسة الأمنية الإسرائيلية: “سيكون لهذا التراجع عواقب عالمية وإقليمية، فقد تم تصوير الولايات المتحدة على أنها عانت من هزيمة كبرى وتعرض الرئيس بايدن للإذلال وتضررت صورة الولايات المتحدة كقوة عالمية بشدة”.
ويرى أن العديد من دول الشرق الأوسط التي يوجد حضور عسكري أمريكي فيها، مثل دول الخليج والأردن والعراق وسوريا، تتساءل الآن عما سيحدث لها إذا قررت حكومة بايدن سحب القوات الأمريكية منها أيضا. ويؤكد أن إسرائيل قلقة للغاية مما حدث، فقد يؤثر ذلك على دول أخرى في الشرق الأوسط بطريقة “تأثير الدومينو” وتغيير ميزان القوى الإقليمي على حساب إسرائيل.
وفي معرض انتقاداته، ينضم يوني بن مناحم لمراقبين إسرائيليين ومحللين استراتيجيين تقديرهم بأن إدارة بايدن أثبتت ضعفها وعدم قدرتها على قراءة الوضع في أفغانستان بشكل صحيح، بعدما أعلن الرئيس بايدن قبل شهر فقط أن التقديرات تشيرا إلى أن أفغانستان لن تقع في يد طالبان. وأضاف: “ثبت مرة أخرى أن أجهزة المخابرات الأمريكية أخطأت في تقييمها للوضع فيما يتعلق بالإسلام الراديكالي، وينبغي أن يكون هذا أيضاً درساً لإسرائيل فيما يتعلق بطريقة تقييمها لأخطار المشروع النووي الإيراني. أسقط التصميم الإسلامي المتطرف الجيش الأفغاني، الذي يبلغ قوامه حوالي 300 ألف جندي، وقد دربته القوات الأمريكية وتلقى أحدث المعدات والأسلحة مقارنة بحركة طالبان التي تضم حوالي 60 ألف مقاتل فقط. استثمرت الولايات المتحدة حوالي تريليون دولار في الجيش الأفغاني على مدار العشرين عاما الماضية والآن سرعان ما ذهب كل شيء إلى الهاوية”.
عواقب الانسحاب
ويشير بن مناحم إلى بعض نتائج الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، قائلا إنه منذ اليوم، سيُنظر إلى الردع الأمريكي على أنه “نمر من ورق” هزمه الإسلام بالجهاد، إضافة إلى الإضرار بمكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ، وتصورها لخيانة حلفائها. كما يرى في قراءته أنه تم تدمير صورة الولايات المتحدة كقوة حازمة وقوية ونُظر إليها على أنها تهرب من ساحة المعركة وذيلها بين ساقيها، وإنه في أفغانستان، ستنشأ إمارة إسلامية يمكن أن تشكّل أيضاً الأساس لإعادة نمو القاعدة.
ويرى أن الهزيمة الأمريكية في أفغانستان تعني الدعم المعنوي لما أسماها “المنظمات الإرهابية السنية” التي تحلم بإقامة خلافة إسلامية ودعمها في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ويتابع: “لقد هزمت رؤيةُ الجهاد المتطرف القيمَ الغربية للديمقراطية وحقوق الإنسان”. ويعرب بن مناحم عن خشيته من ممارسة الضغط من خلال “النشاط الإرهابي” على الولايات المتحدة لسحب قواتها من دول الخليج والعراق وسوريا والأردن. ويضيف: “تشير التقديرات في إسرائيل إلى أن إيران ستمارس في المستقبل القريب ضغوطا على الميليشيات الموالية لها في العراق لتكثيف الهجمات على الأهداف الأمريكية في البلاد من أجل تسريع الانسحاب الأمريكي من العراق. كذلك الحلفاء العرب لواشنطن، الذين اعتمدوا عليها منذ فترة طويلة لمساعدتهم إذا تعرضت للهجوم من قبل إيران، يتساءلون الآن عما إذا كان بإمكانهم البناء على القوة الأمريكية”.
القاسم المشترك
يعتقد عوفر شيلح، عضو الكنيست السابق، وحالياً باحث كبير في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، أنه منذ أيام باراك أوباما، مروراً بدونالد ترامب، وصولاً إلى بايدن، كان القاسم المشترك الوحيد تقريباً للسياسة الخارجية الأمريكية هو تقليل الخسائر وخفض التوقعات والتقوقع على الداخل. معتقدا أن هذا التوجه سيؤثر على إسرائيل أكثر بكثير من صعود طالبان إلى السلطة في أفغانستان، وهو حدث من السابق جداً لأوانه الحكم على تأثيره.
ويضيف: “مَن يتطلع إلى واشنطن على أمل أن تساعدنا في خطوات تجبرها على الخروج من قوقعتها في مواجهة إيران، وفي مواجهة الفلسطينيين، وفي التسوية في سوريا، يجب أن يدرك أن المواطن الأمريكي يرى الآن أن كابول تؤثر فيه أكثر من أي رؤية ديمقراطية، ومن القضاء على الإرهاب. ما نشهده هنا ليس فقط انهياراً لعملية عسكرية لم يعرف الأمريكيون الانسحاب منها في الوقت الملائم، بل هو تخلٍّ نهائي عن نظرة إلى العالم اعتُبرت ذات يوم واجباً دينياً تقريباً”.
ويخلص شيلح في استنتاجاته للقول إنه “إذا أردنا أن يقف الأمريكيون إلى جانبنا، فيجب أن نقدم لهم رؤية جديدة تنطوي على قوة كافية للتغلب على هذا الانسحاب. الآن، بينما كابول تسقط مجدداً في قبضة طالبان يبدو الأمر صعباً للغاية”.